فرنسا بمواجهة جهاديي مالي: إبعادهم عن الطوارق لإضعافهم

24 مايو 2015
أموال طائلة جناها الطوارق والجهاديون من الخطف (فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت وزارة الدفاع الفرنسية غبطة كبيرة بعد قتل قائدين جهاديين في شمال مالي، وذلك في بيان رسمي صدر عنها الأربعاء الماضي، وهو ما يفسّره العديد من المتابعين لخريطة الجهاد الإسلامي في منطقة الساحل على أنه يتعلق بإنجاز حقيقي للقوات الفرنسية الخاصة التي صبرت طويلاً، وجمعت كمّاً هائلاً من المعلومات الاستخباراتية على الأرض وعبر الأقمار الاصطناعية والطائرات من دون طيار لتعقّب عبدالكريم الترغي أو (الطوارقي) وإبراهيم آغ إيناولين قبل أن تجهز عليهما في عملية عسكرية مُحكمة كانت على رأس أولويات القيادة العسكرية الفرنسية لعملية "برخان" الخاصة بمحاربة الجهاديين في منطقة الساحل.

والواقع أن القوات الفرنسية كانت تريد رأس عبدالكريم الترغي بأي ثمن منذ سنوات باعتباره الرجل الثاني في الهرم القيادي لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" والمسؤول الأول عن العديد من عمليات الخطف والقتل التي استهدفت الرعايا الفرنسيين في منطقة الساحل، ومنهم الصحافيان في إذاعة فرنسا الدولية جيزلان ديبون وكلود فيرلون، وأيضاً سيرج لازاريفيتش وميشال جيرمانو، الذي قتله الترغي بنفسه بعد أن ضاق ذرعاً بتأخر الفرنسيين في دفع الفدية حسب معلومات وزارة الدفاع الفرنسية. وحسب مصادر فرنسية مطلعة، فإن عبدالكريم الترغي كان مفاوضاً داهية واستطاع جني عشرات الملايين من الدولارات كفديات مقابل إطلاق سراح مجموعة من المختطفين، وكان يضخ هذه الأموال لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لشراء الأسلحة ودفع رواتب مغرية للمقاتلين.

ويُعتبر الترغي وحده مثالاً بليغاً على تعقد الأوضاع في منطقة الساحل وتشابكها العقائدي والعرقي. فالرجل، واسمه الحقيقي حمادة آغ حاما، هو مواطن مالي من مواليد منطقة إيفوغاس وينحدر من قبيلة طوارقية مشهورة في المنطقة. والتحق في سن مبكرة بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عندما كان التنظيم يستقطب سكان الشمال المالي في منتصف الألفية الجديدة. وتسلّق عبدالكريم هرمية التنظيم بسرعة نظراً لشخصيته العنيفة والماكرة ودرايته الكبيرة بمنطقة الساحل وتضاريسها الجغرافية والعرقية إلى أن صار الرجل الثاني والذراع اليمنى لقائد التنظيم مختار بلمختار، وحين انشق هذا الأخير عن التنظيم ليؤسس جماعة "المرابطين" كان عبد الكريم الترغي سنده الرئيسي.

وارتفعت أسهم الترغي في التنظيم والخارطة الجهادية في منطقة الساحل عندما نجح في عقد تحالفات بين التنظيم وعدة قبائل من الطوارق، ما مكّن الجهاديين من السيطرة الكاملة على شمال مالي في العام 2011 ورفع علمهم في مدينة تومبوكتو في زحف عسكري فاجأ الجميع آنذاك. كما أنه كان المهندس الفعلي للتقارب والتحالف بين تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وجماعة "أنصار الدين" الجهادية المكوّنة من العرب الطوارق، وهذا ما يفسّر مقتل الترغي إلى جانب القيادي في "أنصار الدين" إبراهيم آغ إيناولين. وكان هذا الأخير أيضاً على رأس لائحة أبرز الأسماء التي كانت القوات الفرنسية ترغب في تصفيتها، واسمه الحركي "بانا". وهو ضابط سابق في الجيش المالي وغادره عام 2006 ليلتحق بجماعة "أنصار الدين"، وصار من المقربين لزعيمها إياد آغ غالي، كما كان المهندس الأساسي للتقارب بين الجماعة وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وجماعة "المرابطين" لاحقاً.

اقرأ أيضاً: فرنسا تتوعد المتمردين الطوارق بعقوبات دولية

مسار هذين الرجلين يعكس درجة التعقيد في ما يخص العلاقات بين الطوارق والجماعات الجهادية، والتي تعززت خصوصاً منذ العام 2006 عندما انسحب الجيش المالي ومؤسسات الدولة المالية من الشمال، ما أفسح المجال للجماعات الجهادية للتحرك بحرية واستقطاب قبائل الطوارق عقائدياً ومالياً عبر الاستفادة المشتركة من عمليات التهريب واختطاف الأجانب التي كانت تجني منها الجماعات الجهادية أموالاً طائلة.

ويقول الباحث المتخصص في منطقة الساحل خالد الشقراوي، لـ"العربي الجديد"، إن الطوارق تاريخياً يعتنقون الإسلام المالكي والصوفي المعتدل وهم في تعارض مذهبي عميق مع إيديولوجيا الجماعات الجهادية، لكن صراع الطوارق مع الجيش المالي ودهاء أمراء الجهاد هو الذي أسس لتحالفات بين الطوارق والجهاديين، وهذا ما يفسر صعود نجم عبدالكريم الترغي وإبراهيم آغ إيناولين.

وإذا كان نجاح القوات الفرنسية في التخلص من هذين الرجلين إنجازاً قوياً في سياق الحرب الفرنسية ضد الجهاديين هناك، يضيف الشقراوي، فإن "شخصية أخرى تجسّد تحالف الطوارق مع الجهاديين الإسلاميين، لا تزال تتعقبها القوات الفرنسية منذ سنوات هي رئيس ومؤسس جماعة أنصار الدين إياد آغ غالي"، مشيراً إلى أن "هذا الأخير ما يزال يتحرك بحرية في أقصى شمال مالي عند الحدود مع الجزائر، وتربطه علاقة قوية بالجهاديين الجزائريين، خصوصاً بلمختار".

ويرى أن "الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل وشمال مالي تحديداً، تهدف عبر اغتيال أمراء الحرب الطوارق المرتبطين بالجهاديين، لفسخ الروابط بين الطوارق والمجموعات الجهادية، وخصوصاً أن الطوارق في تنسيقية الأزواد يهمهم انتزاع حكم ذاتي موسّع للشمال عبر اتفاق سلام مع الحكومة المالية أكثر مما تهمهم العقيدة المتطرفة للحركات الجهادية".

من هذه الزاوية يمكن فهم الضغوط الفرنسية بمساعدة جزائرية لإيجاد تسوية سياسية بين الحكومة المالية وتنسيقية حركات الأزواد، لقطع الطريق على المجموعات الجهادية وضرب بيئتها الحاضنة في بلاد الطوارق، لتصبح هذه المجموعات في معركة عسكرية مع القوات الفرنسية والمالية من دون سند عرقي لها.

اقرأ أيضاً: الانخراط الفرنسي بأزمات أفريقيا: حماية المصالح بغطاء محاربة الإرهاب

المساهمون