تحرك السيسي ليبياً: ضمان مكانة لحفتر واستبدال اتفاق الصخيرات

20 سبتمبر 2016
سعى شكري لتوفير مساحات تحرك واسعة لحفتر(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
وسط اتهامات ليبية للحكومة المصرية بالتدخّل عسكرياً لصالح قائد "عملية الكرامة" اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في معركة الهلال النفطي وما تلاها من أحداث، تقول مصادر دبلوماسية مصرية واكبت الاتصالات والمفاوضات التي شهدتها القاهرة خلال الأيام الأخيرة حول الأزمة الليبية، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "لديه ثلاث ثوابت في المشهد الليبي، أولاها ضمان مكانة معتبرة لحفتر، وثانيتها تقليص نفوذ الإخوان المسلمين في حكومة الوفاق ولجنة المصالحة الوطنية، والثالثة الاعتماد على جيش حفتر فقط في تأمين الحدود الليبية والاعتداد به جيشاً وطنياً للبلاد".
وتؤكد المصادر أن "هناك حالة من الرضا في الأوساط الرسمية المصرية المتعاملة مع الأزمة الليبية، بسبب الانتصارات التي حققها حفتر في منطقة الهلال النفطي، ولأن هذه الانتصارات أجبرت المبعوث الأممي مارتن كوبلر ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج على التوجّه إلى القاهرة للتباحث حول مستقبل حفتر وعلاقته بالحكومة التي تمخضت عن اتفاق الصخيرات الأخير، ومدى إمكانية دمج حفتر ومن خلفه برلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح في خارطة المستقبل الليبية".
وترى المصادر أن "القاهرة لم تكن يوماً جادة في ما أعلنته علناً من دعمها لحكومة الوفاق الليبية، بل كانت تخطط في الأساس لتطويع هذه الحكومة وإيجاد مكان لحفتر وعقيلة صالح، وهما الرجلان الأقرب إلى السيسي ودولة الإمارات سياسياً في ليبيا".
وفي السياق، تكشف مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، أن مقاتلات جوية مصرية وجّهت ضربة داخل الأراضي الليبية مساء الأحد نحو الساعة التاسعة والنصف مساء بتوقيت القاهرة. وتقول المصادر إن مقاتلات حربية مصرية انطلقت من قاعدة جوية في المنطقة العسكرية الغربية بالقرب من مرسى مطروح، نفذت هجمة خاطفة في العمق الليبي يعتقد أنها كانت لدعم القوات التابعة لحفتر. يأتي هذا في وقت أكد فيه مدير مكتب وزير الدفاع المكلف بحكومة الوفاق الوطني أسامة القماطي، أن طيراناً أجنبياً يشارك قوات "عملية الكرامة" بقصف الحي السكني رأس لانوف وقوات حرس المنشآت.
وعن شكل الدعم الذي قدّمته مصر لحفتر خلال الأشهر الأخيرة، توضح المصادر أن "القائد العسكري الليبي تلقى دعماً استخباراتياً واسعاً من مصر التي أصبح لها اليد الطولى استخباراتياً في منطقة شرق ليبيا وجنوب بنغازي، منذ قيامها بعمليات توغل محدودة لعناصر من القوات الخاصة لتحرير بعض مواطنيها من أسر المليشيات". كما أن مصر، بحسب المصادر، قدّمت دعماً لوجيستياً يتمثل في توريد أسلحة متطورة لقوات حفتر، وذلك على الرغم من القرار الأممي باستمرار حظر توريد الأسلحة لجميع القوات المتناحرة في ليبيا، بالإضافة إلى دعم قادة قوات حفتر ونخبة من الضباط تدريبياً وفق تفاهمات سابقة أجراها السيسي مع حفتر وعقيلة صالح عام 2014.
وتعكس هذه المساعدات التي تزامنت مع محاولة لإيجاد مكان سياسي لحفتر، تمسك السيسي به كلاعب أساسي في ليبيا المستقبل، ليس فقط لعلاقاته الوطيدة بالإمارات (الداعم الرئيسي للسيسي حالياً) بل أيضاً لمواقفه المبدئية ضد التيارات الإسلامية وخصوصاً جماعة "الإخوان"، وهو ما يفتح شهية السيسي على أفكار تكوين حلف استراتيجي بين مصر وليبيا ضد القوى الإسلامية، كما يجعل ليبيا أكثر صرامة في التعامل العسكري والأمني مع الجماعات الإسلامية، التي يرى السيسي أنها تشكّل خطراً محدقاً بمصر من ناحية الغرب.
ويبذل السيسي جهوداً مكثفة لإقناع الدول الكبرى برفع الحظر عن توريد الأسلحة لقوات حفتر باعتبارها الجيش النظامي للدولة الليبية، وهي نقطة تُعتبر محور نزاع بين القاهرة وحكومة السراج. فالسراج الذي لا يثق في حفتر، وعبّر عن ذلك للمسؤولين المصريين، يريد المساواة بين قوات حفتر وقوات الحرس الوطني التابعة له على مستوى التسليح والدعم الخارجي، وهو أمر ليس محققاً الآن، ولذلك جاءت رحلة السراج الأخيرة إلى القاهرة للتباحث حول مستقبل العلاقات (الرسمية) بين حكومة الوفاق والقاهرة، في ظل دعم الأخيرة (المبطن) لحفتر، ومعرفة ما قد يترتب على ذلك في المستقبل.


ويرى مصدر حكومي مصري شارك في بعض الاجتماعات التي عقدها وزير الخارجية سامح شكري خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين مع الفرقاء الليبيين، أن "دعم القاهرة لحفتر في معركة الهلال النفطي سيؤدي إلى تحسين شروطها وشروطه عند التفاوض على طبيعة موقعه في الحكومة الليبية مستقبلاً، وبالتبعية طبيعة موقع رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح". ويؤكد المصدر أن "اجتماعات شكري مع الفرقاء الليبيين كانت تهدف في الأساس لإيجاد مساحات تحرك واسعة لحفتر وصالح، وزعزعة الاستقرار الهش لحكومة الوفاق"، مشيراً إلى أن "التفوق الذي تحرزه مصر في هذا الصعيد دبلوماسياً واستخباراتياً يفوق ما تحققه الدول الكبرى، لأن هناك أجهزة مصرية ذات خبرة واسعة في التعامل مع الملف الليبي، كما أن السيسي يستخدم في هذا الملف عدداً من الشخصيات الليبية المقيمة في مصر والمعروفة بعلاقاتها الواسعة مع القبائل".
ويبدو الفارق شاسعاً بين الطريقة التي تدير بها مصر الملف الليبي، وطريقة إدارة القوى الغربية للملف ذاته، فمصر ما زالت تتعامل مع الواقع القبلي والعشائري الذي ترغب الأحزاب الليبية في تخطيه إلى آفاق سياسية أكثر رحابة عبّرت عنها وثيقة اتفاق الصخيرات. ونظراً لقوة التأثير المصري على ليبيا، وتبعاً للتطورات الأخيرة وتقدّم حلفاء السيسي ميدانياً، يبدو المناخ مهيأً الآن أكثر من أي وقت مضى أمام سعي مصر للتوصل إلى اتفاق جديد في ليبيا يفرغ اتفاق الصخيرات من مضمونه أو على الأقل يضمن موقعاً مميزاً لحلفاء السيسي، بحد أدنى ضمان تحويل قوات حفتر إلى جيش نظامي رسمي غير محظور التعامل معه دولياً، وبلورة دور سياسي لعقيلة صالح ومجموعته المتمركزة في طبرق.
وتقول مصادر دبلوماسية مصرية إن "لقاءات المسؤولين المصريين مع كوبلر والسراج وصالح والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط خلال الأيام الثلاثة السابقة، شهدت لأول مرة منذ اتفاق الصخيرات حديثاً صريحاً عن ضرورة عقد لقاءات بين جميع الفرقاء الليبيين من دون استبعاد أي طرف"، معتبرة أن هذا الأمر يعد تراجعاً في موقفي كوبلر والسراج، ويفتح الباب أمام دعوة جادة لاستضافة هذه المفاوضات في مصر.
وتذكر المصادر أن "اللقاءات الأخيرة شهدت طرح عدد من المقترحات الجديدة والبدائل التي قد تُبحث جدياً في المفاوضات المقبلة، مثل إعلان حفتر وصالح تأييد حكومة السراج مقابل تعيين حفتر قائداً عاماً للجيش برتبة مشير، وحل الحرس الوطني مقابل تأييد برلمان طبرق للحكومة، وإعادة تشكيل لجنة الوحدة الوطنية بتخفيض عدد ممثلي التيارات الإسلامية فيها مقابل تعيين وزراء مؤيدين لحفتر وصالح على رأس حقائب سيادية".
وتشدد المصادر على أن "اللهجة المتصاعدة بين أنصار حفتر وصالح للتنديد بالتدخّل الأجنبي في شؤون البلاد وتأييد الوساطة المصرية، ليست إلا محاولات لتغيير أسس المحادثات وإشعار القوى الغربية بقوة النفوذ المصري في ليبيا، وليس مطروحاً على الإطلاق الاستغناء عن الدور الأميركي أو الأوروبي المهم لدفع عملية السلام هناك".

المساهمون