جيش النظام السوري... حصيلة قتلى وانشقاقات تحوّله مليشيا

12 مايو 2016
تعرض جيش النظام لضربات عدة كادت تطيح به(فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن مفاجئاً الكشف الأميركي عن مقتل 90 ألف مقاتل في "جيش" النظام السوري، منذ بدء الحرب قبل خمس سنوات، غير أن مصادر في المعارضة السورية تؤكد أن العدد أكبر من هذا الرقم بكثير، وأن جيش النظام على وشك التلاشي، إذ تحوّل إلى مليشيا تقاتل مع عشرات المليشيات المموّلة من إيران. وعرف هذا الجيش مع الشهور الأولى للثورة السورية، حركة انشقاق كبرى منه، بدأها المقدّم حسين الهرموش في شهر يونيو/حزيران من عام 2011، حيث فتح الباب واسعاً أمام آلاف الضباط للخروج من الجيش، والتحق عدد منهم بصفوف الجيش السوري الحر، ومنهم من فضّل خلع البدلة العسكرية نهائياً، والعودة إلى حياته المدنية في المناطق الخارجة على سيطرة النظام، وآخرون موجودون في دول الجوار، خصوصاً تركيا والأردن.
وقال المبعوث الرئاسي الأميركي للتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بريت ماكورك، إن نظام بشار الأسد خسر منذ بدء الحرب في سورية تسعين ألفاً من قواته، مضيفاً في مقابلة تلفزيونية، الثلاثاء، أن الروس تدخّلوا في سورية لمساندة نظام الأسد، ولا يوجد شك في ذلك.
لكن مصادر في المعارضة السورية، تُرجّح أن تكون أعداد القتلى في جيش النظام أكبر من العدد الذي أعلنه المسؤول الأميركي، مشيرة إلى أن 90 ألف قتيل هو العدد الموثق، بينما هناك آلاف آخرون لم توثّق أسماؤهم، إذ لا يعلن النظام عادة أعداد وأسماء قتلاه. وتعرّض جيش النظام لضربات متلاحقة على يد الجيش السوري الحر كادت تطيح به وبالنظام برمته خصوصاً في بدايات عام 2013، قبل أن تتدخل قوات حزب الله في المعارك التي كانت دائرة خصوصاً في منطقة القصير غرب حمص، فبدأت قوات الأسد تستعيد بعض التوازن، لكن سرعان ما فقدته بعد مقتل الآلاف من ضباط وعناصر قوات النظام، لتبدأ المليشيات بالتوافد إلى سورية، وصولاً إلى سبتمبر/أيلول الفائت وبدء التدخّل الروسي العسكري المباشر، والذي أوقف انهيار النظام.
ويكشف المقدّم المنشق عن النظام، محمد سامر الصالح، أن نحو ثلاثة آلاف ضابط أعلنوا انشقاقهم عن جيش النظام، طيلة سنوات الحرب المستمرة، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن قوام الجيش السوري كان، حتى بداية الثورة، نحو 50 ألف ضابط، حوالي 80 في المائة منهم ينتمون للطائفة العلوية، فيما الضباط السنّة كانوا يشكلون عشرة في المائة من الجيش، والعشرة في المائة الأخرى من مختلف الأقليات في سورية (مسيحيون، إسماعيليون، دروز...).
ويعتبر الصالح أن الضباط السنّة في جيش النظام السوري "ليس لهم قيمة تُذكر أو تأثير، وغير موجودين في مراكز القرار، أو في مفاصل الجيش المهمة"، موضحاً أن أغلبهم من اختصاصات "شؤون فنية، دفاع جوي، حرب إلكترونية، أكاديمية"، وهي "كلها اختصاصات غير قيادية، وغير مؤثرة في القرار العسكري". ويرى أنه من الصعوبة بمكان إعادة بناء الجيش ليكون "مؤسسة وطنية وظيفتها حماية الوطن وليس النظام الحاكم" من دون "مساعدة خارجية"، خصوصاً بعد ما تعرض له طيلة سنوات الحرب.
من جهته، يؤكد المحلل العسكري والضابط المنشق عن النظام، فايز الأسمر، أن عدد قتلى جيش النظام "كبير، والعدد الذي أُعلن حقيقي"، مشيراً إلى أن أكثر من ألفي ضابط من هذا الجيش لقوا مصرعهم، خلال سنوات الحرب من رتب عالية ومتوسطة، ما عدا الضباط من رتب صغيرة، أو ضباط مجندين، أو صف ضباط، وجنود.


ويشير الأسمر في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن نحو 150 ألفاً قد انشقوا عن الجيش الذي كان قوامه نحو 350 ألفاً ما بين ضابط وضابط صف وجندي، مضيفاً: "لم يبقَ في جيش النظام سوى 50 ألفاً، ولهذا هو يعتمد على المرتزقة والمليشيات الطائفية". ويؤكد الأسمر أن نظام الأسد لم يعد لديه قوات كافية للانتشار والسيطرة، وما بقي لديه من قوات محدودة، خصوصاً في حلب وريفها. ويوضح أن إمكانية الإدارة والسيطرة على المليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام "محدودة"، وهذا ما يفسر التخبّط الذي يعتري هذه القوات في المعارك الدائرة حالياً في محيط مدينة حلب.
ويرى الأسمر أن من بقي من جيش النظام تحوّل إلى مليشيا مثلها مثل المليشيات الأخرى والممولة من إيران، مضيفاً: "هو جيش قاتل، ولدينا لوائح بكل الذين اشتركوا في قتل السوريين بشكل مباشر، أو غير مباشر"، مؤكداً تمسك أغلب الضباط السوريين المنشقين "وهم أكثر من ثلاثة آلاف ضابط" بمؤسسة الجيش، لافتاً إلى أن هؤلاء الضباط "قادرون في حال وجود سلطة وطنية، على إعادة بناء الجيش الموجود، وتأهيله وتحويله إلى جيش وطني، وليس جيشاً طائفياً كما هو عليه اليوم". ويشير إلى أن الضباط المنشقين لديهم الخبرة الكافية لذلك، مضيفاً: "كان العبء التدريبي من كل الاختصاصات يقع كله على الضباط السنّة، في حين كانت القيادة والتحكم للضباط المنتمين للطائفة العلوية، لذا لدينا القدرة على إعادة بناء المؤسسة العسكرية وفق معايير عسكرية، ووطنية عالية".
وتأسس "الجيش العربي السوري" في عام 1920 على يد يوسف العظمة الذي كان أول وزير دفاع في أول حكومة سورية بعد انسحاب الأتراك من سورية إثر أربعة قرون من وجودهم في بلاد الشام. شارك الجيش السوري في حرب عام 1948 محاولاً مع جيوش عربية أخرى الحيلولة دون قيام "دولة إسرائيل"، وبعد فشله اقتحم الجيش الحياة السياسية في سورية عام 1949، عندما قام وزير الدفاع حينها، حسني الزعيم، بأول انقلاب على الحكومة المنتخبة، لتبدأ بعد ذلك سلسلة انقلابات، أدخلت البلاد في فوضى سياسية حتى عام 1954، حين تخلى أديب الشيشكلي عن السلطة إثر قيام انقلاب عسكري عليه. وفي عام 1958 كان للجيش اليد الطولى في قيام الوحدة مع مصر إبان حكم الرئيس المصري الراحل، جمال عبدالناصر، ليعود الجيش نفسه للانقلاب على الوحدة ووأدها. حتى جاء عام 1963 حين كان الانقلاب الأبرز الذي أسهمت فيه مجموعة من الضباط العلويين وفي مقدمتهم، محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ الأسد، والذين بدأوا بالسيطرة على الجيش من خلال تسريح الضباط السنة. وفي 23 فبراير/شباط 1966 جرى انقلاب آخر أتى بحافظ الأسد وزيراً للدفاع، فتابع مشروع "تطييف الجيش" الذي هُزم في حرب 1967 أمام إسرائيل، وخسرت سورية منطقة الجولان.
في عام 1970 قاد حافظ الأسد انقلاباً هو الآخر ووضع يده على السلطة في سورية، فبدأ بتضييق المدخل على السنة الراغبين بالتطوع بالجيش، وتذكر مصادر أنه اتخذ قراراً بأن يكون عدد الداخلين إلى الكلية الحربية كل عام 1200 منهم ألف من الطائفة العلوية، وما هي إلا سنوات حتى بات الجيش السوري جيش طائفة أكثر مما هو جيش وطن، فارتكب مجازر في مدينة حماة، في شهر فبراير/شباط من عام 1982. أدخل الأسد الجيش إلى لبنان عام 1975، ولم يخرج منه إلا بعد ثلاثين سنة بقرار من مجلس الأمن الدولي إثر اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الراحل، رفيق الحريري، واتُهم النظام السوري بالوقوف وراء جريمة الاغتيال.