توجه نحو تعديل مشروع قانون المصالحة الاقتصادية في تونس

19 سبتمبر 2015
التونسيون يرفضون منح العفو للمتورطين في الفساد (أرشيف، الأناضول)
+ الخط -

يتواصل الجدل السياسي والاقتصادي والشعبي حول قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، والذي ‏اقترحته ‏رئاسة ‏الجمهورية، وأثار المعارضة برمتها التي حاولت أن تجند كل طاقاتها الشعبية والنيابية لمعارضة ‏القانون معتبرة ‏إياه ‏تسامحاً مع الفساد وتشجيعاً على الإفلات من العقاب.‏


وخلص الائتلاف الرباعي الحاكم منذ أيام إلى إرسال لجنة مشتركة للنظر في تعديل المشروع حتى يلائم الدستور من ‏ناحية ‏و‏لا يتعارض مع قانون العدالة الانتقالية.‏

غير أن الجديد هو دخول بعض المنظمات ومؤسسات استبيانات الرأي على الخط، في محاولة لفهم رأي ‏الشارع ‏ومواقف ‏المواطن التونسي من هذا القانون.‏

واتضح أن هناك بوناً شاسعاً بين ما تقترحه هذه المؤسسة وتلك، وما تعرضه من نتائج حول ردود أفعال المواطنين ‏حول ‏هذا ‏القانون الذي يسيطر على مجريات الأحداث السياسية في الآونة الأخيرة.‏

وفي حين تؤكد منظمة "أنا يقظ" أن نحو 92 بالمائة من التونسيين يعارضون إلى حد الآن هذا القانون، فقد ‏أكدت ‏مؤسسة ‏‏"سيقما كونساي" أن 70 بالمائة يؤيدونه.‏

وأكد حسن الزرقوني مدير مؤسسة "سيقما" لـ"العربي الجديد" أنه عندما عرضت مؤسسته استبيان رأي ‏التونسيين ‏وجدت ‏أن 90 بالمائة منهم لا يعرفون شيئاً عن القانون مطلقاً، وأن 9 بالمائة يعرفون بعض فصوله فقط في ‏حين لم يطّلع ‏على ‏تفاصيله كاملة إلا 1 بالمائة فقط، وتم هذا الاستبيان في الفترة ما بين 12 و15 سبتمبر/أيلول ‏الحالي.‏

وقال الزرقوني إن كل الأسئلة حول هذا القانون تصبح مستحيلة ولا تمكّن من التعرف على رأي التونسيين، ‏ولهذا ‏السبب ‏طلب من مختصين قانونيين تلخيص القانون في فقرة وحيدة، تم عرضها من جديد على عينة تمثيلية ‏للتونسيين و‏أدت إلى ‏موافقة نحو 70 بالمائة عليه.‏

وتشير الفقرة الملخصة المعروضة إلى أنه "سيتم بموجب مشروع القانون اعتراف كل من تحصل على فائدة مالية ‏أو ‏ساهم ‏في الفساد بكل التجاوزات أمام لجان مختصة، ثم يعيد هذه الأموال إلى الدولة مع ضريبة سنوية بـ 5 بالمائة ‏عن ‏هذه ‏الأموال، كما يشمل القانون أيضاً موظفي الدولة الذين سهلوا تحصل رجال الأعمال على فائدة اقتصادية ما ‏ولكن من دون ‏أن ‏يكونوا قد حصلوا على رشوة مقابل ذلك".‏

ويضيف الزرقوني أن الاستبيان الذي أنجزته مؤسسته عكس أيضاً شك نحو 50 بالمائة من المستجوبين في ‏إمكانية ‏تنفيذ ‏هذا القانون حتى بعد المصادقة عليه.‏

كذلك دفع تواصل الجدل في تونس حول مشروع القانون خبراء وسياسيين ومكونات من المجتمع المدني إلى مزيد ‏من دراسة الموضوع من حيث التجاذبات التي ما فتئ يطرحها وكيفية تلافي الغموض الذي يثيره، وعبرت حركة النهضة، ‏اليوم السبت، في ملتقى انتظم ببادرة من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية"، عن مساندتها لمشروع ‏المصالحة الاقتصادية مع تأكيدها ضرورة إدخال تعديلات عليه، فيما ترى مصادر من رئاسة الجمهورية أن ‏التعديل لا يكون إلا تحت قبة مجلس نواب الشعب.

اقرأ أيضاً:"نداء تونس" يدعو لحوار حول تعديل قانون "المصالحة الاقتصادية"

وقال رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، رفيق عبد السلام، إنّ دراسة موضوع المصالحة الاقتصادية ‏في حاجة إلى أن تناوله بروية، خاصة أن الآراء حول المصالحة الاقتصادية متباينة جداً فهناك من يعتبرها استحقاقاً ‏طبيعياً سيحقق منافع اقتصادية في حين يرى آخرون أنه خيار غير صائب ويشرّع للفاسد.‏

وأكد رئيس المركز في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هناك موقفين حادين لا يعبران عن عموم الشعب التونسي وهما ‏الرفض المطلق أو القبول المطلق. ‏

وبيّن أن التوافق ضروري في مثل هذه المسائل، فالتوافق حصّن تونس من عدة تجاذبات كتلك التي حصلت في سورية ‏واليمن فوضع تونس متقدم والفضل يعود إلى منهج التوافقات السياسية والتسويات بين مختلف المكونات السياسية.‏

وأضاف عبد السلام أن موضوع المصالحة في حاجة إلى حوار وطني وإلى تبصر وأن يتم الأخذ بعين الاعتبار ‏بالمصالح الكبرى للبلاد، ملاحظاً أن التجربة العملية بينت أن هذا الخيار مفيد ونافع ولكن في صورة وجود ثغرات يجب ‏دراسة الموضوع بتمعن ومراجعة هذه الثغرات.‏

وأكد أن موقف حركة النهضة من خلال التصريحات والبيانات المتتالية يبين أنها مع مشروع المصالحة ولكن مع ‏تعديل وتطوير المشروع ليكون منسجماً مع الخيار العام للمصالحة الاقتصادية ومع العدالة الانتقالية ومع الهيئة ‏الدستورية، وهي هيئة الحقيقة والكرامة إلى جانب مراعاة أولويات ومصالح البلاد فلا يمكن أن تستغرق المصالحة ‏مدة طويلة.‏

واعتبر لطفي دمق، مستشار رئيس الجمهورية، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الجدل الكبير الذي أثير في تونس ‏سببه التوظيف السياسي، والذي لعب دوراً مهماً في شيطنة المشروع، مؤكداً أن رئاسة الجمهورية فوجئت بالموجة ‏الكبيرة التي أثيرت حول المشروع على الرغم من أنه مشروع قابل للتطوير والتنقيح.‏

وأكد أن تعديل مشروع المصالحة الاقتصادية يجب أن يكون تحت قبة مجلس نواب الشعب وليس في الشارع أو ‏بالتحركات الشعبية، على أهميتها. ‏

وقال دمق إنه يتكامل مع هيئة الحقيقة والكرامة ويحترم ما تقتضيه مهام الهيئة من عدالة انتقالية وتفعيل للدستور ‏ومنها تطبيق الفصل 62 من الدستور الذي يعطي حق المبادرة لرئيس الجمهورية والفصل 48 من الدستور الذي ‏ينص على أن الدولة ملزمة بتطبيق العدالة الانتقالية.‏

وأكد أن رئاسة الجمهورية لا ترفض التعديل والتنقيح خدمة للغاية السامية لهذا المشروع. ‏

وأكدّ فيصل دربال، خبير اقتصادي، ألا أحد يمكنه حصر العائدات المالية لقانون المصالحة من حيث الجدوى الاقتصادية ‏ولكن من خلال دراسة قام بها خبراء من معهد المؤسسات فإنه يمكن تحقيق 8،1 بالمائة من النتائج القومي الخام ما ‏يعادل 5،1 مليارات دينار.‏

واعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن العفو في جرائم الصرف هو في صالح المواطنين، داعياً إلى تطبيق الاتفاقيات ‏التي أمضت عليها تونس، خاصة تلك التي تتعلق بإنهاء السر البنكي والتصريح بالممتلكات، مشيراً إلى أن سويسرا ‏مثلاً ستتولى في نهاية 2016 غلق الحسابات غير المصرح بها.‏

اقرأ أيضاً تونس: هشاشة الائتلاف الحاكم والمعارضة تعزز دور السبسي