محمد توفيق الأسد... "شيخ الشبيحة" يحوّله النظام السوري "شهيداً"

15 مارس 2015
محمد الأسد من أبرز قادة مافيات التهريب (فرانس برس)
+ الخط -

تعددّت الروايات والسيناريوهات حيال رجل التهريب الأول في مدينة القرداحة في ريف اللاذقية، وأحد أبناء عم الرئيس السوري بشار الأسد، محمد توفيق الأسد، إلا أن النتيجة بقيت واحدة، وتجسّدت في مقتل الرجل الذي تجاوز الخمسين من العمر، والملقب بـ"شيخ الجبل".

ومن الواضح أن النظام السوري التزم سياسة الصمت المطبق عبر وسائل الإعلام الرسمية، في حين عمدت المواقع المقربة منه إلى الترويج أن "شيخ الجبل" قد قُتل في المعارك الأخيرة ضد قوات المعارضة السورية في منطقة دورين بريف اللاذقية، كما تجلى ذلك عبر الصور التي تُظهر ورقة نعي محمد توفيق الأسد، والتي تقول إن "الشهيد قضى وهو يؤدي واجبه الوطني يوم الجمعة".

ويبدو أن النظام السوري حاول تسويق عائلة الأسد على أنها في محور المقاومة والممانعة وعلى رأس الجبهات، لدحض ما شاع من أن فقراء الطائفة العلوية وحدهم من يدفع ثمن زجهم في المعارك التي تجري في طول البلاد وعرضها. لكن تلك السياسة تبدو مغايرة تماماً للواقع، لأن المعروف والمتداول عن محمد الأسد ظهوره في أواخر الثمانينيات، عندما هاجر رفعت الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، إلى فرنسا، وترك "سرايا الدفاع والصاعقة"، الوحدة العسكرية التي كان يقودها، حينها سطع نجم محمد الأسد كرجل عصابة وتهريب، بعدما جمع كل رجال رفعت الأسد وضمهم إلى جانبه، وأطلق على نفسه لقب "شيخ الجبل".

ويُعرف محمد الأسد بأنه أحد أبرز قادة التهريب في سورية، خصوصاً في مجال الدخان والمخدرات، ويُتهم بقضايا عديدة، منها الاغتصاب والسرقة والاعتداء على ممتلكات أهالي اللاذقية، وقد كان له دور بارز بداية الثورة السورية في قمع التظاهرات، وفي عملات التشبيح ضد المتظاهرين، ويتهمه العديد من أهالي اللاذقية بارتكاب مجازر أودت بحياة أبرياء.

ويروي الناشط الإعلامي زياد الصوفي، الذي يعرف كواليس عائلة الأسد في هذه المرحلة، قصة فتاة في ريعان شبابها تُدعى هلا عاقل، كانت تدرس في مدرسة الثورة في منطقة الزراعة في مدينة اللاذقية، عندما أُعجب بها محمد توفيق الأسد. ولكن نتيجة رفض الفتاة له، قام بخطفها لحظة عودتها من المدرسة، واتصل بأهلها، ليُسمعهم صوت الفتاة لحظة اغتصابها من قِبل شبيحته، إلى حين سماع صوت جارتهم أم اسماعيل، وهي تصرخ، بعدما وجدت الفتاة جثة هامدة أمام مدخل باب البناء الخارجي.

استمر محمد الأسد في عمله في تهريب الآثار والدخان والصيد البحري غير المشروع (باستعمال الديناميت) ومطاردة الفتيات وغيرها من الأعمال الممنوعة، إلى حين تولي الرئيس السوري الحالي بشار الأسد السلطة، عندها عقد الرئيس السوري اجتماعاً مع أبناء عمومته من بيت الأسد، وأخبرهم رغبته في إنهاء الفوضى الدائرة، وسجن "شيخ الجبل" لفترة، قبل أن يطلق سراحه من جديد، بحسب ما تروي مصادر من الطائفة العلوية الموالية للنظام لـ"العربي الجديد".

وتؤكد المصادر ذاتها، والتي اشترطت عدم ذكر اسمها، بأن "الجميع، كان يخشى محمد الأسد لحظة مروره من منطقة الزراعة التي يتواجد فيها بكثرة، لأنه كان يُرعب الجميع".

وفي هذا السياق، يؤكد الناشط الإعلامي والحقوقي عروة السوسي لـ"العربي الجديد"، أن "محمد الأسد كان حريصاً على إظهار نفسه بالإنسان المثقف، إذ كان يكتب بشكل دوري في جريدة الوحدة، التي تصدر في اللاذقية، كما كان يُقدّم نفسه على أنه راعٍ للرياضة، وكان يدعم فريق جبلة لكرة القدم، ويهدد الفريق الخصم من مغبة الانتصار عليه".

وتسرد شخصيات معارضة قصة "حدثت في أوائل التسعينيات، أثناء مباراة بين الاتحاد وجبلة، عندما تم تفتيش كل من يدخل إلى الملعب بشكل غير معهود، حيث كان الملعب حينها شبه خالٍ من الجماهير، ولدى السؤال عما يجري، قيل إن شيخ الجبل مع فريق جبلة، وعند انتهاء المباراة كان استعراض القوة واضحاً، إذ تم إرهاب الجماهير القليلة التي تشاهد المباراة، لأن السيارات السوداء كانت تمشي بهدوء، والأبواب مفتوحة على مصراعيها، بينما يقف عند مدخل كل باب شبيح يرتدي اللباس الأسود والرشاش بيده، وكانت هذه أول مرة يُرى فيها محمد الأسد".

ويضيف الصحافي المتحدر من مدينة جبلة، أنه "في بداية الثورة السورية، كان يقف مع أحد المحامين من الطائفة العلوية، وعند رؤيتهم لسيارة سوداء من طراز "فان"، متجهة إلى الجنوب، (إما إلى مدينة بانياس أو منطقة عرب الملك)، أخبره هذا الصديق، أن هذه السيارة تابعة لمحمد الأسد، وكان يعمل معه في تهريب السلاح والدخان من العراق"، مؤكداً أنه "كان يستغل الفوضى في سورية، لتهريب السلاح".

الأسد لم يُقتل في دورين

على أن جميع الروايات تستبعد مقتل محمد الأسد في معركة الساحل، إذ يؤكد محمد باجيكو، قائد العاديات التابعة لـ"الفرقة الساحلية الأولى"، والذي كان أحد قادة المعارك في منطقة دروين، أن "محمد الأسد لم يكن موجوداً في المعركة"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن النظام يحاول "تصوير محمد الأسد على أنه شخصية بطولية قُتلت في معارك دورين الأخيرة، بينما هو قد قُتل نتيجة خلاف شخصي مع عائلتي بيت شاهين وسلهب بعد صراع على قطعة أثرية نادرة".

أما الصحافي سليم العمر، فيرجّح في حديث مع "العربي الجديد"، مقتل "شيخ الجبل على يد إيران، لأنه الشخصية الأولى التي تتمتع بنفوذ كبير في الساحل السوري، وبعد سيطرة إيران على مراكز القرار داخل النظام السوري، باتت تخشى من هذه الشخصية التي قد لا تلتزم بالأوامر المكلف بها عناصرها في الساحل السوري من طهران".

وربما تدعم رواية العمر تفجير السيارة المفخخة قبل نحو شهر في مدينة القرداحة للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية منتصف مارس/آذار 2011 والتي أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم عضو مجلس محافظة اللاذقية سامي نعمة وقياديان عسكريان، إضافة إلى إصابة عدد آخر.

وعلى الرغم من عدم استبعاد الموت الطبيعي أو الفجائي بحسب مصادر عديدة تواصلت معها "العربي الجديد"، إلا أن رواية المرصد السوري لحقوق الإنسان تصر على وجود خلافات شخصية بين أبناء الطائفة الواحد، وتؤكد أنه "تلقى عدة طلقات نارية في الرأس أثناء إشكال مع أحد الشخصيات النافذة في منطقة القرداحة".

وتأتي هذه الحادثة، بعد نحو عام على مقتل قائد قوات الدفاع الوطني، وأحد أشهر رجال عائلة الأسد، هلال الأسد في معركة "الأنفال" ضد المعارضة السورية في 23 مارس/آذار في مدينة كسب.

المساهمون