رسائل تسليم "القاعدة" لأمن المكلا: تجنّب الحرب والـ"درونز"

19 سبتمبر 2015
عقب سيطرة "القاعدة" على حضرموت العام الماضي (فرانس برس)
+ الخط -
تعدّ خطوة تسليم تنظيم "القاعدة" لأمن المكلا، مركز عاصمة حضرموت شرقي اليمن، للمجلس الأهلي الذي يدير الشؤون الخدمية بالمدينة الحدث الأبرز منذ سيطرة التنظيم على المدينة في أبريل/نيسان الماضي، خصوصاً بعدما ازدادت مخاوف السكان من اندلاع مواجهة بين القوات الشرعية والتنظيم.


اقرأ أيضاً: شروط جديدة للحوار اليمني: استعادة الدولة أولاً

وأعلن "القاعدة" مساء الأول من أمس عن تسليم أمن المدينة للمجلس الأهلي، وقال في بيان إن تسليم المهام الأمنية للمجلس أتى بناء على طلب الأخير المتكرر يتسلم الجانب الأمني بالمحافظة.

وتأتي هذه الخطوة بعد يومين من بيان شديد اللهجة للمجلس الأهلي، طالب فيه تنظيم "القاعدة" بالوفاء بالتزاماته ووعوده بتسليم المجلس بقية المرافق المدنية والأمنية والعسكرية، ومنها القصر الجمهوري ومعسكر اللواء "27 ميكا" بالريان وميناء الضبة النفطي.

وتكوّن المجلس الأهلي على إثر سيطرة تنظيم "القاعدة" على المكلا، من شخصيات اجتماعية وعلماء ووجاهات قبلية، فيما خلا تماماً من انخراط الأحزاب السياسية فيه.

ووقف التيار السلفي بقوة خلف المجلس لتعزيز فرص نجاحه خصوصاً أن المجلس الأهلي كان قد أعلن فور تأسيسه أن مجلس علماء أهل السنة والجماعة بحضرموت هو المرجعية الأولى له قبل أن يعود ويتنازل عن هذا الإعلان.

ولم يسلم المجلس من بعض الاتهامات التي تصفه بأنه الوجه السياسي لتنظيم "القاعدة". إلا أن الأخير نفى هذا الأمر أكثر من مرة، مشيراً إلى أن مهمته تنحصر في تطبيع الحياة وتسيير الخدمات الضرورية بعد سيطرته على المنطقة.

وأعلن المجلس في أكثر من بيان تأييده لشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وكان رئيس المجلس الشيخ صالح الجعيدي قد أجرى زيارة إلى العاصمة السعودية الرياض، للقاء قيادة السلطات الشرعية ومناقشة وضع المحافظة أمنياً وخدمياً.

وكان تنظيم "القاعدة" قد أنشأ مركزاً للأمن في إحدى مؤسسات الدولة تكوّن من محكمة شرعية ومكان لاحتجاز المتهمين، ونفذ عدداً من الأحكام في مقدّمتها حكم الإعدام في متهم بالقتل فضلاً عن إقامة عقوبة الحدّ كشرب الخمر والعلاقات غير الشرعية.

وإن كان تسليم أمن المكلا لا يعدّ انسحاباً كاملاً من المدينة وإنهاء لسيطرة "القاعدة" عليها، إلا أنه يهدّئ روع المواطنين منذ دخول مدينتهم في حرب مع السلطات الشرعية. وتبيّن الخطوة أن المفاوضات الجارية منذ أكثر من شهر بشأن الانسحاب الكامل للتنظيم من المدينة تسير باتجاه تجنيب المدينة الحرب والدمار وتفويت فرص اندلاع الحرب.

ولا يستبعد أن تكون الغارات التي تنفّذها الطائرات الأميركية بدون طيار "درونز" أحد أهم الأسباب التي سرّعت بتسليم "القاعدة" لأمن المكلا، حيث دفع التنظيم ثمناً باهظاً لسيطرته على المدينة تمثل في سقوط أكثر من 40 عنصراً بينهم قيادات كبيرة يتصدّرها زعيم التنظيم في جزيرة العرب ناصر الوحيشي.

اقرأ أيضاًاليمن: احتياطات "القاعدة" تفشل في تعطيل الـ"درونز"

جاء تسليم التنظيم لإدارة المدينة بموازاة جولات من الحوار المكثف تعقدها قوى سياسية من أجل منع أي فوضى أو ارتباك ينتج عن انسحاب مفاجئ لتنظيم "القاعدة" من المدينة. فيما شكلت هذه القوى لجنة للتواصل مع السلطات الشرعية ممثلة بالرئيس هادي وحكومة خالد بحاح للوصول إلى حل يحفظ للمحافظة أمنها ويدفع بحل مشاكلها الخدمية، وفي مقدّمتها الكهرباء التي باتت شبه غائبة عن معظم مناطق المحافظة.

لكن السؤال الذي يهم الشارع الحضرمي يرتبط بما إذا كان التنظيم سيسرّع من خطوات انسحابه وتسليم المدينة بالكامل أم أنه سيظل يحكم من الخلف بشروطه مستنداً إلى القوة والسلاح الذي غنمه من سيطرته على المدينة؟ وهل سيسلم ولو جزءاً من السلاح للمجلس الأهلي ليقوم بدوره؟

في هذا السياق، قال الأمين العام للمجلس الأهلي، الشيخ عبدالحكيم بن محفوظ، إن هناك تواصلاً واتفاقاً منذ فترة مع التنظيم بشأن تسليمهم الجانب الأمني للمجلس.

وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "ما حصل من إعلان بتسليم الجانب الأمني هو تحصيل حاصل، وليس لدى التنظيم ما يسلمه للمجلس فبمجرد إعلانهم التسليم وإغلاق مركزهم الأمني يكون الاتفاق قد دخل حيز التنفيذ".

وأكّد بن محفوظ أن معظم مراكز الشرطة في المدينة تم تأهيلها وبعضها تم رفدها بقوة أمنية وأخرى في الانتظار، لافتاً إلى أن المجلس سيقوم بكافة الخدمات الأمنية من أمن عام وشرطة مرور وتدخلات سريعة، وقد يتطور إلى الانتشار الأمني وإقامة نقاط تفتيش إذا تطلب الأمر. غير أنه استبعد أن يختفي عناصر التنظيم نهائياً، إذ يبقى لهم حضور رمزي، على حدّ قوله.

الربح والخسارة

وفي جردة للربح والخسارة لخمسة أشهر من سيطرته على المكلا، يبدو أن التنظيم دفع كلفة باهظة تمثلت في خسارته معظم قياداته البارزة أمثال الوحيشي وإبراهيم الربيش وأبو هاجر باقعيطي وناصر بن علي الآنسي، فيما توسّعت دائرة الاختراق داخل صفوفه والتي كان يعاني منها أصلاً قبل سيطرته على المدينة. 

في المقابل، برز السلاح الثقيل الذي غنمه التنظيم من سيطرته على المدينة، أبرز المكاسب، إذ قد يستغل هذا مستقبلاً في تنفيذ عملياته المعتادة ضدّ قوات الجيش والأمن.

على المستوى الشعبي، فشل التنظيم في خلق حاضنة شعبية حقيقية مؤيدة تضمن له بقاء أطول، على الرغم من انخراط عدد من الشباب اليمني في صفوفه.

وفي ظل الوضع المتهرئ أمنياً وسياسياً، يرتقب أن تكون السلطة المحلية التي فرت أمام مخاض عسير لحين عودتها، وخصوصاً أن غالبيتها محسوبة على حزب الرئيس لمخلوع صالح الأمر الذي يتطلب هيكلة سريعة ترضي الرأي العام المناهض لحزب صالح.

في هذا السياق، يقول الناشط السياسي، منصور باوادي، إن دخول "أنصار الشريعة" إلى مدينة المكلا كانت له انعكاسات سلبية على التنظيم نفسه ثم على حياة الناس؛ فالممارسات التي قاموا بها وأهمها نهب البنوك والاستئثار بأموالها أسقطت ما تبقى لهم لدى الحضارم وشعر الناس أن التنظيم لا يختلف عن غيره من التنظيمات الباحثة عن الثروة والمال عبر طرق غير مشروعة، ولم تكن راية المبادئ والقيم المرفوعة من قبلهم سوى شماعة لم تعد قادرة على البقاء، حسب قوله.

وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن سيطرتهم على المكلا كانت بمثابة الفخ الذي وقعوا فيه وشعروا به لاحقاً. ولفت إلى أن "القاعدة ليس سوى تنظيم عسكري لا يجيد غير عسكرة الحياة لا غير والتكاثر في الشعاب والأودية فقط"، وبالتالي "سرعان ما يسقطون ويفشلون أمام تحدي إدارة المدن وتحديدا الكبرى، فهي أكبر من طاقاتهم ومقدراتهم ".

ورأى باوادي أن التنظيم وقع بين مطرقة الخروج من المكلا وسندان البقاء فيها، خصوصاً بعدما وطئت أقدام قوات التحالف العربي الأرض اليمنية وتمت إعادة تشكيل جيش جنوبي في بعض محافظات الجنوب وحضرموت مما شكل هاجساً أمنياً له.