القرار الدولي حول سورية...نسف الثقة بالحل السياسي وتغذية التطرف

21 ديسمبر 2015
يدفع المدنيون السوريون ثمن التواطؤ الغربي (زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
أغلب الظن أن السجال حول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 حول سورية، سيطول، ومعه ستطول لائحة أصحاب الرأي الذي يفيد بأن القرار يترجم التنازل الغربي لروسيا، وتكريس ترك الشعب السوري أمام آلة قتل عالمية تساند جرائم النظام، من سورية إلى إيران والمليشيات التابعة لها. الأخطر بحسب إجماع كثيرين، أن القرار، بما أنه يبتعد تماماً عن جوهر وسبب الموضوع، أي مصير الرئيس بشار الأسد، فهو قد يدفع من ظلّ متمسكاً بخيار الحل السياسي للملف السوري، إلى اليأس الكامل من هكذا احتمال، بالتالي اللجوء إلى المزيد من العنف الذي يرجح ألا يصبّ إلا في مصلحة تنظيمات كـ"جبهة النصرة" و"داعش".

يرى مراقبون كثيرون أنّ القرار يعكس حقيقة أدركها السوريون مبكراً، وهي عدم جديّة المجتمع الدولي في إنهاء مأساتهم، إذ وقعوا مرة أخرى ضحية للعبة "شدّ حبل سياسي"، ولعبة دولية دموية مسرحها الجغرافيا السورية الممزّقة. ويدفع فاتورة هذه الحرب، مدنيون أضاف إليهم مجلس الأمن خيبة أخرى، وشرّع الباب أمام مزيد من العنف والتطرّف.

ويرى المحلل السياسي، الكاتب السوري فواز تللو، أنّ "قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بمثابة رصاصة الموت على مؤتمرات جنيف وقراراتها، أطلقها الأميركي بعد انحيازه بشكل كامل للرؤية الروسية ـ الإيرانية في الشأن السوري". ويشير المحلل ذاته في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "القرار الأممي تجاهل تماماً وجود ثورة وضحايا في سورية"، مضيفاً أنّه "يشرعن الاحتلال الإيراني والروسي، ويخلّص القتلة من العقاب، ويطمس حق الضحايا بالعدالة".

ويعتبر تللو أنّه "ربما لقي هذا القرار ترحيباً لو صدر في الأشهر الأولى من عمر الثورة". ويضيف أنّه "في ظل هذا التهجير والقتل والاعتقال الوحشي الطائفي، والاحتلال الإيراني الروسي المباشر، يصبح الحديث عن إصلاح دستوري وانتخابات مجرّد نكتة. فالانتخابات في الوضع السوري المعقّد وكل هذه الدماء، تأتي في نهاية طريق طويل يمر بتفكيك النظام الطائفي، وأجهزته، وإعادة اللاجئين، وطرد المحتل الإيراني والروسي".

ويرجح تللو فشل المفاوضات وتصاعد القتال، "وقد يتسبب القرار بزيادة التطرف"، مضيفاً أنّ "لا شيء سينهي النظام القائم، ويطرد الإيراني والروسي من أرض سورية، سوى الحسم العسكري، وبثمن أكبر ووقت أطول على حساب الدم السوري".

ويؤكد معظم المراقبين للمشهد السوري، أن القرار "زاد هذا المشهد تعقيداً ولم يدفع باتجاه بلورة حلّ سياسي. وهذا ما يشدد عليه عضو المكتب السياسي لـ"حركة نور الدين زنكي" (أبرز الفصائل التابعة للجيش السوري الحرّ في حلب)، بسام حاج مصطفى، إذ قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "القرار لم يغيّر من التخبط الدولي في مسألة تنفيذ جنيف وغيرها من القرارات الدولية التي حاولت ردع العصابة الحاكمة في سورية عن القتل والتدمير والتهجير، بل أضاف العدوان الروسي لمساعدته". ويتوقع مصطفى أن ترتفع وتيرة العنف والتطرف في سورية، إثر هذا القرار وخصوصاً أنّ "روسيا تعمد إلى ضرب الثوار وتتغاضى عن تنظيم داعش"، وفق تعبيره.

اقرأ أيضاً القرار 2254 حول سورية: الغرب يتنازل لشروط روسيا

من جانبه، يؤيد الكاتب السوري محمد دركوشي فكرة أن القرار الأممي سيزيد من التطرف والإرهاب في سورية، ويقول لـ"العربي الجديد"، "القرار تحدّث فقط عن إرهاب الجماعات السنية، ولم يتطرق لإرهاب الأسد، وروسيا، والجماعات الشيعية"، مشيراً إلى أنّ "هناك شعوراً لدى السنّة في سورية بالغبن. وهذا الأمر، سيجعل موقف تنظيم جبهة النصرة الرافض لمؤتمر الرياض وغيره، أكثر قبولاً عند عموم السوريين". 

ويشير دركوشي إلى أنّ قرار مجلس الأمن نسف كل جهود مؤتمر الرياض الذي جمع أطياف المعارضة السورية، لاختيار وفدها المفاوض مع النظام وتوحيد رؤيتها السياسية. ويضيف الكاتب ذاته أنّ "الفصائل المقاتلة التي كانت في مؤتمر الرياض شاركت استحياءً، وتم تخوينها من قبل الفصائل الأخرى، لذا ستجد في هذا القرار المجحف، حجّة للتملّص من مؤتمر الرياض". ويتابع، "انسحاب الكتائب المقاتلة يعني بالضرورة تفريغ مؤتمر الرياض من مضامينه، لأن السياسيين لا وزن لهم على الأرض"، وفق قوله.

ويتوقف مراقبون عند إهمال القرار الأممي لمخرجات "مؤتمر الرياض"، معتبرين أنّ القرار قضى على جهود كبيرة بذلتها المعارضة مع قوى إقليمية عدة لإعادة ترتيب أوراقها تمهيداً لبدء التفاوض مع النظام.

في هذا الصدد، يشير الكاتب السوري، أيمن أبو هاشم لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قرار مجلس الأمن لم يركّز على دور مؤتمر الرياض في تشكيل وفد المعارضة"، لافتاً إلى أنّ "هذا يعد بمثابة تجويف للمؤتمر من أهميته كمرجعية، ومن مكانته كإطار جامع لقوى المعارضة. والدليل، أن قرار مجلس الأمن ترك للمبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا صلاحية اختيار وفد المعارضة، بما يعني نسفا لكل جهود مؤتمر الرياض".

ويرى هاشم أنّ "القرار ترك تحديد ماهية القوى المتطرفة لحسابات الدول ومصالحها، وليس وفقاً لمعايير موضوعية"، مضيفاً، أنّ "هذا من شأنه توسيع خانة القوى المتطرفة لتشمل أغلبية القوى الإسلامية التي تواجه النظام على الأرض. وبالتالي، سيدفع كل ذلك العديد من تلك القوى التي لم يسمح لها القرار بأن تكون جزءا من الحل، إلى رفض تنحيتها عن المشهد وإلى مزيد من التشدد في مواقفها".

اقرأ أيضاً سوريون يقرأون قرار مجلس الأمن: يخدم النظام وحلفاءه

المساهمون