عودة مفيد شهاب... السيسي على خطى مبارك

15 ابريل 2016
يشبه نظام السيسي نظام مبارك (محمود خالد/فرانس برس)
+ الخط -

اعتاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاستعانة بترسانة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، من السياسيين وصنّاع القرار، في الاستحقاقات المهمة والأزمات التي تهدد نظامه، ظاناً بذلك أن هذه الترسانة من التوجهات والشخصيات، التي استطاع مبارك أن يحكم بها مصر لنحو ثلاثة عقود، قادرة على إنقاذه وتحسين صورة نظامه.

ولدى تشكيله مجلس النواب، لجأ السيسي لطريقة مبارك القديمة في اختيار النواب مسبقاً، وتقسيم المقاعد على تيارات مختلفة موثوق بها، لضمان أغلبية مطلقة، تؤيد سياساته، مع فارق أنه أسند هذه المهمة لدائرته الاستخباراتية ـ الرقابية، بدلاً من رجال الحزب الوطني المنحل. وعندما كان بصدد اختيار 28 شخصاً لتعيينهم في البرلمان، اتبع طريقة مبارك أيضاً بتخصيص عدد من المقاعد لكل فئة، وبصفة خاصة الأقباط والنساء، وعيّن على رأسهم رجل مبارك القديم في الوسط القضائي، سري صيام.

ومنذ بداية عهده اختار السيسي التعاون الأمني والسياسي مع إسرائيل والتأكيد على اعترافه بأن القدس الشرقية فقط هي عاصمة الدولة الفلسطينية المنشودة. كما عمد السيسي، مثل مبارك، إلى توطيد علاقاته بالدوائر اليهودية الأميركية، والتيارات اليمينية المتطرّفة في أوروبا. أما في الداخل، لم يخرج السيسي عن سياسات مبارك في التضييق على منظمات حقوق الإنسان وأحزاب المعارضة ومواجهة التظاهرات السلمية بالقوة. واقتصر الاختلاف فقط على الأدوات، فبينما كان مبارك يعتمد على الشرطة وجهاز أمن الدولة تحديداً، منح السيسي مساحة أكبر لجهاز الاستخبارات، الذي نقل إليه العشرات من ضباط الاستخبارات الحربية.

ويعتقد السيسي ودائرته أن "الاستعانة بمن يصفهم المصريون رجال مبارك، أمر إيجابي وإشارة لحسن التصرف، باعتبار أن هؤلاء من أهل الخبرة الطويلة"، غير أن المراقبين، وبصفة خاصة الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، يرون أن "ذلك يمثل تأكيداً لردة النظام الحاكم عن مكتسبات الثورة على مبارك".

وفي الأزمة الأخيرة التي تلت التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وأشعرت السيسي بالخطر لتراجع شعبيته وانقلاب العديد من مؤيديه العلنيين عليه، ومن بينهم نواب برلمانيون وإعلاميون، لم يجد الرجل ومستشاروه المقرّبون إلا العودة لأيام مبارك. وهذه المرة أخرجوا منه عدداً من القرارات الجمهورية، التي أصدرها مبارك في التسعينيات، لوضع نقاط أساس ترسيم الحدود البحرية المصرية في البحر الأحمر، وكذلك أعادوا اكتشاف وزير مبارك السابق، وأحد مستشاريه القانونيين مفيد شهاب (79 عاماً).

وقبل أن يدخل السيسي قاعة الاجتماعات الكبرى بقصر الاتحادية الرئاسي، يوم الأربعاء، للقاء 107 أشخاص اختارهم مدير مكتبه عباس كامل كـ"ممثلين للشعب"، ليشرح لهم أسباب موقفه من الجزيرتين، فوجئ الحضور بدخول مفيد شهاب عليهم، في إطلالته الرسمية الأولى منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتمّ تقديمه إليهم كخبير وفقيه في القانون الدولي وفي الدستور، ثم بدأ إلقاء محاضرة عليهم لإثبات أن الجزيرتين سعوديتان.

ظلّ شهاب مقرّباً من السلطة الحاكمة منذ نعومة أظفاره، ففي العهد الناصري كان منتمياً لـ"التنظيم الطليعي" و"منظمة الشباب" و"الاتحاد الاشتراكي". وكان مشرفاً على الطلاب المصريين المنتمين للنظام الناصري في الخارج، أثناء دراسته الدكتوراه، وفي عهد الرئيس المغتال أنور السادات، بات شهاب مقرّباً من رئيس البرلمان الأسبق صوفي أبو طالب، الذي اختاره رئيساً لجمعية القانون الدولي، التي كان لها دور في الترويج القانوني لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

وفي الثمانينيات استطاع أن يحوز على ثقة مبارك، فأصبح من مستشاريه القانونيين الشخصيين، واختاره مبارك عضواً بالوفد المصري أمام محكمة العدل الدولية في قضية النزاع مع طابا. وعلى الرغم من أنه كان عضواً عادياً في الوفد، إلا أنه كوفئ بعدها بسنوات قليلة بالتعيين رئيساً لجامعة القاهرة بين عامي 1993 و1997.

ولم يشهد مشوار شهاب في عهد مبارك أي إبعاد أو ارتداد للخلف، فبعد منصبه الأكاديمي الرفيع، اختير وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، ورغم أنه لم يحقق نجاحاً يذكر إلاّ أنه عُيّن وزيراً لشؤون مجلس الشورى ثم خلف البرلماني الراحل كمال الشاذلي، وزيراً لشؤون مجلسي الشعب والشورى عام 2005، ثم، وبأوامر خاصة من مبارك، تم توسيع حقيبته الوزارية ليصبح وزيراً للشؤون القانونية والمجالس النيابية.

كان توسيع مسؤولية شهاب في ذلك الحين، يهدف إلى أن يصبح مسؤولاً عن جميع الملفات القانونية الخاصة بالدولة في الداخل والخارج، وتحديداً تمثيل مصر في اجتماعات المراجعة الدورية بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف. وبات شهاب بصفة رسمية محامي النظام المصري في مواجهة اتهامات عنيفة وعديدة، لاحقته منذ عام 2005 بتقويض استقلال السلطة القضائية وترويع المواطنين والتوسع في عمليات القتل والتعذيب والتمييز بين فئات الشعب وتقييد الحقوق والحريات.

وقد أدى شهاب على مدار السنوات الخمس السابقة لثورة 2011، دور "محامي الشيطان"، الذي يزيّن أمام الرأي العام العالمي ممارسات نظام مبارك، على الرغم من كل ما يعتريها من شبهات ومخالفات دستورية، مستعيناً في ذلك بعدد من القضاة والقانونيين الذين اختارهم لمساعدته في مهمته وإعداد ملفات سنوية بالإنجازات الحقوقية المزعومة للحكومة المصرية.

وأحد هؤلاء المساعدين كان القاضي بمجلس الدولة مصطفى حنفي، الذي اختاره شهاب لمبارك كمستشار قانوني لرئاسة الجمهورية، واختاره السيسي منذ يوليو/تموز 2014، مستشاراً قانونياً له، مما يدل على قوة العلاقة بين السيسي وعدد غير قليل من رجال مبارك السابقين.

بعد خلع مبارك، ظلّ شهاب في منصبه الوزاري كوزير لشؤون مجلس الشعب، لمدة شهرين تقريباً، من دون عمل يذكر، بعد أن تمّ حلّ مجلس الشعب في 13 فبراير/شباط 2011، وشهدت هذه الفترة استبعاده من دوائر صنع القرار المقربة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وخضع شهاب للتحقيق أمام جهاز الكسب غير المشروع في منتصف 2011، واستطاع بخبرته القانونية الإفلات من العقوبة بتقديم مستندات تُثبت أنه باع ممتلكاته الواردة في تقارير التحريّات الرقابية إلى أشخاص آخرين في الفترة بين 2010 و2011، أي قبل التحقيق معه بأشهر معدودة، فتم إخلاء سبيله لعدم كفاية الأدلة.

عاد شهاب بعد 5 سنوات من الصمت ليقدم "أدلة وبراهين" على صحة قرار السيسي، في ملف جزيرتي تيران وصنافير، على الرغم من عدم لجوء مصر أو السعودية لأي هيئة تحكيم دولية أو لجان محايدة لترسيم الحدود البحرية بينهما، بل وكشف حديث السيسي معه على الهواء أنه كان أحد "الخبرات" التي استعانت بها اللجنة المشتركة المصرية السعودية لإنجاز هذه العملية.
المساهمون