"الهوية التركية" في قلب الصراع الانتخابي

11 مايو 2015
اتهمت "الحركة القومية" أردوغان بـ"تقسيم البلاد" (الأناضول)
+ الخط -
ككل انتخابات تركية، يعود الصراع على الهوية مرة أخرى إلى داخل المجتمع التركي، ليُقسم بين معسكر المحافظين الليبراليين والقوميين ممثلاً بحزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" وبين معسكر اليساريين القوميين ممثلاً بحزبي "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، الجناح السياسي لـ"العمال" الكردستاني، على الرغم من محاولات المعارضة المتكررة الابتعاد عن هذا الصراع.

ويدور الصراع في قلب كل معسكر، وهو الأهم في هذه الانتخابات، ثم تحصل بعض الصراعات التي تكاد تكون محسومة بين المعسكرين، إذ لا يتوقع أحد، بل لم يعمل أي من الطرفين على تحقيق اختراقات كبيرة في صفوف أنصار المعسكر الآخر.

وفي إطار سعيه لضمان أغلبية برلمانية تتيح له تمرير دستور جديد يُفضي للتحوّل إلى النظام الرئاسي، بدا "العدالة والتنمية" قلقاً من إمكانية رفع "الحركة القومية" نسبة أصواته على حسابه، بسبب الخرق الذي حققته القضية الكردية في نهاية شباط/ فبراير الماضي، في المؤتمر الصحافي المشترك بين الحكومة و"الشعوب الديمقراطي".

حينها تضمّن بيان "الشعوب الديمقراطي" عشر نقاط، يعتبرها زعيم "العمال"، عبد الله أوجلان، خارطة طريق لعملية التفاوض، ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الانقلاب على العملية برمتها، متخذاً مواقف أكثر قومية، بدت قريبة من مواقف "الحركة القومية"، التي اتهمته بـ"العمل على تقسيم تركيا". غير أن أردوغان وحزبه أكدا على "وجود مشكلة كردية كباقي مشاكل المجتمع التركي، لا قضية كردية كما يريدها أوجلان". وترجم الرئيس التركي موقفه برفض المؤتمر الصحافي المشترك ولجنة المتابعة.

وللمرة الأولى في التاريخ التركي، يكسر رئيس الجمهورية الموقف السياسي الحيادي، الذي ألزمه به الدستور، ويبدأ المشاركة بالحملة الانتخابية لـ"العدالة والتنمية". ويحاول أردوغان بخبرته السياسية جذب أصوات الناخبين المحافظين الأتراك، ممّن مالوا لـ"الحركة القومية" من جهة، وألا يخسر أصوات الناخبين الأكراد المتدينين من جهة أخرى.

ويسعى أردوغان في سبيل ذلك إلى التوفيق بين موقفه القومي المعادي لـ"القضية الكردية" والمساند لـ"المشكلة الكردية"، وأكد في خطبته في ولاية باتمان، ذات الأغلبية الكردية، حاملاً بيده قرآناً ترجمته إدارة الشؤون التركية حديثاً إلى الكردية، قائلاً: "لا يوجد في تركيا قضية كردية، إنهم مواطنون أتراك لديهم مشاكل، وعلى الجميع العمل على حلّها. علينا أن نتقبّل هذه الحقيقة".

اقرأ أيضاً: "القضية الكرديّة" الغائب الأكبر في الانتخابات التركية

وفي الوقت الذي لم يتعرّض به لـ"الحركة القومية"، يشنّ "العدالة والتنمية" هجوماً عنيفاً على كل من حزب "الشعوب الديمقراطي" وحزب "الشعب الجمهوري"، بوضعهما في الخانة نفسها من حيث الذهنية الإقصائية، التي تميّز بها الأخير خلال فترة حكم الحزب، بما رافقها من مجازر ارتُكبت بحق الأكراد والعلويين.

ولفت أردوغان إلى أنه "ما زلنا نواجه عقلية الحزب الواحد، أحدهما مدعوم من قبل المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني)، فقبل 70 عاماً فرضوا الأذان باللغة التركية، والآن يريدون فرضه باللغة الكردية. قبل 70 عاماً كانوا يقولون بأن الكعبة للعرب وكعبتنا هي القصر الرئاسي في جناكالة. إنهم ينطلقون من العقلية الفاشية ذاتها"، في إشارة إلى تأكيد صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشارك لـ"الشعوب الديمقراطي"، بأن "كعبة العمال هي ميدان تقسيم"، في إطار اعتراضه على إغلاق الميدان لاحتفالات عيد العمال.

يبدو أن حزب "الحركة القومية" تنبّه لاستراتيجية "العدالة والتنمية"، وفي أول احتفالاته الشعبية التي عقدها في مدينة جانكِرة بعد إعلانه برنامجه الانتخابي، يوم الأحد، الذي ركز على الجانب الاقتصادي ومعارضة عملية السلام، شنّ زعيم الحزب، دولت بهجلي، هجوماً عنيفاً على "العدالة والتنمية".

واتهم بهجلي الحزب الحاكم بقضايا الفساد التي حصلت في العام 2013، ووصف محاولاته الانتخابية بـ"تسوّل الأصوات لتحقيق حلم النظام الرئاسي"، قائلاً إن "أردوغان ما زال يعمل لأجل تمرير النظام الرئاسي، عبر طرق غير قانونية". واعتبر أنه "يحطّم التوازن الدستوري والعمل كأنه رئيس وزراء مشارك".

وفي الوقت الذي تشير فيه معظم استطلاعات الرأي إلى أن "العدالة والتنمية" سيحوز على أغلبية مريحة لتشكيل الحكومة المقبلة، ما زال التنافس على أشدّه في المعسكر القومي اليساري، بين قطبيه "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، على حيازة أصوات العلمانيين واليسار والعلويين، وذلك في إطار سعي الأخير إلى تجاوز عتبة العشرة في المائة الانتخابية.

وانعكس هذا التوتر الانتخابي على الشارع التركي، إذ تعرّض مقرّ "الشعوب الديمقراطي" في ولاية ريزة، على البحر الأسود، لهجوم من قبل شبيبة "الحركة القومية"، الذين احتجوا أيضاً على فتح مكتب انتخابي لـ"الشعوب الديمقراطي" في مدينة بورصة، في اليوم ذاته الذي احتجزت فيه الشرطة التركية عدداً من أعضاء "الشعوب الديمقراطي" في مدينة وان، شرقي البلاد، بعد هجومهم على عدد من قيادات "العدالة والتنمية" في المدينة أثناء ترويجهم لبرنامجهم الانتخابي.

اقرأ أيضاً تركيا: صراع الانتخابات يصيب رئاسة "الشؤون الدينية"
المساهمون