العراق: مشروع تشكيلة حكومية تكرّس نفوذ إيران برعاية أميركية

13 ابريل 2016
لوّحت منظمات عراقية بالعودة إلى الشارع (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
غاصت عملية الإصلاح السياسي في العراق، مجدداً، في وحل الطائفية التي أثقلت هموم الشارع العراقي. فبعد ثلاثة أشهر من الحراك الشعبي والسياسي لإجراء الإصلاح السياسي والابتعاد عن حكومات المحاصصة الطائفية، قدّم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تشكيلة حكومية جديدة هي الثانية من نوعها، في غضون أسبوعين، ضمت 17 وزيراً، من بينهم 15 وزيراً يتبعون أحزاباً وكتلاً سياسية بارزة، وبعضهم يشغل مناصب قيادية في كتلهم، ولا يحملون أية مؤهلات تمكّنهم من إدارة الوزارات المرشحين لها. 

ومن أبرز هؤلاء، تم ترشيح رئيس هيئة "الحشد الشعبي" المشرفة على إدارة وتمويل مليشيات "الحشد" في العراق، مستشار الأمن الوطني السابق، القيادي في حزب "الدعوة"، فالح الفياض لوزارة الخارجية، ومحمد جاسم التابع لكتلة دولة القانون، تم ترشيحه لوزارة العدل (إحدى أكثر الوزارات حساسية في البلاد). وشكّلت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الأخيرة، إلى بغداد، الضربة القاضية على الإصلاحات السياسية، التي سعت بعض الأطراف من خلالها، ولو بالحدّ الأدنى، إلى تشكيل وزارة من بعض المستقلين والاختصاصيين التكنوقراط.

وكشف وزير عراقي مشمول بالتغيير الوزاري المرتقب، أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تدعم بشكل كبير جدّاً بقاء حيدر العبادي في منصبه، مؤكّداً أنّها هي صاحبة فكرة التغيير الوزاري، وستستكمل إجراءاته رغماً عن الجميع. وقال الوزير في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الإصلاحات التي يطالب بها الشعب ويتحدّث عنها العبادي لا يمكن أن تختزل بالتغيير الوزاري فقط"، مبيّنا أنّ "تغيير الوزراء هو جزئيّة بسيطة من الإصلاحات ولا تأثير كبيرا لها". وأكّد، أنّ "واشنطن وخلال زيارة كيري الأخيرة، أكملت رسم الكابينة الجديدة، وضغطت على الكتل السياسيّة مستغلّة نفوذها وإمكاناتها، وقرّبت وجهات النظر مع العبادي، وتوصّلت إلى حل يفضي بتشكيل كابينة جديدة تكون مزيجا من الكابينة التي قدّمها العبادي ومن مرشحي الكتل لأجل إسكاتها".

وأثارت التشكيلة الوزارية المقترحة استياءً شعبياً واسعاً، فيما نتج عنها داخل البرلمان تشكيل جبهة داخلية من نواب سنة، وشيعة، ومسيحيين، ومكوّنات أخرى أُطلق عليها "تكتل النوايا الحسنة" لمواجهة هذه التشكيلة. وتألفت الجبهة، لغاية الأمس، من 90 عضوا، يشكل كل من التيار الصدري واتحاد القوى نصف عددهم. ويقول عضو التيار الصدري حسين البصري لـ"العربي الجديد" إن "التيار لن يصوت على هذه التشكيلة ولن يكون شاهد زور على حكومة محاصصة طائفية"، متسائلاً عما يمكن تقديمه للشعب "بعدما ذهبت حكومة طائفية وأتينا بأخرى لا تقل عنها"، مشيراً إلى أنّهم "أمام حكومة تغيير وجوه فقط". ويوضح أنّ "التيار الصدري سيكون له كلمة فاصلة في الفترة المقبلة"، مؤكداً تعليق التيار حضوره في البرلمان "حتى إشعار آخر".

وعلمت "العربي الجديد" أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر استدعى كبار مساعديه وقيادات كتلة الأحرار التابعة له بالبرلمان للتشاور حول الخطوة المقبلة واحتمال عودته للاعتصام في المنطقة الخضراء، علماً أن نواب الكتلة الصدرية بدأوا اعتصاماً مفتوحاً إلى جانب نواب آخرين داخل حرم البرلمان ضد التشكيلة المقترحة. في المقابل، يؤكد القيادي بالتحالف الكردستاني حمة أمين لـ"العربي الجديد" أن "الأكراد لن يغيّروا وزراءهم وسيبقون على حالهم في أية حكومة "، مبيّناً أن "الحكومة الحالية المقترحة طائفية، والوزراء يتبعون لأحزابهم، وهي بعيدة كل البعد عن مبدأ الإصلاح الأوّل الذي على أساسه تم طرح تغيير الوزراء، وهو التكنوقراط".


ووفقاً للقائمة المرشحة من قبل العبادي، فإن الحكومة الجديدة تضم 22 وزارة من بينها 16 شخصية رشّحتها الأحزاب والكتل السياسية. وتبرز الاعتراضات حول الشخصيات المرشحة وخلفيتها الطائفية والحزبية وعدم تخصصهم، فضلاً عن تراجع العبادي بوعوده في تقديم وزراء مستقلين متخصصين في المجال الذي سينسبون إليه.

اعتصام مفتوحورفع البرلمان جلسته، أمس، إلى الخميس المقبل مقفلاً على القائمة التي تسلّمها وأُقرّت رسمياً من قبل رئيسه سليم الجبوري، ما يعني وفق القانون، إلزام البرلمان بمناقشتها وطرح التصويت عليها يوم الخميس. هذا القرار، أدى إلى مشادات كلامية بين نواب من كتل عدة ورئيس البرلمان لتتحول إلى داخل قاعة البرلمان لعشرات النواب الذين رفضوا مغادرة القاعدة حتى صباح الخميس. ويرجح أحد المقربين من العبادي لـ"العربي الجديد" أن تُنسف القائمة الحالية أو تُعدّل بسبب الاعتراضات الحالية. لكن من حيث المبدأ، سيبقى الاتفاق على حكومة جديدة ترشح وزراءها الكتل السياسية ضمن ضوابط وشروط يضعها رئيس الوزراء"، على حد تعبيره. ويوضح أنّ "اجتماعاً يعقد، اليوم الأربعاء، بين العبادي ورئيسَي البرلمان والجمهورية، فؤاد معصوم، للخروج من المأزق".

ولوحت، أمس الثلاثاء، تجمعات ومنظمات محلية عراقية وناشطون باستئناف التظاهرات من جديد. ويقول رئيس منظمة بغداد محمد السعدي لـ"العربي الجديد" إن "الجميع ينتظر ما ستسفر عنه أجواء، يوم الأربعاء، وقبل جلسة الخميس. وفي حال أقرت الأحزاب حكومة طائفية توزع بين الشيعة والسنة والأكراد بغض النظر عن مؤهلاتهم، فلن نسكت"، وفقاً للسعدي. ويلفت إلى أنّ "ما جرى اليوم (أمس) يؤكد أن الأميركيين ضالعون بالتأصيل الطائفي في العملية السياسية بالعراق كونهم يرعون هذا الاتفاق".

ووفقاً للخبير القانوني العراقي المحامي ماجد السلامي، فإنه "في حال فشل البرلمان بتمرير الحكومة الجديدة من خلال عدم حصولها على الأغلبية القانونية أو سحبها بسبب الاعتراض، فإن العبادي لن تترتب عليه أي التزامات دستورية كون الوزراء الحاليين لا يزالوا في مناصبهم، ولا يوجد فراغ قانوني. إلّا في حال أقدمت الكتل على طلب استجواب للعبادي بتهمة التراجع عن الإصلاحات وعندها سيكون بإمكانهم سحب الثقة عنه"، مبيّناً أن "التوقعات مفتوحة على كل الأمور، حتى جلسة صباح الخميس".

في غضون ذلك، ارتفع عدد النواب الموقّعين على قائمة سحب الثقة عن الرئاسات الثلاث، الجمهورية، والبرلمان، والوزراء إلى 105 نواب، وذلك عقب فشل جلسة أمس الثلاثاء. وقالت النائب هيفاء زنكنة، في بيان صحافي، إن 105 نواب وقعوا على تغيير الرئاسات والبدء بتشكيل رئاسات ثلاث جديدة للبرلمان والجمهورية والوزراء"، مبينة أن النواب الموقعين من مختلف كتل البرلمان. وأظهر، هذا اليوم، تمرداً لبعض النواب على أحزابهم السياسية وهو ما يعتبر أمرا خارقا للعادة. ويقول النائب محمد الجاف لـ"العربي الجديد" إن "ما جرى اغتيال للإصلاح وتكريس للطائفية وأيا كان الذي يدعم بقاء العراق في خانة التخندق الطائفي فإنه سيخسر"، مؤكداً وجود "حالات تمرد من النواب على كتلهم وقادة أحزابهم، وهي سبب ما حصل من فوضى في البرلمان اليوم (أمس)"، على حدّ قوله.