معارك "الساعات العشر" تفتح سيناريوهات الصدام التركي الكردي المباشر

26 اغسطس 2016
صدام محتمل بين المعارضة والأكراد في السباق نحو الباب(Getty)
+ الخط -
بداية مرحلة جديدة في سورية تعكسها تطورات اليومين الماضيين، من خلال عملية "درع الفرات" التي أطلقتها المعارضة السورية، بدعم مباشر من الجيش التركي الذي توغل إلى الأراضي السورية، منهياً خلال عشر ساعات سلطة امتدت لعامين ونصف العام لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مدينة جرابلس الحدودية. كما فتحت المعركة الباب أمام سيناريوهات عدة، في ما يتعلق بالعلاقة بين الجيش التركي والمليشيات الكردية داخل الأراضي السورية.

وبدا واضحاً أن لعملية "درع الفرات" أهداف متعددة. فهي تهدف، من جهة، إلى "تطهير" المنطقة الممتدة من أعزاز إلى جرابلس من تنظيم "داعش" كي لا يبقى أي اتصال جغرافي للتنظيم مع الأراضي التركية. ويتعلق الأمر بخطوة أولى نحو إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية. كما تهدف من جهة أخرى إلى تحجيم النفوذ الكردي في شمال سورية ووضع حد لمساعي حزب الاتحاد الديمقراطي لإنشاء إقليم ذي طابع كردي في شمال البلاد، وهو ما يشكل خطراً على الأمن القومي التركي.

ويتوقع مراقبون ألا تتوقف العمليات العسكرية عند جرابلس، لا سيما أن الأتراك يؤكدون أنهم جادون هذه المرة في "تطهير" مناطق غرب الفرات من تنظيم "داعش" والمليشيات الكردية. وفي السياق، أرسلت القوات الخاصة التركية، التي تشارك مع قوات المعارضة السورية بعملية "درع الفرات"، تعزيزات إضافية إلى داخل الأراضي السورية بعد إخراج تنظيم "داعش" من مناطق ريف حلب الشمالي الشرقي المقابلة للحدود السورية المشتركة. وأوضح الصحافي السوري، عدنان الحسين، الموجود في منطقة العمليات على الحدود المشتركة، لـ"العربي الجديد"، أن قوات الجيش التركي الخاصة أرسلت نحو عشرين آلية عسكرية جديدة إلى داخل الأراضي السورية، صباح أمس الخميس.

في المقابل، تحاول "قوات سورية الديمقراطية"، التي تتكون بشكل أساسي من مقاتلي "وحدات حماية الشعب" الكردية، احتواء الضغط الذي تتعرض له. وفي السياق، كان كلام نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، واضحاً يوم الأربعاء أثناء مؤتمر صحافي عقده مع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، حين أكد أن واشنطن أوضحت للقوات الكردية السورية أن عليها العودة إلى شرق نهر الفرات بعد السيطرة على مدينة منبج السورية حتى تحافظ على الدعم الأميركي لها.

ويؤكد قياديون سوريون أكراد أنهم بصدد الانسحاب من مدينة منبج، دون الجزم بإمكانية تحقيق المطلب التركي الأبرز وهو الانسحاب إلى شرق نهر الفرات. وفي السياق، أعلنت ما تسمّى بـ"القيادة العامة لوحدات حماية الشعب" الكردية عن انسحاب قواتها "العاملة ضمن قوات سورية الديمقراطية، وتحت قيادتها" من مدينة منبج وريفها، على الرغم من أن المعطيات على الأرض، حتى الساعات الأولى التي أعقبت صدور البيان، لم تكن تشير إلى أنها قد بدأت الانسحاب فعلياً من منطقة غرب الفرات إلى شرقه. ووفق ما ورد في بيان صدر عنها الخميس، أشارت "الوحدات" إلى أن هذه القوات "عادت إلى قواعدها بعد أن سلمت القيادة العسكرية لمجلس منبج العسكري، وجميع نقاطها العسكرية"، موضحة أنها "سلمت الإدارة المدنية للمجلس المدني في منبج في منتصف أغسطس/ آب الجاري"، مؤكدة استعدادها "لمؤازرة المجلس العسكري لمنبج مرة أخرى في حال تعرضها لأي هجوم، أو اعتداء من أي جهة". كما أشارت إلى أنها سلمت نقاطاً سيطرت عليها في خط شمال الساجور (نهر صغير رافد للفرات) إلى ما سمته بـ"المجلس العسكري لجرابلس"، وهو مجلس تم تشكيله من قبل قوات "سورية الديمقراطية" من أشخاص مقربين منها، ولم يلق أي تأييد من أهالي منطقة جرابلس، حيث يعتبر تابعاً للوحدات الكردية، وفق مصادر محلية.


لكن التطورات على الأرض كانت مختلفة. إذ تقدمت قوات سورية الديمقراطية، منذ يوم الأربعاء، من منبج إلى جنوب مدينة جرابلس، وسيطرت على مواقع، منها قرية "العمارنة" التي لا تبعد سوى عشرة كيلومترات عن جرابلس التي باتت في مرمى نيران هذه القوات، فيما كانت الاشتباكات في المنطقة مستمرة حتى يوم أمس.

ولم تكن العلاقة التركية مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) على هذه الدرجة من الاحتقان والتوتر كما هي عليه اليوم. وهو ما يدفع مراقبين إلى ترجيح أن الصدام المسلح "آتٍ لا ريب فيه"، لا سيما إذا حاولت الوحدات الكردية "معاندة الجيش التركي" ولم تقبل الانصياع لطلبه منها بالانسحاب إلى شرق النهر. وقد حذر وزير الدفاع التركي، فكري إيشيك، من سيناريو كهذا، بقوله أمس إن بلاده "لها كل الحق في التدخل" في حال لم تنسحب الوحدات الكردية سريعاً إلى شرق الفرات، بعيداً عن الحدود التركية السورية. وأضاف: "في الوقت الحالي، لم ينسحبوا، ونتابع بانتباه كبير هذه العملية. هذا الانسحاب مهم بالنسبة إلينا".

ويبدو أن "الاندفاعة" التركية إلى الداخل السوري فاجأت المليشيات الكردية. فهي لم تكن تتوقع أن ينخرط الجيش التركي مباشرة في عمليات عسكرية داخل الحدود السورية. ويعتبر القيادي السوري الكردي البارز، آلدار خليل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن أنقرة "ليست بصدد مساعدة السوريين على إسقاط النظام، بقدر ما هي حريصة على إعادة أمجاد الماضي". كما رأى أن "تزامن الدخول التركي إلى سورية مع ذكرى معركة مرج دابق منذ 500 سنة والتي دخل على أثرها السلطان سليم الأول إلى سورية، ليس صدفة، بل هو توقيت مدروس بعناية"، على حد وصفه.

ولم يتحدث خليل عن إمكانية انسحاب "قوات سورية الديمقراطية" إلى شرق نهر الفرات، لكنه لمّح إلى احتمال الانسحاب من منبج، مشيراً إلى أن هذه القوات تسلّم المناطق التي تستولي عليها "إلى أهلها". ورجح أن تنسحب إلى مناطق أخرى غرب نهر الفرات، منها مدينة الباب، التي لا تزال تحت سيطرة "تنظيم الدولة". وأكد أن القوات الكردية لم تتجه إلى مدينة جرابلس مراعاة للحساسية الإقليمية، مؤكداً أنه ليست لديها القدرة على البقاء في كل المناطق التي تسيطر عليها. وشدد على أن لدى "قوات سورية الديمقراطية" النية بـ"التصدي للجيش التركي في حال توغل أكثر جنوباً". كما أقرّ بأن التدخل التركي "ربما يعيق تنفيذ مشروع الفيديرالية في شمال سورية عدة أشهر".


من جانبه، أكد القيادي في "الفرقة 13" المشاركة في العمليات العسكرية في جرابلس، المقدم أبو حمود، أن المليشيات الكردية لم تكن انسحبت أمس إلى شرق نهر الفرات. وقال "نحن نترقب"، موضحاً أن الأولوية الآن للجيش السوري الحر تتمثل بـ"تأمين مدينة جرابلس". وأكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عيون مقاتلي المعارضة السورية "تتجه نحو الباب" التي تقع إلى جنوب غرب جرابلس بنحو 60 كيلومتراً.

ومن المنتظر أن يحدث سباق خلال الأيام القليلة المقبلة بين قوات المعارضة السورية والمليشيات الكردية للوصول أولاً إلى مدينة الباب، بوصفها المعقل الأخير لتنظيم "الدولة الإسلامية" شمال شرق حلب. وهو ما يعني احتمال حدوث صدام بين الطرفين، إلا إذا أجبر التحالف الدولي المليشيات الكردية على تغيير وجهتها، إذ من المتوقع أن تبدأ معركة لانتزاع السيطرة على مدينة الرقة السورية، في شرق البلاد.

من جهته، أكد المحلل السياسي، الكاتب التركي، أوكتاي يلماز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أنقرة تريد حل مسألة وجود مليشيات كردية غرب النهر بـ"الطرق السياسية"، مضيفاً أنه في حال تأخر انسحاب هذه المليشيات سيضطر الجيش التركي إلى تطهير المنطقة منها بالقوة. وأشار إلى أن الهدف القريب لعملية درع الفرات تحقق وهو تسهيل الطريق أمام المعارضة السورية للسيطرة على جرابلس، موضحاً أن هناك أهدافاً أخرى للعملية تتمثل بتطهير مناطق أخرى من "الإرهابيين". وأشار إلى أن تأمين جرابلس "يتطلب السيطرة على مدينة الباب"، مؤكداً أن إنشاء منطقة آمنة للنازحين السوريين يشكل أولوية لدى الحكومة التركية في الوقت الراهن.

المساهمون