أوروبا تواجه الخروج البريطاني بشروطها

07 أكتوبر 2016
وصفت ماي الخروج بـ"الثورة الهادئة" (ستيفان روسو/فرانس برس)
+ الخط -
وصفت رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي بـ"الثورة الهادئة" على العولمة. وتعهدت ماي في خطاب ألقته يوم الأربعاء، خلال المؤتمر السنوي لحزب المحافظين، بالعمل من أجل تحقيق أفضل اتفاقية لبلادها خلال مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، تمكّنها من حرية الولوج إلى السوق الأوروبية الموحدة، من دون فتح حدودها أمام حرية تنقل الأفراد الأوروبيين للإقامة والعمل في أراضيها. غير أن رياح أوروبا قد لا تجري كما تشتهي رئيسة الحكومة البريطانية، ولا سيما بعد الرد الواضح من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، مطلع هذا الأسبوع، والتي شدّدت على أنه "لا يمكن أن يتحقق لبريطانيا الوصول الكامل إلى السوق الموحدة، إلا في مقابل التوقيع على الحريات الأربع: التنقل، وتنقل الخدمات، والسلع، ورؤوس الأموال. وأي شيء آخر يرقى إلى مرتبة التحدي الممنهج للاتحاد الأوروبي بأسره".

وتتمسك الحكومات الـ27 في الاتحاد الأوروبي بالحريات الأربع للاتحاد الأوروبي، كحزمة لا تنفصل، كما يُردد رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، وكما تؤكد المفوضية الأوروبية أن "أي اتفاق لن يُتيح لبريطانيا دخول السوق الأوروبية الموحدة، إلا إذا قبلت لندن استمرار حرية حركة المواطنين الأوروبيين عبر الحدود".

وقد عبّر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، عن ذلك صراحة بالقول: "لا يمكن قبول بريطانيا في السوق المشتركة من دون أن توافق على حرية تنقل الأفراد من الاتحاد الأوروبي إلى أراضيها". ومن غير المُرجح أن تتخلى دول الاتحاد عن مبدأ حرية تنقل الأفراد بين حدود الدول الأعضاء، ذلك أن هذا المبدأ شكّل جزءاً أصيلاً من الفكرة الأوروبية منذ البداية، عندما توافقت ست دول على التكامل فيما بينها منذ نحو 60 عاماً، في العاصمة الإيطالية روما. وقد توسع هذا المبدأ وترسخ أكثر في معاهدة "ماستريخت" الهولندية عام 1993.

غير أن مبدأ حرية تنقل الأفراد بين دول الاتحاد الأوروبي، الذي كان مثار إعجاب المتحمسين لأوروبا الموحدة، والذين رأوا فيه محوراً لحلم أوروبا الموحدة شعبياً، بعد انهيار جدار برلين (1989)، بات مصدر تذمر للكثيرين منهم منذ انضمام دول أوروبا الوسطى والشرقية، وكذلك مالطا وقبرص، إلى الاتحاد الأوروبي على دفعتين في عامي 2004 و2007.

وقد تُرجم هذا التذمّر جلياً في نتيجة الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو/ حزيران الماضي، حين صوّت 52 في المائة من البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد، رغبة منهم في وقف الهجرة من الدول حديثة العضوية في الاتحاد إلى بريطانيا. وقد عبّر أنصار الخروج البريطاني عن غضبهم من التأثير السلبي للمهاجرين من دول أوروبا الشرقية والوسطى، على مستوى خدمات التعليم والصحة والخدمات العامة في بلدهم. وهذا ما يفسر رد فعل موقف مجموعة "فيسيغراد"، التي تضم كلاً من سلوفاكيا وتشيكيا وبولندا والمجر، الرافض لأي اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتضمن تقييد لحقوق المواطنين الأوروبيين في حرية التنقل والمعيشة والعمل في بريطانيا وفقاً لنظام الحدود المفتوحة.


وتبدو معضلة الأوروبيين المقيمين راهناً في بريطانيا، والبريطانيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي، وجهاً آخر لصعوبة المفاوضات التي تنتظر رئيسة الحكومة البريطانية، الساعية لضمان حقوق مواطنيها الذين يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي، في مقابل ضمان وضع حوالي ثلاثة ملايين مواطن من دول الاتحاد يعيشون في بريطانيا.

ويأمل وزير التجارة البريطاني، ليام فوكس في "التوصل لاتفاق متبادل ومفتوح، يمكن من خلاله لمواطني بريطانيا الذين يعيشون في دول أوروبية أخرى البقاء هناك بحرية وترحاب، كما سيفعل الأوروبيون الذين استقروا في بريطانيا".

وتخشى الدول الأوروبية استخدام مواطنيها كـ"ورقة مساومة" في المفاوضات مع بريطانيا، ولا سيما أن وزير التجارة البريطاني، لوّح بتلك الورقة خلال تصريحات له يوم الأحد، قُبيل مؤتمر حزب المحافظين. وستسعى دول الاتحاد الأوروبي للحصول على ضمانات من الحكومة البريطانية بالالتزام بحقوق مواطنيها هناك بعد خروج بريطانيا من الإتحاد.

في هذا الصدد، نوّه رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، عن ذلك بالقول لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، يوم الأحد، إن دول "فيسيغراد" لن تسمح بالمساومة في هذا الأمر، و"إذا لم نضمن تمتع الأوروبيين الذين يعيشون ويعملون في بريطانيا بالحقوق المتساوية، فسنعترض على أي اتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. بريطانيا تعلم أن لا مكان للمساومة في هذه القضية بالنسبة لنا".

المساهمون