"النصرة" تهدّد سياسة التحالف الدولي في سورية

27 فبراير 2015
تخوّف من قيام "النصرة" بعمليات في أوروبا (فرانس برس)
+ الخط -
بدأت تصريحات بعض المسؤولين الأتراك، بعد عمليات "فرات شاه" في الأراضي السورية والتي نجحت بإخلاء الضريح، بما يمكن اعتباره كشف لبعض تفاصيل الاتفاق الذي وقّع بين أنقرة وواشنطن حول تدريب وتسليح قوات المعارضة السورية المعتدلة، إذ أشار وزير شؤون الاتحاد الاوروبي التركي، فولكان بوزكير، بأن فتح قاعدة إنجرليك التركية لطائرات التحالف لشن ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مرهون بنتائج برنامج تدريب قوات المعارضة المعتدلة.
وأكد بوزكير، للصحفيين الذين رافقوه في زيارته لفنلندا يوم الأربعاء الماضي، بأن استخدام قاعدة إنجرليك وإقامة منطقة آمنة للاجئين داخل الأراضي السورية ومنطقة حظر طيران يعتمد على نتائج برنامج التدريب، فيما بدا إشارة إلى نجاح القوات المدربة بالسيطرة على الأرض.

وفي الوقت الذي لايزال التركيز فيه على تنظيم "داعش"، تغيب جبهة النصرة عن الأضواء تماماً على الرغم من أنها بدأت بتشكيل خطر حقيقي على سياسة التحالف الدولي في تدريب ودعم قوات المعارضة السورية "المعتدلة"، فالجبهة لا تخفي عداءها وتخوّفها الواضح من الجيش السوري الحر، بل إنها تتّبع سياسة ممنهجة منذ إعلان التحالف الدولي، للقضاء على الفصائل الموالية للتحالف.
وتسيطر جبهة النصرة على معظم ريف إدلب وتتشارك السيطرة على مناطق جبل التركمان مع كل من أحرار الشام (السلفية) وكتائب تابعة للجيش الحر من المنسحبين من مدينة حمص، وأيضا على مناطق من ريف دمشق ودرعا.

وبعد سيطرة الجبهة على معسكري وادي الضيف والحامدية في ريف إدلب من قوات النظام السوري في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، باستخدام الدبابات والأسلحة التي اغتنمتها في وقت سابق من "جبهة ثوار سورية"، بدأت بعملية أخرى نهاية الشهر الماضي، ضد الجيش الحر ممثلاً بحركة "حزم" (التي تلقت تدريباً عسكرياً على يد قوات التحالف)، في كل من جبل الزاوية ومدينة الأتارب في إدلب ومناطق سيطرة الحركة في غرب حلب.

وانتهت العملية بسيطرة "النصرة" على معظم مقار "حزم" التي لم تنجُ إلا بحماية "الجبهة الشامية" لها، لتهاجم "النصرة" في وقت لاحق الفرقة 16 التابعة للجيش الحر في مدنية حلب وتعتقل 11 مقاتلاً تابعاً لها، في خرق واضح للهدنة التي وُقّعت بين الطرفين منذ شهرين.

"جبهة النصرة" التي تسيطر على معظم ريف إدلب وتتشارك السيطرة على مناطق جبل التركمان مع كل من "أحرار الشام" وكتائب تابعة للجيش الحر من المنسحبين من مدينة حمص، وأيضاً على مناطق من ريف دمشق ودرعا، اقتحمت الأسبوع الماضي، مقار اللواء السابع المنضم للجيش الحر في قرية لاروز في إدلب، واستولت على مستودعات السلاح التابعة للواء الذي يُعتبر أحد الألوية المنشقة عن الفرقة 101 مشاة التي كانت تابعة للجيش السوري، ويبلغ تعداد مقاتليه ما يقارب 600 مقاتل.

وبدت فصائل المعارضة "المعتدلة" التي يعمل التحالف على تدريبها، ضعيفة جداً في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"النصرة" في الفترة الأخيرة، مما دفع السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد إلى التعبير عن معارضته لإرسال المزيد من السلاح إلى تلك الفصائل، ما دام معظمها لا يزال يتعاون مع "النصرة".

وفي الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأميركية مترددة في ما يخص دعم فصائل المعارضة السورية المعتدلة لضرب النظام السوري، كان فورد من أشد المتحمّسين لذلك حتى قبل ستة أشهر، عندما كتب مقالاً في مجلة "فورن بوليسي" الأميركية استهله بالقول: "لا تصدقوا كل ما تقرأوه في الإعلام، لم يتم القضاء بعد على المعارضة المعتدلة في سورية، لقد سيطروا على مناطق مختلفة من البلاد، متنكرين بشكل علني لكل صلاتهم مع كل من جبهة النصرة وداعش".

فورد الذي استقال العام السابق، تعبيراً عن غضبه من قرار واشنطن تحويل العلاقة مع المعارضة السورية إلى وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي أي إي) عبر مكتبها في مدينة غازي عنتاب التركية، بقي على وصفه لسياسة واشنطن في سورية بالفشل الذريع، لكنه اتخذ موقفاً معاكساً تماماً لآرائه السابقة في ما يخص تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة، وحذر في مقابلة أجرتها معه صحيفة "ماك كلاتشي دي سي" الأميركية، من خطر "النصرة"، قائلاً: "من دون وجود قيادة مركزية قوية للمعارضة، ومن دون توافق اللاعبين الإقليميين على أن النصرة التابعة للقاعدة هي عدو، فإنه لا يوجد أمام الكتائب المعتدلة من المعارضة سوى فرصة قليلة لكي تصبح قوة نافذة، سواء ضد (الرئيس السوري بشار) الأسد أو المتطرفين".

وأشار إلى ضعف هذه القوى المعتدلة التي تبدو "غير قادرة على القيام بأي عملية هجومية واسعة، وفي هذه المرحلة يقاتلون فقط للدفاع عن أنفسهم".

اقرأ أيضاً: تركيا تتوغل داخل سورية: "سليمان شاه" بروفا لعمليات مقبلة؟

في غضون ذلك، لا يقتصر خطر "جبهة النصرة" على استراتيجية التحالف الدولي في سورية، ولكن يمتد أيضاً إلى أمن دول الجوار كتركيا والاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن الجبهة بعد سيطرتها على جزء من إدلب وريف حلب الغربي، أصبحت مثل تنظيم "داعش" على تماسٍ مباشر مع جزء من الحدود التركية، إضافة إلى الحدود الأردنية واللبنانية.

وكانت صحف تركية عديدة قد نشرت، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، تقارير تتحدث عن إصدار الاستخبارات التركية مذكرة تحذر من هجمات محتملة لتنظيم "داعش" في الأراضي التركية، تمّ تعميمها على مختلف الأجهزة الأمنية في البلاد.

وبحسب المذكرة، فإن عناصر "داعش" دخلوا تركيا بعد أن انسحبوا من مدينة عين العرب السورية بعد المعارك التي جرت بينهم وبين "قوات الحماية الشعبية" التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، وبعض كتائب الجيش الحر تحت تأثير الضربات الجوية العنيفة للتحالف.

وحذرت الاستخبارات التركية من أنها لاحظت خلال الشهر الحالي نقصاً في أعداد قوات التنظيم يُقدر بثلاثة آلاف مقاتل من أولئك الذين كانوا يشاركون في المعارك في كل من سورية والعراق، ومن المحتمل أنهم استطاعوا العبور نحو المدن التركية الحدودية كهاتاي وأضنة وأيضاً المدن التركية الكبيرة كالعاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول.

وبحسب المذكرة، فإن هذه العناصر قد تعمل على توجيه ضربات للسفارات والقنصليات الأجنبية التابعة لدول "التحالف الذي ترأسه الإدارة الأميركية ضد التنظيم" في كل من العاصمة أنقرة وإسطنبول، سواء بعبوات مفخخة أو بهجمات انتحارية. وأكثر من هذا، أشارت المذكرة إلى أن عدداً من المقاتلين في صفوف التنظيم الذين تراوح أعمارهم بين 17 و25 عاماً من السوريين والفلسطينيين، سيحاولون اتّباع الطريق الذي يسلكه اللاجئون السوريون غير الشرعيين نحو الدول الأوروبية الكبيرة المشاركة في التحالف عبر بلغاريا لتنفيذ هجمات انتحارية أو زرع عبوات ناسفة تستهدف السفارات والقنصليات الموجودة في تلك الدول، لتؤكد المذكرة صعوبة تحديد هوية جميع هؤلاء العناصر التابعين للتنظيم والأماكن التي سيستخدمونها للتخفي.

تأتي هذه المذكرة على الرغم من الاستراتيجية الأمنية التي تتّبعها أنقرة لضبط الحدود، لكن من جهة أخرى، وبغض النظر عن مدى مصداقيتها، فإن تم تطبيق سيناريو "داعش" الموجود في مذكرة الاستخبارات التركية على "النصرة"، فهذا يعني بأن أي هجوم مستقبلي على "النصرة" تنفيذاً لاستراتيجية التحالف الدولي والجيش الحر من دون تنسيق جيد، قد يدفعها إلى الانتقام عبر تنفيذ عمليات ضمن تركيا وحتى العبور نحو أوروبا لضرب التحالف في عقر داره.

كما أن السيناريو المرسوم في المذكرة، يوضح مدى خطر "داعش" و"النصرة" من جهة، ومدى قصور استراتيجية التحالف حتى الآن التي ما زالت تعتمد على توجيه ضربات عسكرية لـ "داعش" فقط لا غير، بحسب ما تركز عليه المذكرة.

وتختلف التقديرات لأعداد مقاتلي "داعش"، وبحسب البنتاغون فإن أعداد مقاتلي التنظيم تراوح بين 20 ألفاً، و31 ألفاً و500 مقاتل، فيما قدّرهم المرصد السوري لحقوق الإنسان بخمسين ألف مقاتل، ليرتفع العدد إلى مائتي ألف مع رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان فؤاد حسين.

وإذا تم إهمال أعداد مقاتلي "النصرة" واعتماد التقديرات الأقل لمقاتلي "داعش" التي أعلنها البنتاغون، فإن أي هجوم عسكري مهما كانت قوته لن يستطيع قتل 31 ألف مقاتل، وبالتالي قد ينجح الكثير منهم في تجاوز الحدود نحو دول الجوار، بالأخص تركيا، مستغلين كثافة اللاجئين السوريين، وستجد تركيا نفسها فجأة أمام ثلاثة إلى أربعة آلاف مقاتل مدرّبين وذوي خبرة قادرين على توجيه ضربات قاسية داخل تركيا وفي الاتحاد الأوروبي.

المساهمون