"انقلاب" حفتر على اتفاق صخيرات يعمّق الأزمة الليبية

22 نوفمبر 2016
بعض الجهات ترفض "حكم العسكر" (أحمد إزجي/ الأناضول)
+ الخط -

رغم التأكيدات المتكررة لبعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، بأنّ الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية، والذي ترعاه المنظمة الدولية، هو الأساس لحل أزمة البلاد، إلا أنّ تصريحات مسؤولين من كلا الطرفين المتصارعين، تعكس شعوراً بالخيبة تجاه الاتفاق.

وما أن انتهى لقاء الأطراف الليبية في مالطا قبل أسبوعين، والذي تمحور حول مطالب ممثلي برلمان طبرق بضرورة إعادة فتح الاتفاق السياسي وإجراء تعديلات عليه، حتى أعلن ممثل الجنرال الليبي خليفة حفتر في المجلس الرئاسي، علي القطراني، أنّ المبعوث الأممي لدى ليبيا مارتن كوبلر، وافق على تعديل الاتفاق وإلغاء المادة الثامنة منه، المتعلّقة بمنصب حفتر في مؤسسة الجيش، مقابل منح برلمان طبرق ثقته لحكومة الوفاق الوطني.

ولم يصدر عن البعثة الأممية ولا عن المجلس الرئاسي ما يؤكد تصريحات القطراني، لكنّ موقف خصوم حفتر السياسيين على الطرف الآخر، يبدو أنّه لم يتغيّر حتى اللحظة لجهة رفض تعديل الاتفاق.

وفي هذا الإطار، طالب عضو المجلس الرئاسي محمد العماري، ورئيس حزب "العدالة والبناء" محمد صوان، في تصريحات صحافية، بضمانات "حقيقية" لتطبيق الاتفاق السياسي، في حال تعديله.

وعزا العماري أسباب فشل تطبيق الاتفاق السياسي إلى سعي أطراف محلية، ومن ورائها أطراف إقليمية، إلى تحقيق مصالح شخصية مؤقتة تجنيها من استمرار الأزمة في البلاد، في حين رفض صوان "حكم العسكر"، في إشارة لاستمرار موقف حزبه في رفض وجود حفتر، على رأس المؤسسة العسكرية.

ولا يخفى أنّ البرلمان، الذي يمتلك مفتاح شرعية حكومة الوفاق والاحتفاظ بورقة منحها الثقة، استطاع عرقلة الحكومة إلى حدّ كبير وتجميد العمل بالاتفاق السياسي، ومفاقمة أزمات المجلس الرئاسي.

وإلى جانب الأزمات الاقتصادية التي تواجهها، تبدو حكومة الوفاق ضعيفة في نظر المجتمع الدولي الذي أولاها دعمه، إذ لم تتجاوز سيطرتها حدود القاعدة البحرية في مقرها المؤقت بمنطقة بوستة.

كما أنّ أغلب المجموعات المسلحة في طرابلس والمنطقة الغربية منقسمة في ما بينها، إذ لا يعترف جزء منها بشرعية الاتفاق السياسي، بل حتى أنّ البعض منها من داعمي الاتفاق السياسي، غيّر موقفه، ورحّب بحكومة الإنقاذ وعودة المؤتمر الوطني إلى مقرّاته، وسط العاصمة طرابلس، في سبتمبر/ أيلول الماضي.

كما بدأت حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج، التي تعمل بتفويض بعض نواب البرلمان، تفقد شعبيتها لدى الشارع على خلفية عدم التفاتها للخدمات العامة، ومعالجة الوضع الاقتصادي المضطرب بشكل أساسي، فضلاً عن الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد، وسط انتشار عمليات الخطف والقتل وتزايد معدلات الجريمة.

ولم تعد تصريحات مسؤولي الحكومة أخيراً، وفي المقدمة السراج نفسه، من اتهام محافظ البنك المركزي صادق الكبير، بالوقوف وراء الأزمة الاقتصادية، مقنعة للشارع، فيما بدا المحافظ وكأنّه في صفّ معارضي حكومة الوفاق، بعد قراره تعليق تسييل الأموال للحكومة، بشرط تعيين وزير للمالية ضمن حكومة يمنحها البرلمان ثقته.

بموازاة ذلك، أربكت مجريات الميدان وضوح الرؤية الدولية للمشهد الليبي، وما أن أعلنت قيادة قوات حفتر سيطرتها على منطقة القوراشة في مدينة بنغازي، وطرد مقاتلي "مجلس شورى مدينة بنغازي"، حتى سارعت دول كبرى، كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، إلى التعليق على المشهد العسكري الجديد في المدينة.

وبارك مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى ليبيا جوناثان ونر، في تغريدات على "تويتر"، "تضحيات الجيش الليبي في قتاله للإرهاب"، على حدّ وصفه، بينما اعتبر السفير البريطاني في ليبيا بيتر ميليت، في تغريدة على "تويتر"، التقدّم العسكري لقوات حفتر في بنغازي "خطوة مهمة لتعزيز قدرات الجيش".





وتعكس التصريحات هذه عدم وضوح رؤية المجتمع الدولي وازدواجية في المعايير، لجهة دعم المجلس الرئاسي من جهة، ومباركة "انتصارات" حفتر من جهة أخرى، رغم الاعتراف بأنّ مساعي الجنرال المتقاعد العسكرية هي إحدى العراقيل أمام تطبيق الاتفاق السياسي.

ورأى مراقبون للشأن الليبي أنّ الاتفاق السياسي لم ينجح في حلّ الأزمة، بقدر ما صاغها في شكل جديد؛ فعلى مدار عامين، كان الصراع بين برلمانين وحكومتين وجيشين، لكنّ الصراع بعد وصول المجلس الرئاسي إلى طرابلس في مارس/ آذار الماضي، بدأ يتبلور في شكل جديد، بين المجلس وداعميه من جهة، وبرلمان طبرق وذراعه العسكرية، من جهة أخرى.

وتجلّى الخلاف واضحاً، خلال الأيام الماضية، مع توارد الأنباء عن نية وزارة دفاع حكومة الوفاق الوطني التابعة للمجلس الرئاسي، تجهيز جيش لتحرير موانئ النفط من قبضة حفتر، لكنّ المسعى أفشلته مدينة مصراته، التي تشكل مجموعاتها المسلحة أغلب قوات المجلس الرئاسي، إذ رفضت الدخول في قتال في منطقة الهلال النفطي، بحجة انشغالها بطرد ما تبقى من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من مدينة سرت.

ويبدو أنّ الكثير من الدول التي ساندت الاتفاق السياسي، تعمّق الانقسام أكثر بانشغالها في دعم المجلس الرئاسي في حربه على "داعش"، وإهمال دعمه في حل القضايا المحلية لا سيما الاقتصادية منها التي يعاني منها المواطن.

وهناك دول لم تعد تخفِ موقفها من حفتر وحراكه العسكري، من خلال دعمها له، وفي مقدمة هذه الدول فرنسا ومصر والإمارات، وروسيا أيضاً بشكل غير مباشر.

وقبل أسبوعين، طالبت المجموعة الدولية بإجراء محادثات جديدة حول ليبيا، تشمل هذه المرة فاعلين جدد، من بينهم حفتر، الذي لم يعد يخفى أنّه يحظى بتأييد قبلي واسع شرق البلاد، في ظل تقدّمه العسكري في بنغازي، ومنطقة الهلال النفطي.

وتبقى الأزمة الليبية رهينة التفاهمات الدولية المتأثرة بمصالحها، وعالقة أمام خيار تعديل الاتفاق السياسي، إذ يبدو سقوط الاتفاق، وتخلّي المجتمع الدولي عنه، بعيد الاحتمال هو الآخر.