السيسي يضمن ولاء الجيش بتسليمه المشاريع الكبرى

23 يوليو 2016
مشاريع الجيش بعيدة عن أدوات الرقابة (الأناضول)
+ الخط -
لا يتوقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عن إصدار القرارات التي تزيد من هيمنة وسيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد المصري وإدارة المشاريع الكبرى، بما يدرّ دخلاً كبيراً على ميزانية الجيش. وأصدر السيسي، الشهر الماضي، قراراً بتكليف الجيش إزالة التعديات بمساحة كيلومترين على جوانب الطرق والمحاور الرئيسية، بما يعني مزيداً من التحكّم والسيطرة. ويعتمد السيسي بشكل أساسي على الجيش في تنفيذ المشاريع الكبرى ورصف الطرق بالأخص، إذ إن المؤسسة العسكرية من خلال الهيئة الهندسية وجهاز الخدمة الوطنية، تسيطر على رصف الطرق الصحراوية في مصر. ويحاول النظام الحالي ترسيخ فكرة أن الجيش هو المؤسسة الأكثر حزماً وحسماً والتزاماً بالتعليمات والتنفيذ الدقيق للمشاريع، لإعطاء غطاء على عمليات إسناد المشاريع الكبرى للمؤسسة العسكرية.

وتمتعت المؤسسة العسكرية المصرية بامتيازات كبيرة منذ الانقلاب على الرئيس المعزول، محمد مرسي، من خلال زيادة المعاشات الاستثنائية، فضلاً عن السيطرة على المشاريع الكبرى بأمر من السيسي مثل مشروع حفر تفريعة قناة السويس، والتحكّم في رصف الطرق وبالأخص الصحراوية، وإقامة الكباري (الجسور)، وأخيراً إزالة التعديات على جوانب الطرق، بما يعني السيطرة التامة على الاقتصاد، وإدخال موارد مالية ضخمة. ويقول مراقبون إنه يجوز وفقاً للقانون المصري، إسناد مشاريع لجهاز الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع، بالأمر المباشر. ولكن ذلك يخلّف أزمات كبيرة لناحية التحكم والسيطرة التامة في الاقتصاد، والانشغال عن المهمة الأساسية، فضلاً عن عدم إعطاء الحقوق للشركات، وعدم المراقبة على أداء الجيش بما يترتب عليه من فساد، ظهر في الثغرات والانهيارات في تلك المشاريع.

بيد أن الرؤية التي يحاول النظام الحالي ترسيخها، لا تتسق مع الواقع، إذ إن عدداً من الطرق وجسور المشاة شهدت انهيارات أو هبوطاً، وجميع تلك المشاريع نُفذت بمعرفة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أو شركات حصلت على الامتياز منها. ويقول أحد المقاولين، الذين يعملون مع الجيش المصري، إنه يشارك في رصف إحدى الطرقات التي تشرف عليها الهيئة الهندسية، مؤكداً أن قوات الجيش لا تشارك في عمليات الرصف كما يتصور بعضهم. ويضيف المقاول، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الجيش يقوم بتقسيم عملية رصف أي طريق إلى مراحل، وكل مرحلة عدة أمتار، وتوزع هذه الأمتار في كل مرحلة على عدد من المقاولين. ويشير إلى أن الجيش لا يعطي المقاولين حقوقهم على مدار شهور طويلة، إذ يكون من المقرر إعطاء الأموال لكل مقاول بعد انتهاء مرحلة العمل، إلا أنهم يُجبرون على الدخول في المرحلة التي تليها من دون الحصول على جنيه واحد.

ويلفت إلى أنه على الرغم من المطالبات الكثيرة لوزارة الدفاع بالوفاء بالالتزامات المقررة مع المقاولين، إلا أنها تماطل بشكل كبير، وتعطي وعوداً بالسداد خلال فترة زمنية معينة، ثم تخلفها مجدداً لعدة مرات. ويشدد على أن الجيش يلجأ إلى تأجيل الدفع مرات عديدة، لإجبار المقاولين على العمل في المشروع ورصف الطريق حتى الانتهاء منها، وإلا فمن يقرر الانسحاب لا يحق له المطالبة بأمواله. ويوضح المقاول أن بعض المقاولين يدفعون من مالهم الخاص، لاستكمال المشروع على أمل الحصول على حصتهم من الأرباح، أو على الأقل تغطية التكلفة. ويعتبر أن السيسي اختار الجيش للإشراف على المشاريع وعمليات الرصف، لأنه في حالة وجود أموال أو أخطاء لن يجرؤ أحد على شكوى المؤسسة العسكرية، متسائلاً: "لو أراد أحد المقاولين تقديم شكوى على الجيش، فلمن سيقدّمها، خصوصاً أنه لا توجد عقود توثّق الاتفاقات مع المؤسسة العسكرية؟".


ويكشف المصدر ذاته، عن اعتراض بعض المقاولين على طريقة تعامل الجيش، ما أدى إلى إبعادهم عن تنفيذ باقي مراحل رصف الطرق المتفق عليها، ولم يحصلوا على أموالهم على الرغم من مرور أشهر طويلة، وباتت عليهم ديون كثيرة. ويشير إلى أن الجيش حين يُنشئ أي طريق يتولى هو جمع أموال المرور من خلال بوابات دخول وخروج المحافظة، مع رفع سعر التذكرة، لافتاً إلى أن الأموال التي تُجمع من سائقي السيارات على الطرق التي ترصفها القوات المسلحة، تكون من نصيب الجيش كاملة، ولا تدخل أي منها خزينة الدولة، عن طريق نظام حق الانتفاع.


يُذكر أن رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، أصدر في وقت سابق، قراراً يمنح مزيداً من المزايا المالية والمرفقية على طريق مصر السويس الصحراوي لشركة تابعة للجيش. ونصّ القرار على منح الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق التابعة لجهاز مشاريع الخدمة الوطنية، التابع مباشرة لوزير الدفاع، امتياز إدارة وتشغيل محطات تحصيل رسوم موازين وطرق الخدمة في طريق مصر السويس الصحراوية، وذلك لمدة 30 عاماً. وتُعتبر محطات رسوم الموازين أكبر مصدر للدخل بين عناصر الخدمات في الطرق الصحراوية، وكانت تابعة لهيئة الطرق والكباري في وزارة النقل. وكانت الحكومة المصرية قد منحت الشركة العسكرية نفسها امتياز إدارة وتشغيل محطات رسوم العبور في الطرق الصحراوية الرئيسية لمدد تتراوح بين 25 و50 عاماً، بعدما كانت تابعة سابقاً لهيئة الطرق والكباري. كما أن السيسي كان قد أصدر قراراً سمح فيه للجيش المصري بتأسيس شركات تعمل في السوق المصرية، مع السماح بشراكة رأس المال المحلي أو الأجنبي.

يقول الخبير العسكري، اللواء يسري قنديل، إن إسناد مشاريع لجهاز الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع، أمر قانوني ولا غبار عليه. ويضيف قنديل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجيش مؤسسة وطنية تعمل لصالح البلاد سواء في وقت الحرب أو السلم، ومهمتها خلال الفترة الحالية مواجهة الإرهاب وبناء البلاد. ويشير إلى أنه يتم اللجوء إلى الجيش لأنه يلتزم بمواعيد التنفيذ والتسليم، فضلاً عن الدقة والمعايير العالية لعمليات الإنشاء أو رصف الطرق.
في المقابل، يعتبر خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن اعتماد السيسي على الجيش في كل شيء، دليلٌ على فقدان الثقة بالبديل المدني، وأن الرئيس الحالي لم ينسَ أنه ابن المؤسسة العسكرية. ويقول الخبير السياسي، إن السيسي لا يطمئن إلا للجيش، ويحاول ضمان ولائه من خلال إسناد مشاريع كبيرة له، تُدخل الملايين بل المليارات لميزانيته وليس للدولة.
ويرى أن هذه الهيمنة، تولد فساداً في ظل عدم وجود رقابة ومحاسبة على هذا الأداء، متسائلاً: "من في مصر يمكنه محاسبة الجيش على شيء خطأ؟ وإلا يكون مصيره المحاكمة العسكرية". ويلفت إلى أن السيسي يحتمي بالمؤسسة التي ينتمي إليها في مواجهة القوى المدنية والاحتجاجات وحالة الغضب والاستياء والاحتقان التي تتزايد يوماً بعد يوم، ويظن أنه بكل ما يفعله يضمن عدم خروج الجيش عليه.