الجزائر: صراع العسكر والرئاسة إلى العلن

06 ديسمبر 2015
الصراع يخرج إلى العلن للمرة الأولى (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
في سابقة هي الأولى من نوعها، خرج القائد السابق لجهاز الاستخبارات الجزائرية الجنرال محمد مدين، على وسائل الإعلام الجزائرية. تواصل يعدّ أكثر أهمية من مضمونه، إذ إنه في حدّ ذاته حدث بالنسبة لوسائل الإعلام، التي لم تكن تحظى قبل أشهر بفرصة الحصول على صور للرجل، فكيف بنقل كلماته مباشرة. 

اقرأ أيضاً: جنرالات الجزائر في قبضة القضاء: تصفية حسابات سياسية؟

خرج مدين الذي يلقب بالجنرال توفيق إلى وسائل الإعلام، وأخرج معه الصراع بين الرئاسة وجهاز الاستخبارات في الجزائر إلى العلن، بعدما كانت المواجهة بين دوائر الحكم تجري من خلف الستار. وجاء هذا الخروج على شكل بيان إلى وسائل الإعلام، وُصف بأنّه رسالة تحدّ للسلطة والقضاء العسكري.
وفي رسالة مكتوبة وجهها إلى الصحافة الجزائرية، قدّم الجنرال توفيق شهادة لصالح القائد السابق لقسم مكافحة الإرهاب الجنرال عبد القادر آيت وعرابي المدعو حسان، الذي أدانته محكمة عسكرية بالسجن لمدّة خمس سنوات بتهمة مخالفة تعليمات عسكرية وإتلاف وثائق عسكرية. وعبر الفريق محمد مدين في رسالته عن صدمته من الحكم الصادر ضد الجنرال حسان، ودعا إلى رفع ما اعتبره "ظلماً في حق الجنرال حسان" الذي كان برأي قائد جهاز الاستخبارات السابق "الضابط الذي خدم بلده بشغف وقدم تقارير وافية، وفي وقتها المناسب حول الاعتداء الإرهابي الذي شهدته المنشأة النفطية تيقنتورين بالجنوب الجزائري في يناير/كانون الثاني 2013". كما كشف بأنه "هنأه على تعامله مع ذلك الهجوم الإرهابي".

وشدد رئيس الاستخبارات الجزائرية السابق على أن "الجنرال حسان المظلوم ضمن أمن المواطنين الجزائريين ومؤسسات الجمهورية الجزائرية"، وأنه "لا يمكن التشكيك في إخلاص وصدق الجنرال حسان"، الذي اعتقل في أغسطس/آب الماضي وحكمت عليه قبل أسبوع محكمة وهران العسكرية غربي الجزائر بالسجن لمدة خمس سنوات، ووجهت له تهماً تتصل بمخالفة تعليمات عسكرية، وإتلاف وثائق عسكرية.

ووضعت التحاليل السياسية رسالة الجنرال توفيق، في سياق استمرار الصراع بين جهاز الاستخبارات ومؤسسة الرئاسة، الذي بدأ منذ أبريل/نيسان 2013، خلال إصابة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بوعكة صحية ألمت به وأجبرته على البقاء 81 يوماً في فرنسا. وعندها بدأ جهاز الاستخبارات بالتفكير في الآليات الدستورية لاستخلاف بوتفليقة.
وصنف المراقبون الرسالة في خانة تحدي قائد جهاز الاستخبارات السابق للقضاء العسكري، خصوصاً أنه أعلن صراحة في الرسالة أن الجنرال المدان كان يعمل تحت سلطته وأنجز كل مهامه بجدية، ما يضع الجنرال توفيق في موضع التهم نفسها التي وجهت إلى الجنرال حسان، باعتبار أن الأخير كان يتلقى أوامره من مسؤوله المباشر الجنرال توفيق.


لكن متابعين للشأن السياسي في الجزائر رأوا أن أطرافاً في السلطة قد تكون بصدد استدراج القائد السابق لجهاز الاستخبارات، تمهيداً لتقديمه كآخر قربان في معركة كسر العظم في سرايا الحكم في الجزائر. فيما اعتبر آخرون أن رسالة الجنرال توفيق إعلان جدي من قبله عن نهايته. وقال المحلل السياسي حميد غمراسة في هذا الإطار، إن "الرسالة محاولة أخيرة من الجنرال توفيق لحماية رجاله الذين عمل معهم في الجهاز، لكنها في الوقت نفسه إشارة الى الأطراف التي لا تزال تعلق عليه الأمل، إلى أنه انتهى فعلياً من المشهد".
بدوره، قال الناشط السياسي والحقوقي هواري قدور، إن "رسالة الجنرال تعني أن العسكر صاروا الآن خارج اللعبة، والرسالة تعني اعترافا بنهاية مرحلة وبداية مرحلة تبديل الأدوار بين العسكر والإقطاعيين. الآن اللعبة السياسية تُدار من قبل أصحاب المال والإقطاعيين الجدد، وأقصد مافيا المال".

فيما رأى النشاط السياسي رضوان عطاء الله أن "البيان ليس لعبة أطفال، وليس رسالة عاطفية تجاه صديق، وليس رسالة مواساة، بقدر ما هو إخراج الصراع الى العلن".
 لم ينته صراع الجبابرة في الجزائر، والأيام المقبلة ستشهد تفاعلات سياسية كبيرة في ظل ظروف سياسية واقتصادية خانقة تشهدها البلاد بفعل غموض الوضع في أعلى هرم السلطة، فضلاً عن التداعيات الكبيرة للأزمة النفطية.

اقرأ أيضاًالجزائر المأزومة.. حكومة ثرية وشعب فقير
المساهمون