فضاء "شينغن" يترنّح على وقع أزمة اليونان

19 فبراير 2016
طفلة لاجئة على الشواطئ اليونانية (أريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -

انقسمت دول الاتحاد الأوروبي حول اليونان؛ بين مؤيد لها ولإجراءات دعمها وإنقاذها من أزمتها، التي أسفرت عن وصول أكثر من 800 ألف لاجىء على الأقل إلى أوروبا عبر أراضيها العام الماضي، وبين رافض لها ومطالب بإبعادها مؤقتاً عن فضاء "شينغن" في حال لم تنفذ التوصيات الخمسين، التي صدرت الأسبوع الماضي عن وزراء الاتحاد الأوروبي لإصلاح حدودها.

اقرأ أيضاً: أوروبا تناقش إبعاد اليونان من "شينغن"

ونتيجة هذا الانقسام، طُرحت مخاوف من أن تكون إقامة "شينغن" مصغرة هي بداية لتحلل الاتحاد الأوروبي، بعد فشل أغنى قارة في العالم في السيطرة على تدفق المهاجرين اليها، وهو الأمر الذي أدى الى تراشق التهم بين دول الاتحاد، والضغط على دول أخرى، من بينها اليونان.

من جهة ثانية، جاء موقف المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، داعماً لليونان، بحيث دافعت عنها في مقابلتها هذا الأسبوع مع صحيفة ألمانية، قائلة "صحيح أن اليونان لم تف بما فيه الكفاية بالتزاماتها، ولكنها لم تقل أبداً إنها لا ترغب في المشاركة في إدارة الحدود الخارجية للاتحاد".

وتتوجه الأنظار الآن إلى 12 مايو/أيار المقبل، وهي المهلة القانونية المتبقية لليونان لفرض رقابة على حدودها. وبالتالي، فإن عدم التوصل إلى حلول عملية للحدّ من تدفق اللاجئين، سيدفع نحو الضغط باتجاه المطالبة بتعديل قانوني لاتفاقية "شينغن"، وتمديد مدة الرقابة إلى عامين. وهو ما تقوم بالتحضير له إدارياً المفوضية الأوروبية، بعدما تبين أن الدول الأوروبية تدور في حلقة مفرغة في هذا الملف، وتنتظر الحلول الخارجية من دون أن تقدم على معالجة ملفات الواصلين إلى أراضيها، أو إيجاد حلّ جذري للحدّ من تدفقهم.

يأتي ذلك في وقت يرى فيه خبراء أوروبيون، أن حديث مفوضية الاتحاد الأوروبي عن استعدادها لكافة الاحتمالات بخصوص التعديلات على معاهدة "شينغن"، يظهر حالة من عدم التوافق في معالجة أزمة اللاجئين، التي أرهقت دول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من إجراءات الرقابة المؤقتة على حدودها، والتي قلّصت من أهمية الإنجاز الذي سبق لدول الاتحاد أن حققته من خلال السماح بحرية التنقل داخل دوله، وساهم في تنشيط  الاقتصاد الأوروبي. وشدّد رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أخيراً على هذا الأمر، قائلاً إنه "من دون شينغن، اليورو لا معنى ولا قيمة له". وأكّد "على أهمية حرية التنقل والسفر ضمن دول الاتحاد، والتي تعود بالفائدة على جميع الأوروبيين. ومن غير ذلك، سنكون أمام المزيد من البطالة". وناشد الدول الأوروبية الانخراط والمساهمة والالتزام بالاتفاقيات، محذراً من أن "الاتحاد الأوروبي أمام أزمة مصداقية في حال لم ننجح في تنفيذ الاتفاقيات المتفق عليها في عام 2016". 

وكان وزير الاقتصاد الألماني ونائب المستشارة  قد دعا في مقال له، نشرته بداية الأسبوع صحيفة "فرانكفورتر الغماينة تسايتونغ " الألمانية، إلى تقديم المزيد من الدعم لليونان، الدولة العضو في شينغن، معتبراً أن "مثل هذه الحلول الزائفة تسمم النقاش الأوروبي"، داعياً إلى توزيع منظم للاجئين وإغاثة اليونان عبر إيجاد السبل للحدّ من ديونها. 

وعن العواقب من الوصول إلى "شينغن مصغرة"، أو تعليق عضوية بعض دولها، رأى مراقبون أنّه بعد التهديدات، التي تلقتها اليونان بعزلها مؤقتاً من "شينغن"، إذا لم تتخذ بعض الإجراءات (شأن الحماية الخارجية والداخلية لحدودها، والتدقيق في الجوازات المزورة لأسباب أمنية، وتنظيم مراكز استقبال اللاجئين)، سيكون الاتحاد الأوروبي أمام تقسيم بين شرق ووسط.

وهذا الأمر سيؤثر سلباً على الدول الشرقية، غير المتعاونة أساساً مع الاتحاد في ملف اللجوء، إذ ستجد نفسها أمام خيار صعب، بعد أن يتم نقل الحدود الخارجية الأوروبية من اليونان بشكل تلقائي، مع العلم بأن السببين الرئيسيين لأزمة اللاجئين هما استقبال ألمانيا لهم من دون سقف محدد، ورفض دول شرق أوروبا التضامن مع باقي دول الاتحاد الأوروبي في هذا الملف.

وكان رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، قد أكد من أثينا الثلاثاء الماضي، أن "استبعاد اليونان من منطقة (شينغن) لن يحل أزمة اللاجئين الحالية، بل يجب أن تكون اختبارًا لتماسك أوروبا".

أمام هذا الواقع، يجمع المراقبون على أن الخروج من هذا المأزق يكون بإعادة النظر باتفاقيات الاتحاد الأوروبي، التي لا يتم احترامها، والعمل على تطويرها، ضمن إطار يقضي بإلزام الدول بمقرّراته، إضافة إلى تجسيد مفهوم التضامن الأوروبي، بعدما عمدت الكثير من دوله إلى بناء الأسوار على حدودها، والعودة إلى التركيز على الطرق الكفيلة بحماية الحدود الخارجية للاتحاد وتوزيع اللاجئين ومحاربة أسباب الهجرة.

اقرأ أيضاً"شينغن" الأوروبية تترنح: أزمتا "الإرهاب" والمهاجرين

المساهمون