الهجرة أو الجنون في لبنان

05 اغسطس 2015
النفايات تنتشر في شوارع لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

ماذا بعد؟ ما الذي على المواطن اللبناني انتظاره بعد اليوم؟ أين هم المنجمون والمبصرون ليبلغونا عن الضربة المقبلة أين ستكون؟ لا يبدو أن أحداً غيرهم يملك جواباً دقيقاً. على مدى سنوات الثورة السورية، تمسّك اللبنانيون بلازمة أن المجتمع الدولي سيمنع الحرب عنهم. يُردد سياسيون لبنانيّون هذه المقولة بفخر، وكأن لهم فضلاً بذلك. هم يُدركون، لا بل يعترفون، بأن ما دفع المجتمع الدولي لهذا الأمر، هو وجود مئات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان. اللاجئون هم من يمنعون الحرب. خبر بشع لغلاة الوطنية اللبنانيّة. كيف لهم أن يتحملوا ذلك؟ عسى خيراً.

لكن رئيس الحكومة تمام سلام، بشّر اللبنانيّين أخيراً، بأنه "يشعر" بأن هذا الغطاء يضعف مع الوقت. غريب هذا المجتمع الدولي والإقليمي. يتخلّى عن لبنان في أصعب ظروفه. ونحن ما فعلنا إلا كلّ خير. لم ننتخب رئيساً للجمهوريّة منذ مايو/أيار 2014، ومجلس النواب معطّل وخسرنا قروضاً وهبات بمئات ملايين الدولارات لأن الحكومة والبرلمان لا يجتمعان، وإن اجتمعا، فلا يصدران قرارات. والأهم، أرسلنا أبناءنا للقتال في سورية. منهم من يُريد احتلال أرضٍ من الزبداني إلى الحسكة ليُعبّد طريق القدس، ومنهم من يُفجّر نفسه بالسوريين لتعليمهم الدين الحنيف. ماذا فعلنا ليتخلّى عنّا المجتمع الدولي؟

ورغم إصرارنا على تطبيق شرع الله والقتال باسمه، وإدخال تمثال "سيدة فاطيما" إلى مجلس النواب، وعرقلة الزواج المدني في لبنان، فإن الطبيعة حاربتنا أيضاً. ففي عزّ انتشار النفايات في شوارع لبنان وانقطاع الكبير للكهرباء والمياه (رغم ارتفاع كمية الأمطار شتاءً)، جاءت موجة الحر، وكأنها عقاب من الطبيعة. ماذا فعلنا لتتخلى عنا الطبيعة؟ صحيح أننا قطعنا الأشجار وقضينا على 35 في المائة من غابات لبنان في الأربعين عاماً الأخيرة، وأن معدلات التلوث عالية، ونستهلك نسبة وقود عالية، بسبب عدم وجود نقل عام، ونرمي نفاياتنا بمطامر غير صحية، لكن هل هذا مبرر لتتخلى عنا الطبيعة؟

تبدو الحياة في لبنان أقرب إلى حفلة تعذيب جماعية. ألا تبدو الهجرة بالفعل الأكثر منطقياً؟ ربما، والأغلب، نبدو نحن أقرب للمجانين ــ الجبناء لتمسّكنا بالبلد.

المساهمون