رئيس الأركان الأميركي الجديد يخشى روسيا أكثر من "داعش"

27 سبتمبر 2015
توقعات بأن يواجه دانفورد مشكلات مع المرأة والمثليين(مارك ويلسون/Getty)
+ الخط -
شكّلت الخبرة الميدانية الطويلة التي اكتسبها الجنرال الأميركي جوزيف دانفورد في العراق، العامل الحاسم وراء اختياره رئيساً لهيئة الأركان الأميركية المشتركة، خلفاً للجنرال مارتن ديمبسي الذي أحيل إلى التقاعد رسمياً يوم الجمعة الماضي. إلا أن دانفورد على الرغم من هذه الخبرة، لا يعتقد أن التهديد العسكري الذي يمثّله تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق على الولايات المتحدة بحجم التهديد الذي تمثّله روسيا، بما تملكه من ترسانة هائلة من الأسلحة التقليدية والنووية.

ولم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليختار دانفورد لتولي أعلى منصب عسكري في الولايات المتحدة لو لم تكن رؤيتاهما متوافقتين، خصوصاً بعد الضربات الروسية الموجعة التي تلقاها أوباما من نظيره الروسي فلاديمير بوتين على الساحة الأوكرانية، وبدا أوباما حيالها عاجزاً عن مقاومة خطر الدب الروسي، أو صده عن إذلال حلفاء الولايات المتحدة.

وبغض النظر عن التوافق في الرؤى الاستراتيجية بين الرجلين من عدمه، فإن استبدال ديمبسي بالجنرال دانفورد في الموقع العسكري الأول بالولايات المتحدة يأتي في إطار التناوب الروتيني في المنصب الذي جرت العادة ألا تزيد مدة شغله على أربع سنوات.

ولم يواجه دانفورد صعوبة كبيرة في مصادقة مجلس الشيوخ على قرار اختياره للمنصب، لكن بعض أعضاء المجلس وجدوا في استجوابه فرصة لمعرفة ما يتبناه من تصورات وآراء استراتيجية. وخلال الاستجواب أعرب دانفورد عن قناعته بأن روسيا وليس "داعش" هي التي تمثل التهديد الأكبر للأمن القومي الأميركي. واستند دانفورد في هذا الرأي إلى أن روسيا تمتلك ترسانة نووية؛ وهي قادرة على تهديد سيادة دول حليفة للولايات المتحدة. وقال: "تجربتنا في أوكرانيا تثبت ضرورة وضع نموذج ردعي فعال للتعامل مع التهديد الروسي".

وحول تنظيم "داعش"، اعتبره دانفورد تهديداً إقليمياً "يخلق عدم الاستقرار ويُعرّض المصالح الأميركية للخطر". وأكد أن الحل هو في بناء القدرات المحلية على مواجهة التنظيم.

وفي الشأن السوري، رأى دانفورد أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة "يساعد داعش على تجنيد المقاتلين"، مشيراً إلى أن "وحشية الأسد كانت سبباً أساسياً لصعود داعش واستمراره في السلطة". لكنه مع ذلك لا يستحسن تنفيذ ضربات ضد الأسد في الوقت الحالي.

مشكلات متوقعة

وبعيداً عن السجل العسكري الذي يوصف بالناصع لدانفورد، إلا أن الصحافة الأميركية بدأت تتوقع أن يواجه مشكلات بسبب مواقفه تجاه المرأة والمثليين، ونظرته إلى الأضرار التي قد يسببها وجود هاتين الفئتين في الجيش الأميركي، وعلى وجه التحديد بين قوات المارينز (مشاة البحرية).

ففي الوقت الذي وعد فيه أوباما بفتح كل مناصب الجيش الأميركي للجنس اللطيف تطبيقاً لمبدأ المساواة ابتداء من العام 2016، ظهرت دراسات روّج لها ضباط المارينز برفض إقحام النساء في المناصب القتالية الحساسة. ولم يتردد دانفورد في تبني وجهة النظر الرافضة لإقحام النساء في الوحدات القتالية. ومن غير الواضح أيضاً شكل العلاقة التي يمكن أن تربطه بالوزير المدني المرشح للإشراف على الجيش الأميركي إيريك فاننيغ الذي يفاخر بأنه مثلي.

ويعتبر المثليون اختيار وزير للجيش الأميركي منهم ثاني أكبر انتصار تاريخي لهم، بعد قرار المحكمة الأميركية العليا بإجازة زواج المرأة بالمرأة أو الرجل بالرجل، بعد أن كانت غالبية الولايات الأميركية ترفض الاعتراف بمثل هذا الزواج. وفيما يتعلق بتعامل الجيش الأميركي مع المثليين، ظل قبولهم في الخدمة كأفراد مشروطاً طوال العقود الماضية بكتمان ميولهم الجنسية، ولكن التساهل أصبح هو السائد خلال الفترة الثانية من رئاسة أوباما على وجه التحديد. أما القيادات العليا فلم يُعين حتى الآن أي جنرال ينتمي إلى هذه الفئة.

اقرأ أيضاً: تعيين الجنرال دنفورد قائداً للقوات الأميركية خلفاً لديمبسي

قيادة مدنية للعسكر

نظام وزارة الدفاع الأميركية لا يسمح بانفراد العسكر بالمسؤوليات القيادية في وزارة الدفاع، بل يفرض أن يكون هناك مسؤول مدني مباشر عن كل جنرال مع توزيع الصلاحيات، إذ يتولى الجنرالات المسؤوليات الميدانية والقرارات العسكرية ويناط القرار السياسي والاستراتيجي بالوزراء المدنيين. ويحتم هذ النظام أن يكون وزير الدفاع مدنياً ليكون هو المسؤول المباشر عن رئيس هيئة الأركان، مثلما أن وزراء الجيش والبحرية والجوية من المدنيين فيما يرأس قادة عسكريون هذه الأجهزة.

ومن المعروف أن أول وأبرز جنرال في تاريخ الولايات المتحدة هو الرئيس الأول وأحد مؤسسيها في 1776، جورج واشنطن، إلا أن منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة في شكله الحالي هو منصب حديث نسبياً في هيكل وزارة الدفاع، إذ يعود إلى العام 1949، وتناوب على المنصب منذ ذلك العام حتى الآن 19 جنرالاً، لم تتجاوز فترة خدمة أي منهم الأربع سنوات مطلقاً، وبينهم من شغل المنصب لسنتين فقط وثلاث سنوات، بل إن أحدهم لم يقضِ في الموقع إياه سوى 23 يوماً.

ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، كان أبرز من شغل هذا الموقع العسكري الحساس الجنرال ريتشارد مايرز حتى سبتمبر/أيلول 2005، تلاه الجنرال بيتر بيس لمدة سنتين فقط، ثم الأدميرال مايكل مولين حتى سبتمبر/أيلول 2011، وخلفه الجنرال مارتن ديمبسي إلى الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول الحالي. وكان ديمبسي قد أمضى في الخدمة العسكرية أكثر من أربعين عاماً، من ضمنها الأربع سنوات الأخيرة في أعلى منصب عسكري قبل أن يحال للتقاعد بصورة طبيعية.

أما رئيس الأركان الجديد فقد بدأ خدمته العسكرية في الجيش الأميركي عام 1977، لكنه يتميز عن غالبية من سبقه في رئاسة هيئة الأركان المشتركة أنه قادم من سلاح المارينز (مشاة البحرية)، وبات ثاني رئيس أركان يأتي من قيادة هذا السلاح المارينز بعد الجنرال بيتر بيس. أما بقية من شغل هذا الموقع العسكري، فإن تسعة منهم جاؤوا إليه من قيادة الجيش البري وأربعة من سلاح الجو وأربعة آخرين من سلاح البحرية.

وكان دانفورد عند اختياره لهذا الموقع يتولى منصب قائد قوات المارينز، وقبل ذلك تولى منصب قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان (إيساف) وذلك بين فبراير/شباط 2013 وأغسطس/آب 2014. وطبقاً لسيرته الذاتية المنشورة على الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) فقد ولد دانفورد في 8 ديسمبر/كانون الأول 1955 في بوسطن، والتحق في العام 1977 بمدرسة قوات الصاعقة "رينجرز" التي تعتبر تدريباتها الجسدية من بين الأقسى في العالم. ودانفورد مجاز أيضاً من كلية الحرب في الجيش الأميركي، وتابع دراسته المدنية في جامعة جورج تاون في العاصمة واشنطن، حيث حصل منها على درجة الماجستير في العلاقات الدولية. واعتبره أوباما خلال إعلانه ترشيحه أحد المفكرين الاستراتيجيين الأكثر احتراماً في المؤسسة العسكرية وبين أعضاء الكونغرس من الحزبين.

ومهما كانت أهمية الموقع العسكري الأول في الولايات المتحدة، فإن من يتولى هذا الموقع بغض النظر عن هويته أو خلفيته لا يتمتع بسلطة تحريك الجيوش الميدانية أو إصدار الأوامر القتالية، وإنما هو بمثابة مستشار لوزير الدفاع الذي يُشترط أن يكون مدنياً، ويخضع لسلطات قائد أعلى للقوات المسلحة هو الرئيس المنتخب.

اقرأ أيضاً: لا مراجعة شاملة للاستراتيجية الأميركية... وحماية بغداد أولوية "البنتاغون"

المساهمون