تركيز بلير على النشاطات الخيرية... مناورة سياسية جديدة؟

23 سبتمبر 2016
جمعت شركات بلير نحو 130 مليون دولار (ستيفان روسو/Getty)
+ الخط -

لم يكد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، يعلن عن إقفال إمبراطوريته للاستشارات والعلاقات العامة، وتوجيه 80 في المائة من نشاطاته نحو الأعمال الخيرية، حتى باشرت الصالونات السياسية وأقلام المحللين السياسيين والإعلاميين في محاولة تفسير حقيقة أو خفايا هذا التحوّل في مسيرة بلير. مع العلم أن الرجل اندفع منذ استقالته من رئاسة الحكومة البريطانية عام 2007، لبناء إمبراطورية من المنظمات والشركات، المُعلنة والسرية، في أكثر من 20 دولة حول العالم. وتشير التقديرات إلى أن شركات بلير جمعت عبر مكاتب توظف نحو 200 شخص، ما بين 78 إلى 130 مليون دولار منذ أن ترك رئاسة الحكومة.

ومع أن بلير حاول إضفاء مسحة إنسانية على قراره، إلا أن الكثير من المتابعين لمسيرته وسيرته السياسية ونشاطاته في مجال تقديم الاستشارات والعلاقات العامة، لم يروا في القرار "خطوة بريئة بدافع التوجه لأعمال الخير" كما قال، بل اعتبر هؤلاء أن "تخلّي بلير عن الجزء الأكبر من مشاريعه التجارية لا بدّ وأنه يخفي وراءه أجندة ما". 

بعض المشككين في قرار بلير، رأوا أن "القرار هو بمثابة وصول ماركة بلير التجارية إلى نهايتها، وعدم صلاحيتها بعد ما لحق بالرجل من تشويه، حتى بات يُعرف بالكذاب والجشع ومستشار الطغاة". وأشار هؤلاء إلى أن بلير تمكن خلال تسع سنوات في رئاسة الحكومة البريطانية، من بناء شبكة علاقات واسعة مع سياسيين وصنّاع قرار ومستثمرين ورجال أعمال ومراكز قوى سياسية واقتصادية عبر العالم، ثم نجح في استثمار هذه العلاقات لمصالحه الخاصة، وبات يشغل إمبراطورية تقدم الاستشارات في السياسة والاقتصاد وحتى المبادرات الخيرية. وقد امتدت إمبراطورية بلير وشركتا "ويند رش" و"فايررش"، إلى جانب "مؤسسة الايمان" الخيرية، ومبادرة الحكم في أفريقيا" غير الربحية، لنحو 20 بلداً.

وبات معروفاً أن بلير يعمل مستشاراً معلناً لحكومات وجهات رسمية في فيتنام، والبيرو، وكازاخستان، والكويت، وكولومبيا، والبرازيل، وبورما، وجنوب السودان، ومنغوليا، وسيراليون، وراوندا، وليبيريا، وغينيا. كما يعمل مستشاراً غير معلن لحكومات وجهات رسمية في مصر، ورومانيا، وتايلند، وهونغ كونغ، والصين.



غير أن كل ذلك وصل إلى نهايته كما قال المحلل السياسي في مؤسسة "كويليام" للاستشارات، جوناثان راسل، مضيفاً أنه "قد تكون أفكار بلير جاذبة ومميزة، وقد تكون طريقة معالجته للمشاكل السياسية مثار إعجاب الكثيرين ممن استعانوا بخبراته، دولاً وأفراداً".

وتابع راسل "لكن اسم بلير لم يعد جاذباً، نتيجة ما لحق بصورة الرجل وسمعته من تشويه، وهو ما دفع الكثير من زبائنه لإنهاء التعاقدات معه، والابتعاد عنه". وربما هذا ما دفع بلير لتقليص نشاطاته، لأن إيرادات الخدمات الاستشارية لم تعد توازي نفقات التشغيل، بما في ذلك من مكاتب فاخرة ورواتب عالية لحوالي 200 موظف.

أما المحرّر السياسي في قناة التلفزيون البريطانية "أي تي في"، روبرت بستون، فقد نقل عن مصدر مقرّب من بلير قوله، إن "القرار اتُخذ لأن رئيس الوزراء الأسبق سئم التغطية الإعلامية السلبية لنشاطاته، والخلط الواضح بين ما يقوم به من أعمال خيرية أو عامة من ناحية، ونشاطاته لكسب المال من ناحية ثانية". ونقل بستون عن صديق آخر قوله: "ربما أدرك توني الآن بأنه تصرف بشكل غير لائق لكسب المال، وهرول مثل المجنون لجمع الثروة بعد مغادرته داوننغ ستريت في عام 2007".

في المقابل، فإن هناك من يفسر قرار بلير، بمحاولة جديدة منه للتهرّب من دفع الضرائب مقابل ما يجمعه من أموال، لا سيما أن وسائل الإعلام البريطانية تطرّقت إلى تهرّب بلير من دفع الضرائب المستحقة على نشاطاته، عبر توزيع مداخيله على مجموعة معقّدة من الشركات والمؤسسات الخيرية، مما يجعل من المستحيل ضبط النفقات مقابل عائدات خدمات بلير وموظفيه.

ويُرجّح أن يلجأ بلير إلى توجيه نسبة من الأموال التي يكسبها لصالح الجمعيات الخيرية التي يديرها مع زوجته شيري بلير، وبالتالي يحصل بها على إعفاءات ضريبية، ويكون بذلك قد حقق أكثر من هدف مادي ومعنوي، لا سيما لصالح تحسين صورته وسمعته التي تضررت كثيراً في السنوات الأخيرة، حتى أن الكثير من البريطانيين باتوا يطلقون عليه إسم "ب-لاير" أي الكاذب.

ولم يستبعد الكثير من المعلقين في الصحف البريطانية أن تكون خطوة بلير، مقدمة "ناعمة" و"إنسانية" من أجل عودته إلى الساحة السياسية البريطانية، وربما عودته إلى رئاسة الحكومة البريطانية بعد انتخابات عام 2020. ويعتقد هؤلاء أن بلير يسعى إلى اقتحام ساحة العمل السياسي العام داخل بريطانيا عبر إحدى البوابتين. البوابة الأولى تتعلق بالعودة إلى زعامة حزب العمال، بعد ترميم ما لحق بالحزب من تراجع وانقسامات، لا سيما منذ انتخاب اليساري جيرمي كوربين على رأس الحزب في سبتمبر/أيلول الماضي، إذ يرى الكثر من أنصار بلير في عودته ضرورة لاستعادة الحزب من يد كوربين، والعودة به نحو نهج اليسار الليبرالي.

أما البوابة الأخرى التي قد يسلكها بلير في طريق العودة إلى الساحة السياسية، فقد تكمن في تأسيس حزب جديد، يقوم بالأساس على مناهضة "الخروج من الاتحاد الأوروبي"، ويضمّ أنصار الاتحاد من حزبي المحافظين، وحزب الأحرار الديمقراطي، وأنصار "تيار بلير" في حزب العمال. مع العلم أن بلير صاحب نظرية "الطريق الثالث" في حزب العمال، لن يعدم الوسيلة لإيجاد طريق ثالث بين حزبي المحافظين والعمال، والعودة إلى صدارة المشهد السياسي البريطاني، لاسيما أنه تخلص من عقدة غزو العراق 2003، مع أن تقرير لجنة "تشيلكوت" للتحقيق أصابه بجراح قد تلتئم بقليل من العمل "الخيري"، وفقاً لمشككين في نوايا رئيس الحكومة السابق.

المساهمون