واشنطن تتّجه لمفاوضة الأسد... والنظام السوري يقابلها بمجزرة جديدة

15 مارس 2015
كيري دعا قبل أسبوع للضغط على الأسد (فرانس برس)
+ الخط -

اختارت الإدارة الأميركية توقيتاً من غير المعروف ما إذا كان مقصوداً لإعلانها، رسمياً، ما يتم التداول به إعلامياً منذ فترة حيال الملف السوري، عن قرب فتح مفاوضات مع نظام الرئيس بشار الأسد. في يوم الثورة السورية، أي أمس الأحد 15 مارس/آذار تحديداً، قرر وزير الخارجية الأميركية جون كيري إخراج نوايا إدارته إلى العلن، معلناً أن واشنطن "ستضطر للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد بشأن انتقال سياسي في سورية". وقال كيري، في مقابلة مع قناة "سي بي إس نيوز"، إن إدارته "تبحث سبل الضغط على الأسد لقبول المحادثات". وتفادى كيري، في المقابلة، تكرار الموقف الأميركي اللفظي عن أن "الأسد فقد كل شرعية له وعليه أن يرحل".

وقال رئيس الدبلوماسية الأميركية: "علينا أن نتفاوض في النهاية. كنا دائماً مستعدين للتفاوض في إطار عملية جنيف 1" 2012. وشدد على أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى لم يذكرها بالاسم، "تبحث سبل إعادة إطلاق العملية الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سورية". أكثر من ذلك، بدا كيري كمن يتمنى موافقة الأسد على التفاوض، فقال حرفياً: ما نحاول الدفع من أجله هو جعله (الأسد) يأتي ويفعل هذا؛ وقد يتطلب هذا زيادة الضغط عليه بشتى الأشكال حتى يفعل هذا. وتابع: "أوضحنا جيداً أننا نبحث زيادة الخطوات التي يمكن أن تساعد في تحقيق هذا الضغط". وخلص المسؤول الأميركي إلى أنه "لحمل نظام الأسد على التفاوض، يجب أن نوضح له أن هناك عزماً من الجميع على السعي إلى هذه النتيجة السياسية وتغيير حساباته بشأن التفاوض. يجري العمل في هذا الصدد الآن، وأنا مقتنع بأن الضغط سيتزايد على الأسد بجهود حلفائنا وجهود آخرين".

كلام كيري جاء كتتويج لمسلسل تصريحات وإعلانات بدأت قبل أيام على لسان مدير الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جون برينان، الذي تحدث صراحة عن عدم وجود مصلحة أميركية في سقوط "الحكومة (يقصد فيها النظام) السورية ومؤسساتها"؛ على اعتبار أن التنظيمات الإسلامية الجهادية ستحل مكان هذه المؤسسات على حد تعبيره. كلام مشابه تم تسريبه لوسائل إعلام أخيراً من باريس، على هامش الإعلان عن انتهاء مبادرة المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا، القاضية بتجميد "القتال" في حلب، ومفاد التسريبات الفرنسية بأن تنحّي الأسد لم يعد شرطاً فرنسياً مسبقاً لاستئناف المفاوضات السياسية. ولم يكن كلام كيري الأخير، بالنسبة لكثيرين، سوى تأكيد للمؤكد، أي زيف ما سبق للرجل أن قاله، قبل أسبوع واحد في الرياض، عن "الحاجة لممارسة ضغط عسكري" على نظام الأسد لإسقاطه.

وعلى الفور، بدا كأن النظام السوري تلقّف رسائل التقارب الدولي، فارتكبت مقاتلاته مجزرة جديدة في دوما، التي يحلو للبعض تسميتها "ستالينغراد الثورة السورية". وتعرّضت الأحياء السكنية في دوما، أكبر المدن التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية في غوطة دمشق، منذ صباح أمس الأحد، في الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة، لحملة قصف بالصواريخ الفراغية، ما أدى إلى مقتل حوالي عشرين شخصاً وتدمير أجزاء كبيرة من وسط المدينة، وفي إحدى مدارسها وفي مزارع الشيفونية القريبة ومساجدها والأبنية السكنية، ودفن العشرات من سكان هذه الأحياء تحت أنقاض بيوتهم. ونشر نشطاء حقوقيون محليون قائمة بأسماء عشرين مدنياً، بينهم نساء وأطفال، كحصيلة أوليّة لضحايا المجزرة الجديدة.

اقرأ ايضاً: إيران في سورية: من حليف إلى داعم... فحاكِم

التوجه الغربي الجديد ــ القديم إزاء نظام الأسد، والتطبيع مع بقائه تحت شعار توحيد الجهود لمحاربة التنظيمات الجهادية التي باتت تختصر وحدها المشكلة في سورية بالنسبة لـ "المجتمع الدولي"، تتردد أصداؤه لدى "الائتلاف الوطني" المعارض الذي أطلق رئيسه خالد خوجة تصريحات جديدة خلال وجوده في باريس أخيراً، مشيراً إلى انفتاح أكبر على قوى الداخل و"هيئة التنسيق" تحديداً، التي تعزف منذ البداية عن وضع رحيل الأسد كشرط للحل، ليتبنّى خوجة صراحة كلاماً يوحي بدوره أن هذا "ليس شرطاً مسبقاً، لكنه نتيجة طبيعية لأية مفاوضات سياسية" حسب قوله.

كلام خوجة جاء ما هو أوضح منه على لسان عضو الائتلاف المقيم في القاهرة، بسام الملك، الذي قال يوم السبت إن "مؤتمر القاهرة المقبل سيدرس نقطتين مهمتين تتعلقان بحل توافقي قد يقبلهما النظام السوري، لطرحهما في الحوار مع النظام في موسكو؛ وهما بقاء الأسد لمدة عامين، مع وجود هيئة حكم انتقالية تدير شؤون الدولة، على أن تتم الدعوة بعد هذين العامين إلى انتخابات رئاسية مبكرة، والاتفاق على أن تحكم سورية خلال هذه الفترة بإعلان دستوري انتقالي أو العودة لدستور 1950". وأضاف الملك أن "مؤتمر الحوار الثاني بين المعارضة السورية والنظام، الذي تستضيفه موسكو في أبريل/نيسان المقبل، سيعقد في الغالب بعد المؤتمر الثاني للمعارضة الذي تستضيفه القاهرة الشهر ذاته، وفق السيناريو الذي حدث سابقاً".

لكن عضو الائتلاف رياض الحسن، اعتبر في تصريح لـ "العربي الجديد" أن كل ما صدر حتى الآن من تصريحات عن أعضاء في "الائتلاف" بشأن شروط التسوية السياسية هي اجتهادات شخصية، مشدداً على أن الموقف الرسمي للائتلاف أُقر خلال اجتماعه الأخير في الوثيقة السياسية، "وأي موقف جديد ستتم مناقشته خلال اجتماع الائتلاف الدوري" الذي يبدأ في 18 الشهر الحالي ويستمر حتى 22 منه، وهي اجتماعات ستناقش أيضاً التفاهمات التي تمت مع هيئة التنسيق في باريس الشهر الماضي.

ورأى الحسن أن ما يثار حالياً عن تغيير في مواقف الائتلاف بشأن بقاء رئيس النظام بشار الأسد، لا يخرج عن نطاق التداول الإعلامي، الذي يعبر عن اجتهادات شخصية، وليس عن رؤية الائتلاف السياسية. وأوضح أن المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا سيعود قريباً إلى الأمم المتحدة، ويعلن على الأرجح من هناك فشل مبادرته الخاصة بتجميد القتال في حلب، ما يعني أنه سيكون على المجتمع الدولي البحث عن "صيغ جديدة للحل تتوافق مع المستجدات". لكنه أعرب عن تشاؤمه بإمكانية حدوث تحرك دولي جدي خلال المرحلة المقبلة؛ "لأن القضية السورية لا تزال بعيدة عن صدارة الأجندة الدولية" على حد تعبيره. ولفت الحسن إلى أن هذه القضايا كانت محل نقاش بين وفد من الائتلاف ورئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو يوم الجمعة الماضي، حيث أكد داود أوغلو "استمرار وقوف تركيا إلى جانب الشعب السوري، وتمسكها بإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لتوفير ملاذ آمن للاجئين السوريين والمعارضة السورية".

المساهمون