المعارك تسقط مناورة هدنة "النوافذ الإنسانية" في حلب

12 اغسطس 2016
استمرت المواجهات بحلب رغم الهدنة الأخيرة (بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -
لم يدم طويلاً الانتظار حتى تتضح حقيقة الأهداف التي دفعت روسيا إلى طرح هدنة الساعات الثلاث يومياً في حلب كـ"نوافذ إنسانية"، إذ لم تمنع تلك الهدنة من مواصلة الطيران الروسي إلى جانب طيران النظام قصف مناطق وأحياء عدة في حلب في محاولة لتغيير موازين القوى في المدينة التي تشهد معارك كر وفر محتدمة منذ تمكُّن قوات المعارضة من كسر الحصار الذي كان مفروضاً على الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرتها.
أما الأمم المتحدة، فلم تتردد من جديد في محاولة استجداء دور من روسيا في حلب عبر تأكيد المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الاعتراض على هدنة الساعات الثلاث بسبب الحاجة لـ48 ساعة من التهدئة، ليتم إرسال المساعدات الإنسانية.

واعتبر دي ميستورا، في مؤتمر صحافي أمس الخميس، أن "إيصال مساعدات إنسانية إلى سكان حلب يتطلّب تهدئة لمدة 48 ساعة"، قائلاً إن "تهدئة 3 ساعات غير كافية لذلك". ومن جديد، كشفت تصريحات دي ميستورا أن الأمم المتحدة عاجزة عن اتخاذ أي خطوة قبل الحصول على موافقة روسية، بقوله "قال الروس إنهم يصغون إلينا، وأنهم على استعداد لمناقشة كيفية تحسين اقتراحهم الأصلي"، مردفاً "لقد عبّرنا بوضوح عن وجهة نظرنا، كما أعرب الروس عن استعدادهم للحوار، وسنرى ما سيسفر عن ذلك". كما لفت دي ميستورا إلى أنّ "هناك أدلة كثيرة على أنّ هجوماً بالغاز وقع في حلب، وإذا تأكدت صحة ذلك، فستكون جريمة حرب". وفي حين أكد أن لا حل عسكرياً سينجح في حلب وسورية، كرر المبعوث الأممي التصميم على استئناف مفاوضات جنيف نهاية الشهر الحالي.

وسبق أن ذكرت الأمم المتحدة أن "الهدنة التي أعلنت عنها روسيا لن تكون كافية لتلبية احتياجات المدنيين بحلب". وقال نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، إنه "لتلبية هذا الحجم من الاحتياجات، نحتاج إلى ممرين، ونحتاج إلى 48 ساعة تقريباً لإدخال عدد كاف من الشاحنات".

وكانت هيئة الأركان الروسية قد أعلنت عن إنشاء "نوافذ إنسانية" من خلال وقف الأعمال القتالية والضربات الجوية والمدفعية بحلب ثلاث ساعات يومياً، للسماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى المدينة. وقال قائد العمليات في هيئة أركان الجيش الروسي، سيرغي رودسكوي، يوم الأربعاء، في مؤتمر صحافي: "لضمان السلامة التامة للقوافل المتجهة إلى حلب، ستكون هناك فترات تهدئة إنسانية من الساعة العاشرة صباحاً حتى الواحدة ظهراً بالتوقيت المحلي، بدءاً من الخميس، سيتم خلالها وقف كل المعارك والقصف الجوي والقصف المدفعي". وأكد رودسكوي فتح طريق إلى منطقة في شمال المدينة، عبر منطقة الكاستيلو، التي تسيطر عليها قوات النظام، وذلك "لضمان السلامة وتنظيم إيصال الطعام والماء والوقود والأدوية وغيرها من المواد الأساسية، إلى مناطق غرب المدينة وشرقها على مدار الساعة"، وهو ما اعتبرته أوساط المعارضة السورية أنه لا يعدو عن كونه مناورة تهدف إلى ضمان إيصال المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام حصراً.





وبموازاة الحديث عن الهدنة، تتزايد الأوضاع الميدانية ضراوة، في ظلّ محاولات قوات النظام استعادة النقاط التي خسرتها جنوب مدينة حلب لصالح المعارضة في الأيام الأخيرة، كي تتمكن مجدداً من إحكام الحصار على مناطق سيطرة المعارضة. وتعمل قوات النظام على أن تكون صاحبة الكلمة الأولى في الصراع، بعد الضربة القوية التي تلقتها أخيراً على يد قوات المعارضة، والتي تمثلت بسيطرة الأخيرة على مدرسة المدفعية وكلية التسليح والكلية الفنية الجوية والمناطق المحيطة بهذه الثكنات العسكرية، جنوب حلب.

وقد نجحت قوات النظام بالفعل، في تحقيق تقدم جنوب حلب، قبل أن تعلن قوات المعارضة عن استعادة جميع هذه المناطق، لكن المواجهات العسكرية المستمرة، كبّدت قوات المعارضة خسائر لا يستهان بها، شملت مقتل أحد قادة قوات المعارضة الميدانيين البارزين في حلب.

كما شنّت طائرات، يُعتقد أنها روسية، ثماني غارات جوية على منطقة الراموسة، جنوب حلب، وألقت مروحية تابعة للنظام السوري خمسة براميل متفجرة على مناطق سيطرة المعارضة في الشيخ سعيد والراموسة. وشنت قوات النظام، فجر أمس، هجوماً كبيراً على المناطق المذكورة، من ثلاثة محاور، بهدف استعادة السيطرة على منطقة الراموسة الصناعية وحي الراموسة ومدرسة المدفعية وكلية التسليح والكلية الفنية الجوية وسوق الجبس ومنطقة عقرب ومدرسة الحكمة والتلال الواقعة إلى الجنوب منها. لكن قوات المعارضة السورية تمكنت، صباح أمس، وبعد ساعات قليلة من تقدم قوات النظام في الراموسة والمناطق المحيطة بها، من استرداد جميع المناطق التي خسرتها، تحديداً منطقة الدباغات وسوق الجبس وعقرب ومشروع 107 شقة.

وكشفت "غرفة عمليات فتح حلب"، وهي تجمع عسكري لفصائل المعارضة بحلب، أنه "تم التصدي لمحاولة عصابات الأسد التقدّم على منطقة الراموسة واستعادة مبنى البلدية، بعد تقدم الأخيرة"، مشيرة إلى "قتل وجرح عدد من جنود النظام". بدوره، أوضح "جيش الفتح"، أن "معارك عنيفة تتواصل ضد المليشيات الطائفية التي تحاول التقدّم على محاور عدة على أطراف المدينة".

وقد كبّدت المعارك المستمرة جنوب حلب طرفي المواجهة خسائر كبيرة في العتاد والأرواح، وتحدثت مصادر من فصائل المعارضة في حلب، عن مقتل أكثر من أربعين عنصراً من قوات النظام، أمس، يضافون إلى ستين آخرين، كانوا قد قتلوا يوم الأربعاء.

وعلى الجانب الآخر، خسرت قوات المعارضة عدداً لم تعلن عنه من عناصرها، كان على رأسهم يوسف زوعة، القائد العسكري لجيش المجاهدين، أحد أكبر فصائل المعارضة المنضوية في غرفة عمليات فتح حلب. كما نفى المتحدث باسم جماعة جيش الأنصار المعارضة، محمد رشيد، سريان وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن القوات الحكومية تحاول التقدم باتجاه منطقة الراموسة، وسط تصعيد كبير من جانب الطائرات الحربية الروسية. كما أفاد شاهد من حلب عن استمرار القتال بعد الساعة العاشرة والنصف صباحاً. وقال مسؤول ثانٍ من المعارضة إن القتال لا يزال مستمراً.

وأفاد التلفزيون السوري، اليوم الخميس، بأن الجيش أحرز تقدماً، ليلة الأربعاء ـ الخميس الماضية، تحت غطاء من الضربات الجوية باتجاه مواقع بالقرب من مناطق استولى عليها المعارضون الأسبوع الماضي. لكن رشيد ومتحدثاً آخر في حلب، قالا "إن قوات النظام استولت على بعض المواقع، لكنها سرعان ما أجبرت على التراجع عنها".

وأفادت مصادر محلية في بلدة حريتان، بريف حلب الشمالي، بأن قوات النظام المتمركزة في منطقة سجن حلب، شنّت قصفاً مدفعياً على البلدة، أسفر عن أضرار مادية كبيرة. كما اندلعت حرائق كبيرة في الأراضي الزراعية المحيطة ببلدة بيانون، في ريف حلب الشمالي، إثر استهداف البلدة بالرشاشات الثقيلة من قبل قوات النظام المتمركزة في محيط بلدة الزهراء القريبة منها.