ألمانيا في سماء سورية: مغامرة التورنيدو تكسر فوبيا الحياد

03 ديسمبر 2015
التضامن مع ضحايا هجمات باريس أمام بوابة براندنبرغ(العربي الجديد)
+ الخط -
بعدما وصل الإرهاب الى عقر دار القارة الأوروبية، وجدت ألمانيا نفسها في قلب الحدث، نتيجة ما تعرض له الشريك الأقرب فرنسا من هجمات في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فأجبر البلد الأكثر حيادية في التعامل مع الأزمات على إعطاء الموافقة على المشاركة في الحرب عبر قواته الجوية والبحرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهو ما أقرّته الحكومة الألمانية يوم الثلاثاء بانتظار حسم البرلمان لقراره. لكن في ظل هذه المستجدات، تبقى العديد من الأسئلة مفتوحة على عدة احتمالات، منها ما إذا كان هناك من هدف محدد للمشاركة في الحرب؟ وإن كان لها أساس قانوني؟ وما هي الفترة المتوجبة على القوات الجوية الألمانية للبقاء داخل الأجواء السورية؟

اقرأ أيضاً: فرنسيون ينتقدون تأثير حال الطوارئ على المسلمين

وأعطت الحكومة الألمانية، يوم الثلاثاء، الضوء الأخضر للقوات الألمانية بشن الحملة العسكرية ضدّ "داعش" في سورية والعراق. ويخول القرار، الذي يصوت عليه البرلمان غداً الجمعة، وزارة الدفاع بإرسال ست مقاتلات من طراز "تورنيدو"، وقطع بحرية للدعم، إلى جانب 1200 عسكري للقيام بالمهام على الأرض، وتم إقرار ميزانية ضخمة لتمويل الحملة ضدّ التنظيم.

ولم يحدد المشروع فترة زمنية للبدء بالحملة، لكن أحد كبار قادة الجيش الألماني، كان قد استبق عملية التصويت، وأعلن أن الحملة تبدأ فور تمرير القرار. ورأى مراقبون أنه على الرغم من تحفظ ألمانيا، ولفترة طويلة، على التدخل العسكري في بلدان النزاعات، صار الأمر بحكم الواقع، بعدما أعطى المجلس الحكومي المصغر الخميس الماضي الموافقة المبدئية على المشاركة، قبل أن تصادق الحكومة الاتحادية عليها، امتثالاً للطلب الفرنسي ووفقاً للميثاق الأوروبي الذي يقضي بتلبية طلب أي دولة أوروبية تتعرض للهجوم. وهو ما كانت قد أشارت إليه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من باريس، مؤكدة أن "الإرهاب عدونا المشترك ومحاربته تبقى مهمتنا المشتركة وعلينا المواجهة بالوسائل العسكرية".

وأمام هذا الواقع، تجد برلين نفسها مستدرجة من قبل "داعش" إلى المواجهة المباشرة، خصوصاً أن المهمات الخارجية للجيش الألماني تتسم بالحساسية، فيما لم توافق المحكمة الدستورية الاتحادية إلا مرة واحدة منذ الحرب العالمية الثانية، على مشاركة الجيش الألماني في الغارات الجوية، وكانت ضمن مهمة مع حلف شمال الأطلسي عام 1999 في كوسوفو.

وفرضت هجمات باريس على صاحبة الاقتصاد الأقوى في القارة العجوز أكبر مهمة تدخل عسكرية خارجية، وستجنّد لها 1200 جندي، بحسب ما أعلن رئيس الأركان الألماني فولكر فيكر، في حديث لصحيفة "بيلد" قبل أيام، مشيراً إلى أن المهمة يمكن أن تبدأ خلال وقت قصير بعد صدور تفويض في هذا الشأن، وذلك عبر إرسال "فرقاطة" لحماية حاملة الطائرات الفرنسية (شارل ديغول) في إطار عملياتها في قصف مواقع التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق، إضافة الى ست طائرات من نوع "تورنيدو" للمهمات الاستطلاعية والتصوير في مناطق ومواقع القتال ومهام لوجستية تقوم على تزويد الطائرات بالوقود، لافتاً إلى أنه يتم التواصل حالياً مع تركيا والأردن من أجل استخدام قاعدتي أنجرليك وعمان الجويتين.

وتجدر الإشارة إلى أنه جرى الأسبوع الماضي العمل على اقتراح ألماني قضى بإرسال 600 جندي إلى مالي بهدف التخفيف عن القوات الفرنسية العاملة هناك، وربما للتفرغ أكثر لمواجهة التنظيم في سورية والعراق، ولعب دور عسكري أكبر في مكافحته، وذلك بعد تردد في مواجهة أزمة اللاجئين والهجمات الإرهابية، والتي أصبحت في صلب أولوياتها، خصوصاً أن التنظيم يستقطب جهاديين من حول العالم ووصل إلى أراضيها، والهدف الآن الردع وقطع طرق الإمداد والدعم للقوات البرية في منطقة الشرق الأوسط والتعاون مع العالم الإسلامي.

في المقابل، ترى المعارضة، وفي المقدمة حزبا "الخضر" و"اليسار" في ألمانيا، أن المهمة العسكرية لسرب الطائرات الألماني لا تخلو من المخاطر بالنسبة للجنود بسبب فعالية صواريخ "أرض ـ جو" المستخدمة على الأراضي السورية، كما أن تدخل الجيش في الحرب على (داعش) سوف يزيد من مخاطر الهجمات الإرهابية  في البلاد، خصوصاً وأن هناك الكثير من التقارير التي صدرت أخيراً عن الاستخبارات الداخلية أظهرت إمكانية تعرض البلاد لعمل إرهابي، أسوة بما حصل في فرنسا. كما ذهبت للمطالبة بتفويض أممي أولاً، على اعتبار أنه لا يمكن بعدها الحديث عن مصالح وأجندات خاصة بين الدول.

ويجد عدد من المراقبين أن قرار ألمانيا مؤشر إيجابي كون الوضع لم يعد يحتمل مع توغل الإرهابيين داخل الأراضي الأوروبية، وأن أوروبا لا يمكن أن تنعم بالأمن، الا من خلال دعم قوى الديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط وهذا ما لم يعد بالإمكان تحقيقه عبر الطرق الدبلوماسية، وانما عبر تدخل عسكري قد لا يحتمل الانتظار. في حين يعتبر آخرون أن تدخل برلين في الحرب يبعث للقلق وكان قراراً متسرعاً، خصوصاً وأن ألمانيا خطت خطوة متقدمة، ولو مرغمة، الى الأمام من خلال المشاركة الفعلية في الحرب، وليس عبر التدريب والتأهيل كما هو الحال في شمال العراق.

واعتبر الإعلام الألماني أن التدخل العسكري الألماني لا يزيد من مصداقية الغرب، وأن الوقاية من الإرهاب ستكون أسهل  باحتضان اللاجئين الهاربين أصلاً من الإرهاب وتأمين المدارس لهم مخافة من تصبح المخيمات أمكنة محتملة لتجنيد الإرهابيين. فيما رأى معارضون للخطوة أن المساهمة الرمزية بطائرات "تورنيدو" لا يمكن أن تؤثر في مجريات الحرب ولا معنى أو هدف لها، وأنه لا يمكن كسب حرب من الجو، بل من خلال التحرك على الأرض عبر قوات برية أكثر فعالية.

وكانت الحكومة الألمانية قد وافقت نهاية الأسبوع الماضي على تمديد العمل بقوانين مكافحة الإرهاب المعمول بها منذ أحداث سبتمبر/أيلول 2001 الى عام 2021. وتسمح هذه القوانين للسلطات الأمنية بالحصول على المعلومات عن الأفراد من شركات الاتصالات والبنوك والمؤسسات المالية وشركات السفر.

اقرأ أيضاًالتحريض ضد الأجانب.. الإرهاب يشعل التطرف في ألمانيا

المساهمون