النظام السوري يدفع بفلسطينيي سورية إلى مطحنة الحرب

31 مارس 2016
بعض الفصائل وقفت مع النظام (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

يعمل النظام السوري في مواجهة النقص الحاد في عديد قواته، على تجنيد مختلف فئات الشعب، وسوقها إلى الخدمة العسكرية، فضلاً عما يستقدمه من مليشيات وأفراد من خارج البلاد تقاتل معه على أساس طائفي أو بشكل مأجور. ومن أبرز ضحايا هذه السياسة، اللاجئون الفلسطينيون في سورية، الذين تعرّضت مخيماتهم ومناطقهم لأذى كبير نتيجة الحرب، أسوة بما حل في معظم المدن السورية، فيما يواجه الشبان والرجال خطر سوقهم إلى الخدمة العسكرية، طوعاً حيناً، وكرهاً في أغلب الأحيان.

وفضلاً عن بعض الفصائل الفلسطينية التي اختار قادتها منذ البداية الوقوف إلى جانب النظام، وساهمت في حصار المخيمات، مثل الجبهة الشعبية- القيادة العامة، وفتح الانتفاضة، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، تحاول قيادة "جيش التحرير" الفلسطيني برئاسة محمد طارق الخضرا، تحت ضغط سلطات النظام، الزج بـ"جيش التحرير" في معارك النظام على الجبهات المختلفة، ما أدى إلى مقتل العشرات من عناصره وضباطه.

وتشنّ أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري حملات اعتقال في صفوف الشبان الفلسطينيين، كما تسيّر دوريات في شوارع المدن بهدف التحقق من أيّ شاب أو رجل مطلوب للخدمة العسكرية، ويتم نقله فوراً إلى القطعات العسكرية حتى دون الخضوع لدورة تدريبية.

اعتقالات عشوائية

يقول سعيد ع. وهو فلسطيني من سكان مخيم اليرموك سابقاً وهرب إلى تركيا، إنه كان برفقة شقيقه برهان في زيارة إلى شقيقتهما التي استأجرت عائلتها منزلاً في منطقة الزاهرة الجديدة بدمشق، عندما استوقفتهما هناك دورية مشتركة لقوات الأمن وعناصر الجبهة الشعبية- القيادة العامة، وطلبوا البطاقات الشخصية الخاصة بهما، مع دفتر الخدمة العسكرية. ويشير إلى أنه أبرز لهم بطاقته والدفتر وفيه أنه أدى الخدمة العسكرية، لكن شقيقه لم يكن يحمل دفتر الخدمة، فأخذوا بطاقته واقتادوه معهم، وقد حاول أن يقنعهم بأن شقيقه أدى الخدمة العسكرية، وأن سنّه يقارب الأربعين ويعاني من أمراض، لكنهم لم يصغوا إليه، وهددوه بأنهم سيأخذونه هو أيضاً إذا لم ينصرف فوراً. ويضيف سعيد، في حديث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، أنهم لا يعلمون شيئاً حتى الآن عن مصير شقيقه، وربما هو يعمل معهم في أعمال السخرة والحفر، أو اقتادوه إلى جبهات القتال.

من جهته، يقول رئيس الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في الحكومة السورية المؤقتة أيمن فهمي أبو هاشم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن النظام السوري يحاول أمام الاستنزاف الكبير لقواته على جبهات القتال، البحث عن طرق لتجنيد الشباب بصورة تخالف أنظمة التجنيد المتبعة لديه، وهذا ما يقوم به منذ عدة أشهر بالنسبة للشباب الفلسطينيين الذين يراهم مصدراً لترميم النقص البشري في تشكيلاته العسكرية.

ويوضح أبو هاشم أن الحواجز الأمنية التابعة للنظام تقوم بتوقيف أي شاب فلسطيني دون الأربعين عاماً وسوقه إلى القطعات العسكرية التابعة لـ"جيش التحرير"، ودون تمييز بين من أدى منهم الخدمة الإلزامية أو كان معفى أو مؤجلاً منها، لافتاً إلى أن هناك من يتم إرساله مباشرةً إلى وحدات جيش النظام وتحديداً من خدموا كضباط مجندين سابقاً ولديهم اختصاصات عسكرية، في ظل وجود تعميم على كافة الحواجز بالتدقيق في هويات الشباب الفلسطينيين وتوقيف كل من لا يحمل دفتر خدمة العلم وإرساله مباشرةً إلى جبهات القتال حتى دون إخضاعه لدورة تدريبية.

ويُقدّر أبو هاشم عدد الذين تم سوقهم بهذه الطرق والأساليب القسرية خلال الأشهر الستة الماضية بأكثر من 250 شاباً فلسطينياً، مشيراً إلى أن "كل ذلك يتم بموافقة من قيادة جيش التحرير الفلسطيني التي تتواطأ مع النظام في زج الشباب الفلسطيني في معاركه خلافاً للمهمة الأساسية التي أُسس من أجلها جيش التحرير وهي تحرير فلسطين وليس الدفاع عن نظام مجرم يقوم بقتل شعبه".

اقرأ أيضاً: "الألوية الطوعية"... آخر ابتكارات النظام السوري لزجّ المدنيين بالحرب

دور "جيش التحرير"

على الرغم من محاولة ضباط وعناصر "جيش التحرير" عدم الانخراط في الأعمال القتالية بين النظام والمعارضة خلال الشهور والسنوات الأولى بعد اندلاع الثورة السورية، إلا أن ضغوط النظام بسبب حاجته الماسّة للعناصر المدربة، دفعت "جيش التحرير" الفلسطيني الموجود في سورية للانخراط تدريجياً في الصراع الدائر، بتشجيع من قيادته الموالية للنظام. وتعادل قوات "جيش التحرير" في سورية فرقة عسكرية، إذ يتكوّن من ثلاثة ألوية (حطين، اجنادين، القادسية) وينتشر بشكل أساسي قرب الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو يتبع نظرياً لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنه يخضع عملياً لقيادة قوات النظام السوري، والخدمة فيه إلزامية، لكل شاب بلغ الـ18 من عمره.

وعلى غرار جيش النظام السوري، تعرّض "جيش التحرير" لهزات من الداخل مع تزايد الضغوط عليه للانخراط في القتال إلى جانب قوات النظام، إذ انشق بعض ضباطه، وشكّلوا "جيش التحرير الفلسطيني الحر". فيما قُتل آخرون بيد قوات النظام بسبب رفضهم المشاركة في الأعمال القتالية، كما تم اغتيال العديد منهم في ظروف غامضة، ويُعتقد أن ذلك تم على يد جهات موالية للنظام، أبرزهم العميد الركن رضا الخضرا قائد قوات حطين والعقيد عبد الناصر المقاري وهو قائد كتيبة في "جيش التحرير".

وفي فبراير/شباط من العام الماضي، أقدمت قوات النظام على إعدام 5 ضباط من "جيش التحرير" في بلدة قطنا بريف دمشق بعد رفضهم إرسال عناصرهم إلى محافظة درعا للمشاركة في المعارك ضد المعارضة.

فيما شاركت وحدات من الجيش في بعض معارك النظام السوري في ريف دمشق ودرعا، كما شارك مع النظام في المعارك ما يسمى بـ"لواء القدس" الذي تشكّل في أكتوبر/تشرين الأول 2013 بقيادة المدعو محمد السعيد، والذي كان يتكوّن في معظمه من فلسطينيي محافظة حلب، قبل أن يفتح باب التطوع للمواطنين السوريين وخلافهم، وبات لهذا اللواء الذي يصل عديده إلى ألفي مقاتل، والمدعوم من إيران ومن فرع الاستخبارات الجوية، الكلمة الأولى في حلب من جهة النظام، بعد تراجع دور لواء أبو الفضل العباس العراقي.

ووفق احصائيات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، فإن حوالى 37.30 في المائة من الضحايا الفلسطينيين خلال النصف الثاني من العام 2015 كانوا من العسكريين، إذ سقطت 66 ضحية فلسطينية أثناء المعارك الدائرة بين النظام وقوات المعارضة المسلحة السورية بنسبة 59 ضحية إلى جانب النظام و8 ضحايا إلى جانب المعارضة.

ووثّقت المجموعة مقتل 156 من "جيش التحرير" منذ بدء أحداث الحرب في سورية، في حين قدّر أيمن فهمي أبو هاشم عدد ضحايا "جيش التحرير" الذين قضوا منذ بدء الصراع بأكثر من 300 ضابط وصف ضابط ومجند، و"هناك من تمت تصفيتهم على يد النظام لأنه أبدوا رفضهم للقتال في معركة ليست معركتهم، عدا عمن انشقوا والتحقوا بكتائب الجيش الحر للدفاع عن أهلهم السوريين والفلسطينيين من بطش وإجرام النظام"، بحسب قوله.

إعدامات الفرقة الرابعة

اتهم ناشطون الأسبوع الماضي قوات النظام والأمن السوري بخيانة المتطوعين الفلسطينيين المقاتلين إلى جانبهم، من خلال تصفيتهم من الخلف بعد اتهامهم بالتردد في القتال، مشيرين إلى أن الرغبة في تسهيل حركتهم عند المرور على حواجز النظام، واتقاء مخاطر الاعتقال التعسفي، فضلاً عن سوء الأوضاع الاقتصادية واستغلال حاجة الأهالي مع إغرائهم برواتب جيدة، دفع بعض الشباب الفلسطيني للمشاركة في مجموعات فلسطينية قتالية موالية للنظام السوري أو من خلال مجموعات مسلحة تابعة لأجهزته الأمنية.

وأضاف الناشطون أن عدداً من أبناء مخيم خان دنون للاجئين الفلسطينيين بريف دمشق، تطوّعوا في "الفرقة الرابعة"، إلا أنهم سرعان ما امتنعوا عن الذهاب إلى جبهات القتال ضد مجموعات المعارضة المسلحة وسلموا أسلحتهم، بعدما تبين أن معظم الذين قضوا من المتطوعين قُتلوا "بنيران صديقة" أي برصاص عناصر قوات النظام السوري.

وتُعتبر الفرقة الرابعة من أهم مكونات قوات النظام، ولا تضم في صفوفها لاجئين فلسطينيين، لكن خلال أحداث الحرب تم تشكيل مجموعات موالية لها تعمل تحت إمرتها، وينتمي إليها العديد من المقاتلين الفلسطينيين. كما أن "الحرس الجمهوري" وهو إحدى الفرق التابعة للجيش السوري، شكّل مجموعات مسلّحة على غرار الفرقة الرابعة، إضافة إلى بعض الفصائل الفلسطينية في سورية والتي شكّلت مجموعات مسلحة تقاتل إلى جانب النظام السوري موزعة داخل وحول بعض المخيمات الفلسطينية وبعيداً عنها.

اقرأ أيضاً: نظام الأسد يفتقر إلى المقاتلين: تجنيد الموظفين والعمال

المساهمون