تمر العلاقات المصرية السعودية بفترة حرجة منذ عدة أشهر، بلغت ذروتها في اليومين الماضيين بانتقاد السعودية الرسمي لموقف مصر المؤيد لمشروع القرار الروسي بشأن حلب في مجلس الأمن، وإعلان وزارة البترول المصرية أن شركة "أرامكو" السعودية أوقفت إمداد مصر باحتياجاتها البترولية المتفق عليها لشهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي وفق عقد وقعه الجانبان في أبريل/نيسان الماضي. وشهدت الساحتان الإعلامية والسياسية في مصر خلال الساعات الماضية ظهوراً مكثفاً لآراء وأصوات تنتقد ما يمكن وصفه بالارتباط السياسي والاقتصادي بين مصر والسعودية، وتؤكد أن المشاكل بين البلدين خرجت إلى العلن بعد فترة كانت فيها سرية، وأن من شأن هذا التوتر إغلاق ملف التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إلى الأبد، في ظل ارتفاع مؤشرات رفض المحكمة الإدارية العليا الطعن المقدم من الحكومة على حكم القضاء الإداري بهذا الشأن.
ويقول مصدر في وزارة البترول، لـ"العربي الجديد"، إن هناك معلومات "غير رسمية" تلقاها المسؤولون المصريون من نظرائهم السعوديين أمس، الثلاثاء، تفيد بأن قرار وقف الإمدادات البترولية "ربما لا يقتصر على الشهر الحالي فقط، وربما يستمر حتى بعد نهاية العام الحالي"، وهو ما يعني، بحسب المصدر، وقوع مصر في مشكلة حقيقية بسبب اعتمادها بشكل كبير على الإمدادات البترولية السعودية للحفاظ على مستوى أسعار الوقود المدعم للمستهلكين، سواء الأشخاص أو الشركات.
ويضيف المصدر أن "المسؤولين المصريين أبلغوا بشكل غير رسمي بأن قرار وقف الإمدادات هو سياسي بالدرجة الأولى"، مشيراً إلى أن "المسؤولين السعوديين قالوا إنه كان من الممكن الاكتفاء بخفض الإمدادات بسبب الارتفاع الكبير في سعر خام برنت هذا الأسبوع، بالنسبة إلى سعره إبان توقيع العقد بين الطرفين خلال زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز القاهرة قبل نحو 6 أشهر". ويكشف المصدر عن أن "وزارة البترول، تحت إشراف مباشر من رئيس الوزراء شريف إسماعيل (المتخصص في هذا المجال)، بدأت اتصالات بدولتي الإمارات والجزائر لبحث التعاقد على طلب دفعات بترولية جديدة يبدأ ضخها من يناير/كانون الثاني المقبل، وذلك تحسباً لاستمرار الأزمة مع السعودية، أو استمرار تحجج السعودية بارتفاع الأسعار".
ويوضح المصدر أن المشكلة في أي مفاوضات مع الإمارات أو الجزائر تتمثل في ارتفاع الأسعار، وفي أن مصر كانت تراهن على عدم الخروج عن الموازنة الموضوعة سلفاً لاستيراد المنتجات البترولية خلال العام المالي الحالي، ما قد يؤدي في المستقبل القريب إلى رفع أسعار الوقود، وهي الخطوة التي كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يحاول تأجيلها لأطول فترة ممكنة، علماً بأنها كانت ستأتي حتماً للوفاء بشروط قرض صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من هذه الصورة الداكنة، إلاّ أن فريقاً في الحكومة ووزارة البترول يحبذ الانتظار إلى حين انتهاء الشهر الحالي، وحلول توقيت إرسال الإمدادات الخاصة بالشهر المقبل، وعدم استباق الخطوات السياسية التي قد تتم لتخفيف حدة الأزمة بين البلدين. ويذكر المصدر أن "بعض مسؤولي وزارة الخارجية طلبوا من وزير البترول عدم إصدار تصريحات مثيرة للقلق في وسائل الإعلام، وأشاروا عليه بمطالبة الرأي العام انتظار موعد الإمداد المقبل، وأكدوا أن هناك اتصالات سياسية" على أعلى مستوى "ستجري بين القاهرة والرياض لاحتواء أي أزمة".
وفي السياق ذاته، يرجح مصدر في وزارة المالية أن يكون وقف الإمداد البترولي من السعودية "مجرد تحذير للنظام المصري، بسبب الموقف من سورية وقضية جزيرتي تيران وصنافير، خاصة وأن السعوديين يرون أن مصر تحاول الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية منهم، دون أن تتكبد أي معاناة ودون تقديم مقابل واضح لما تحصل عليه". ويقول المصدر، الذي كان مشاركاً في اجتماعات اللجنة المصرية السعودية المشتركة مطلع العام الحالي، إن "هناك مسؤولين سعوديين يعتبرون أن مصر تحصل على أثمان من السعودية مقابل أمور لا تحدث أبداً، من بينها تقديم استثناءات وتسهيلات لرجال الأعمال أكبر من باقي المستثمرين العرب، وكذلك المشاركة المصرية الجادة في حملة السعودية على اليمن حيث قصرت مصر تحركاتها على مستوى البحرية ووحدات صغيرة من الكوماندوز والمظليين بعيداً عن التدخل البري، وكذلك عدم مناصرة الموقف السعودي من نظام بشار الأسد في سورية"، على حد قوله. ويوضح "طوال فترات التفاوض السابقة على زيارة الملك سلمان حول المساعدات السعودية لمصر، كان واضحاً أن هناك حساسيات من الجانب السعودي، وتصورات أن السيسي لا يقدم المطلوب منه دعماً للمواقف السعودية إقليمياً".
ويرى المصدر نفسه أن "البرود"، الذي تعامل به الجانب السعودي مع بعض المسؤولين المصريين في اجتماعات ما قبل الزيارة الملكية للقاهرة، هو السبب الذي دفع السيسي للإسراع في إنهاء إجراءات اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية التي أفضت إلى نقل تبيعة جزيرتي تيران وصنافير لها، باعتباره "ثمناً مقبولاً، ويغني عن أي تباطؤ أو تقاعس مصري يظنه السعوديون"، على حد وصفع.
ويعكس حديث المصادر المصرية أن الرؤية السعودية "للتقصير المصري" ليست جديدة أو مرتبطة بما حدث في قضية تيران وصنافير، بل تعود لمطلع العام الحالي على الأقل، وتتعدد الأسباب لتشمل اعتبارات أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية أيضاً.
ويرى مصدر آخر في مجلس الوزراء المصري أن "هناك حالة من انعدام الثقة بين السيسي والإدارة السعودية الحالية، بعد امتناع السيسي عن المشاركة بسلاحي المشاة والطيران في حملة اليمن، وذلك على الرغم من أن السيسي حاول تعويض ذلك بالإعلان المتكرر عن مد فترات مشاركة الجيش المصري، وخصوصاً القوات الجوية في حماية مضيق باب المندب، وكذلك الدفع بعدد من تشكيلات الكوماندوز والمظليين". ويسرد المصدر قائمة طويلة من الإجراءات التي يصفها بـ"القرابين التي قدمها السيسي للسعودية في ما يستطيع التصرف فيه دون أن يتعرض لمشاكل" على حد وصفه، بدءاً من التسهيلات الاستثمارية، وتدشين مشروعات هضبة الجلالة ومينائها السياحي ومدينة سلمان في جنوب سيناء، وجميعها مشروعات لصالح الجانب السعودي وسيطلق فيها يد المستثمرين السعوديين. ويشير المصدر إلى أن "السيسي كان حريصاً على إرضاء السعودية بمثل هذه الإجراءات حتى قبل الإمارات، خصوصاً في عهد الملك عبدالله، إلاّ أن اختلاف التوجهات السياسية بين إدارة عبدالله والإدارة الحالية، خاصة ما يتعلق بالعلاقات مع تركيا وحماس وجماعة الإخوان، أدت إلى احتكاك مباشر بين الرياض والقاهرة. كما أدت قضية تيران وصنافير إلى ترسيخ الرؤية التي كان يروج لها بعض المسؤولين السعوديين بأن السيسي لا يريد دفع الكثير مقابل ما يحصل عليه"، على حد قوله. يذكر أن الخلافات المكتومة بين السيسي والسعودية، والتي نشرت "العربي الجديد" تفاصيل عديدة عنها خلال الشهور الماضية، تفجرت على الملأ لأول مرة السبت الماضي، بعد تصويت مصر لصالح مشروعي قرارين متناقضين بشأن الأحداث الدامية في مدينة حلب السورية، أحدهما تبنته فرنسا وإسبانيا وحظي بقبول السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، والثاني تبنته روسيا وعارضته هذه الدول.