بريطانيا تواجه الخروج الصعب من الاتحاد الأوروبي

31 اغسطس 2016
أكدت ماي الالتزام بقرار الخروج من "الاتحاد"(تيزيانا فابي/فرانس برس)
+ الخط -
لا يتوقف الجدل السياسي والقانوني حول مستقبل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد تصويت 52 في المائة من البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد في استفتاء 23 يونيو/حزيران الماضي. وبينما تبدو رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، مُتمسكة باحترام الإرادة الشعبية، وهي تردد مقولة "البريكست يعني البريكست"، إلا أنها تبدو في الوقت نفسه مترددة في تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة الخاصة بترتيبات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبدء المفاوضات على شكل العلاقة بين المملكة المتحدة والدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. موقف ماي الحاسم لجهة التمسك بمبدأ "الخروج"، والمُتردد لجهة توقيت البدء في مفاوضات الخروج، يقابله موقف يسعى إلى الالتفاف على الإرادة الشعبية، والتلكؤ في تنفيذ نتيجة الاستفتاء، مع إبقاء بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي. ويتشارك في هذا الموقف طيف واسع من النواب وأعضاء مجلس اللوردات وقيادات في الأحزاب الرئيسية، المحافظين، والعمال، والقومي الأسكتلندي والليبرالي الديمقراطي.


ويرى مؤيدو البقاء في الاتحاد الأوروبي، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق توني بلير، والمرشح لزعامة حزب العمال اوين سميث، إمكانية تجاوز نتيجة الاستفتاء الشعبي، من خلال مخرج دستوري يتمثل في عرض النتيجة على تصويت في غرفتي البرلمان، ما يفضي إلى إجهاض "البريكست" لأن 480 نائباً في مجلس العموم (أي أكثر من نصف أعضاء البرلمان) عبروا عن تأييدهم لبقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي خلال الاستفتاء. وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه أغلب أعضاء مجلس اللوردات. أما السيناريو الثاني الذي يروج له رافضو الخروج من الاتحاد فيتمثل في تنظيم استفتاء ثان.

ويبرر بعضهم المطالبات بتدخل السلطة التشريعية، لعدم تمرير قانون "الخروج" واعتبار نتيجة الاستفتاء مجرد "استشارة شعبية" بحجج قوية، أولها أن الفارق بين من أيدوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومن عارضوه لم يكن كبيراً. لم تتجاوز نسبة من صوتوا لصالح الخروج 51.9 في المائة مقابل 48.1 في المائة أيدوا بقاء بريطانيا في الاتحاد. كما أن من صوتوا للخروج لا يشكلون إلا نحو 25 في المائة من الشعب البريطاني. أما الحجة الأخرى فهي أن 490 نائباً يمثلون الأحزاب الرئيسية في مجلس النواب، من أصل 650 عضواً في مجلس النواب أعلنوا تأييدهم لبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، وهذه الأغلبية التي تمثل 70 في المائة من ممثلي الشعب لها الحق الدستوري بعدم شرعنة نتيجة الاستفتاء، لا سيما أن الكثير من النواب يعتقدون أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يشكل كارثة بالنسبة لبريطانيا، كما قال النائب السابق عن حزب المحافظين، ماثيو باريس، في صحيفة "التايمز".
وفي رد على كل المحاولات التي تستهدف الالتفاف على نتيجة الاستفتاء، أكدت رئيسة الوزراء على لاءات صارمة، لا لتنظيم انتخابات مُبكرة، لا لتنظيم استفتاء ثانٍ حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ولا لعرض نتيجة الاستفتاء على تصويت برلماني. وكررت ماي أن بريطانيا وحكومتها سوف تظلان ملتزمتين بقرار "الخروج" من الاتحاد الأوروبي، وأنه "لن يكون هناك أي محاولات للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، ولن يكون هناك محاولات لإعادة الانضمام بطريقة غير مباشرة". وسوف تترجم ماي التزامها بـ"الخروج" خلال اجتماع مع وزراء حكومتها اليوم الأربعاء لبحث الخطوات التالية التي يتعين على الحكومة اتخاذها في أعقاب نتيجة مفاجئة مؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد في استفتاء أجري في يونيو/حزيران.
ولا يبدو أن تأكيد ماي على حماية إرادة من صوتوا لصالح الخروج كافٍ لطمأنة من يستشعرون وجود مؤامرة لعرقلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقول أنصار "الخروج" إن ساسة بريطانيين وأوروبيين يخططون لمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومحاولة تقويض الإرادة الديمقراطية للشعب البريطاني عن طريق تخريب خروج المملكة المتحدة. ويشيرون إلى بدء حملة لفرض استفتاء ثانٍ بعد انتشار الفوضى في حزب العمال. وقالت صحيفة "ديلي ميل" إن "رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، والذي دعا إلى استفتاء ثانٍ، ورئيسة الوزراء الاسكتلندية، نيكولا سترجون، والتي هددت باستخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، طرفان في المؤامرة".
وعلى الرغم من اللاءات الصارمة لرئيسة الحكومة، يستبعد رئيس كلية القانون في جامعة درهام البريطانية، البروفيسور توم بروكس، "تفعيل المادة 50 الخاصة بترتيبات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". ونقلت صحيفة "ميل أون لاين" عنه اعتقاده أن بريطانيا لن تخرج من الاتحاد الأوروبي وأن ماي ستلجأ إلى تنظيم استفتاء ثانٍ.
ووصف بروكس عبارة "الخروج يعني الخروج" التي تكررها ماي منذ توليها منصب رئاسة الحكومة في يوليو/حزيران الماضي بأنها مرادف لعبارة "الهراء هو الهراء"، على حد وصفه. وأضاف "لا أعتقد أن الحكومة ستقدم على تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة، فمهمة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بعد 42 سنة من العلاقة القانونية معقدة جداً". وتوقع "تراجع الحكومة عن التزامها بالخروج والدعوة لاستفتاء ثانٍ".
في المقابل يصر المسؤولون الأوروبيون على ضرورة مباشرة بريطانيا في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي لترتيب إجراءات الخروج، محذرين لندن من أي مماطلة. وهو ما أكده الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أخيراً، بالقول إنّ قرار الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي يجب احترامه و"خيار الشعب لا تمكن العودة عنه".