اعتداء عين صالح: المخاوف الأمنية الجزائرية تتحقق

20 مارس 2016
عزز الجيش الجزائري تواجده على حدود ليبيا(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -

يأتي الهجوم على منشأة للغاز في الجزائر، يوم أول من أمس الجمعة، في سياق تحديات كبيرة تواجه دول المغرب العربي، في ظل الأوضاع غير المستقرة في ليبيا، والتي تلقي بتداعياتها على تونس والجزائر خصوصاً. فقد نجت منشأة غاز تقع في منطقة الخريشبة بين مدينتي المنيعة وعين صالح، جنوب العاصمة الجزائرية، من هجوم نفذه مسلحان متشددان صباح الجمعة، كانت ستكون كلفته الاقتصادية والسياسية عالية، لولا نجاح الجيش في إحباطه. وعزز الهجوم المخاوف التي كانت قد أعلنت عنها قيادة الجيش الجزائري منذ فترة، بشأن تهديدات محتملة تستهدف منشآت حيوية جنوبي الجزائر. كما جاء الاشتباك الذي وقع بين ثلاثة مسلحين وقوات الأمن التونسية ليل الجمعة عند مركز حدود في مدينة ساقية سيدي يوسف على الحدود التونسية الجزائرية، ليؤكد من المخاطر التي تتربص بالبلدان المجاورة لليبيا.

وأعاد هجوم الخريشبة الجزائري تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى الواجهة، بعدما تبنى التنظيم الهجوم على منشأة الغاز، وهدد بالاستمرار في تنفيذ عمليات مماثلة، لكنه كعادة بياناته لم يعلن عن أي تفاصيل تخص الهجوم. وهذه هي المرة الثانية التي تتعرض فيها منشأة غازية لهجوم جنوبي الجزائر، بعد الهجوم الدامي الذي استهدف منشأة تيقنتورين في عين صالح في يناير/كانون الثاني 2013، عقب هجوم مجموعة تتكون من 32 مسلحاً متشدداً على المنشأة واحتجاز 700 من العمال والموظفين الأجانب.

منذ ذلك التاريخ تعيش السلطات الجزائرية في كابوس مرعب ومخاوف من استهداف منشآت النفط والغاز في جنوبي البلاد، وهو استهداف له تأثيراته الأمنية والسياسية والاقتصادية على الجزائر التي تعيش مرحلة معقدة في خضم إعادة ترتيب البيت السياسي والعلاقات بين رأس السلطة السياسية والمؤسسة الأمنية والجيش والاستخبارات، وهي فترة حرجة دفعت بقيادة الجيش المندفعة بحماس لدعم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، إلى بذل أقسى جهد ممكن لمنع حدوث أي طارئ أمني على الحدود. ويُترجم هذا الحرص في الزيارات المكثفة وغير المسبوقة من ناحية كثافتها لقائد أركان الجيش الجزائري الفريق قايد صالح، إلى الوحدات العسكرية المرابطة في مناطق الجنوب القريبة من الحدود مع مالي والنيجر، وعلى الحدود الشرقية القريبة مع تونس وليبيا. وشدد صالح في كل لقاءاته مع القيادات العسكرية الميدانية على ضرورة إبقاء مستوى الحيطة والحذر في أعلى مستوى، وأطلق أكثر من تحذير إلى الوحدات المرابطة على الحدود بشأن إمكانية استهداف منشأة حيوية في جنوبي الجزائر.

اقرأ أيضاً: الجزائر:"القاعدة في بلاد المغرب" يتبنى الهجوم على منشأة للغاز

ويصف مراقبون هذه التحذيرات بأنها تشبه إعلان "حالة حرب"، مشيرين إلى أن التحذيرات الاستباقية لقيادة الجيش، كانت العامل الأبرز الذي أسهم في تجنب وقوع كارثة حقيقية خلال الهجوم على منشأة الغاز يوم الجمعة، لو نجحت المجموعة المسلحة في الوصول إلى عمق المنشآت النفطية والغازية الواقعة في جنوبي الجزائر، خصوصاً مع الهشاشة الأمنية التي تشهدها مناطق الحدود بين ليبيا وتونس، والنزاع العسكري القائم في ليبيا. هذا النزاع دفع قيادة الجيش الجزائري قبل أقل من شهر، إلى نقل وحدات عسكرية إضافية ومعدات ثقيلة إلى الحدود مع ليبيا، لتعزيز التواجد العسكري في المنطقة الفاصلة بين البلدين، وفي المنطقة الحدودية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا، الممتدة من برج الخضراء في تونس إلى الدبداب في الجزائر إلى غدامس في ليبيا، إضافة إلى منع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المتحالف مع مجموعات متشددة أخرى تنشط في الجزائر وليبيا وتونس، من العودة إلى المشهد الأمني بعد فترة من تواري نشاطه في المنطقة.

لكن هذه المخاوف للسلطات الجزائرية لا ترتبط فقط بالعوامل الأمنية لسد الطريق على المجموعات المسلحة ومنعها من اختراق الحدود، لكنها ترتبط أيضاً بعوامل أخرى. إذ من اللافت أن العامل الاقتصادي الراهن في الجزائر بات يشكل عمق الأزمة في البلاد، بسبب انهيار أسعار النفط وتراجع عائدات الجزائر من العملة الصعبة، وتسعى السلطات الجزائرية المرتبكة من تداعيات هذه الأزمة، إلى تجنب أية ضربة قد تستهدف منشآتها النفطية والغازية، ما من شأنه أن يعطل الإنتاج في هذه المنشآت، كما حدث عقب الهجوم على منشأة تيقنتورين في عام 2013، وأثّر على مبيعات الجزائر من الغاز. كما تتخوف الجزائر من أن يدفع تكرار هجمات كهذه، شركات النفط والغاز الأجنبية إلى مغادرة البلاد، وإلغاء استثماراتها، والتي تشكّل رافداً مهماً بالنسبة للاقتصاد الجزائري. وتجلّى ذلك في استجابة السلطات للشروط الأمنية التي فرضتها شركات أجنبية، للعمل في مناطق الجنوب عقب هجوم يناير/كانون الثاني 2013.

إضافة إلى هذه المعطيات، تبدو السلطة السياسية في الجزائر مهتمة أكثر من أي وقت مضى بتسويق انتصار الجزائر على الإرهاب، وبحصانة البلاد من أي استهداف، لكن أي هجوم قد يعيد الجدل حول المسألة الأمنية والشكوك في نجاعة السياسات المنتهجة من قبل السلطة، خصوصاً ما يتعلق بإخفاقها في تحسين الظروف المعيشية لسكان مناطق الجنوب والصحراء، وهو ما أبقى المنطقة ضمن المجالات الجغرافية الرخوة التي تتحرك فيها الجماعات المتشددة.

ولا ينفصل أي حدث أمني في الجزائر عن السياقات المتوترة إقليمياً، لكنه لا ينفصل أيضاً عن السياقات السياسية الراهنة في الجزائر، فحجز الجيش لصواريخ "ستينغر" بعد القضاء على ثلاثة مسلحين في منطقة واد سوف قبل أيام، يُرجح أن لهم صلة بالمجموعة التي نفذت هجوم الجمعة على منشأة الغاز، شحذ همم الأحزاب الموالية لبوتفليقة، والتي وجدت في الأحداث الأخيرة مجالاً لرفع فزاعة "داعش على أبواب الجزائر"، وتخويف الجزائريين مما تعتبره "مغامرات المعارضة".

اقرأ أيضاً: رجال بوتفليقة والاستخبارات... اتهامات جديدة وتصفية حسابات مستمرة

المساهمون