استنزاف إيران ومليشياتها في سورية: هل تغيّر طهران خططها؟

16 ديسمبر 2015
إيرانيون يشيّعون قتلى لهم سقطوا بسورية (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -
تكبّدت المليشيات الأجنبية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري خسائر فادحة في الأرواح أثناء المعارك التي تخوضها ضدّ قوات المعارضة السورية خلال الأيام الأخيرة. جاءت هذه الخسائر لتؤكّد أن هذه المليشيات لاتزال رأس الحربة في الهجمات التي تشنّها قوات النظام بهدف استعادة السيطرة على مناطق سيطرة المعارضة منذ بدء التدخل الروسي في سورية، والذي قدّم غطاء جوّيا لقوات النظام وحلفائها منذ أقل من ثلاثة أشهر.

اقرأ أيضاً: فاتورة التدخل الإيراني في سورية ترتفع وجنرالاتها يتساقطون تباعا

وتضع التطورات الميدانية التقارير الغربية التي تحدثت عن تغيير في الاستراتيجية الإيرانية في سورية موضع شك، ذلك أن العدد الكبير لقتلى قوات المليشيات التي دربتها ومولتها إيران وأرسلتها إلى سورية لا يترك مجالاً للشكّ حول الدور الكبير الذي ما تزال هذه القوات تلعبه في سورية، في ظل عدم وجود بدائل لدى النظام السوري، يمكن أن يستعيض بها عن المليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية وغيرها من القوات، التي أُرسلت لمساندة النظام بإشراف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.

وبث المكتب الإعلامي في "جيش الفتح"، وهو ائتلاف واسع لفصائل المعارضة السورية المسلّحة يضم "جبهة النصرة" (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، يوم الإثنين الماضي، مقطعاً مصوراً يظهر تكدس عشرات الجثث في عدة منازل في قرية بانص بريف حلب الجنوبي، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان حسابات تابعة للجبهة على موقع "تويتر" عن تمكّن مقاتليها وحلفائهم من صدّ محاولة تقدم واسعة للقوات الإيرانية والعراقية وباقي المليشيات نحو مناطق جديدة بريف حلب الجنوبي، لتجري معركة كبيرة في قرية بانص، أسفرت بحسب الشيخ عبدالله المحيسني، الشرعي العام لجبهة النصرة، عن مقتل ثمانين مقاتلاً من عناصر المليشيات التابعة لإيران خلال أقل من ثلاث ساعات في قرية بانص.

وكان "العربي الجديد"، قد حصل قبل نهاية الشهر الماضي على معلومات استخباراتية من مصادر المعارضة السورية في حلب تفيد بأن عدد عناصر المليشيات الأجنبية المشاركة في معركة جنوب حلب، يقارب تسعة آلاف مقاتل، أربعة آلاف منهم ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، الذي يقوده سليماني. كما يُشارك ثلاثة آلاف عنصر من مليشيات عراقية، وهي عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء، التي يقودها الزعيم السابق في التيار الصدري أكرم الكعبي، ولواء أبو الفضل العباس، بالإضافة إلى ألف مقاتل من مليشيا "فاطميون"، المكوّنة من مقاتلين شيعة أفغان، ومليشيا "زينبيون"، المؤلفة من مقاتلين شيعة باكستانيين. كما يقاتل نحو 700 مقاتل من مجموعة تعرف باسم نخبة الرضوان، التابعة لحزب الله اللبناني، إضافة إلى نحو 300 مقاتل من القوات الخاصة التابعة لجيش النظام.

وفي سياق متصل، بث المكتب الإعلامي في لواء صقور الجبل التابع للجيش السوري الحر الإثنين مقطعاً مصوراً يظهر فيه استهداف أحد مقاتلي اللواء لمجموعة  تربو على عشرين مقاتلاً من عناصر المليشيات الأجنبية المتحالفة مع النظام بريف حلب الجنوبي كانوا يقفون على سطح مبنى بصاروخ موجه ما أدى إلى مقتل عدد كبير منهم حيث تسبب الانفجار بتطاير جثثهم.

المعارضة تستعيد مرج السلطان

ولم تقتصر خسائر المليشيات المدعومة إيرانياً في سورية عند خسائرها الكبيرة في ريف حلب الجنوبي في الأيام الأخيرة، إذ أفادت مصادر عسكرية من قوات المعارضة السورية في غوطة دمشق الشرقية لـ"العربي الجديد" بأن غرفة عمليات المرج، التي تم تشكيلها الإثنين من فصائل جيش الإسلام والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام وفيلق الرحمن وحركة أحرار الشام وجبهة النصرة، تمكّنت أمس، من استعادة السيطرة على جميع المناطق التي خسرتها قوات المعارضة قبل يوم واحد في مطار مرج السلطان العسكري ومحيطه جنوب غوطة دمشق الشرقية. وأشارت المصادر إلى أن قوات المليشيات المتحالفة مع النظام تركت بعد انسحابها من هذه المناطق رايات وبدلات عسكرية ومطبوعات عائدة للواء أبو الفضل العباس العراقي.

وعلى ما يبدو، فإن هذه الخسائر الكبيرة المستمرة للمليشيات المدعومة إيرانياً ستدفع القيادة الإيرانية لمراجعة تكتيكاتها في سورية، ضمن خيارات ليس من بينها فيما يبدو سحب قوات المليشيات وقوات الحرس الثوري الإيراني، تحديداً فيلق القدس، من جبهات القتال في سورية، ذلك أن أي سحب لهذه المليشيات من سورية سيؤدي إلى تراجع ميداني كبير لقوات النظام أمام مختلف تشكيلات المعارضة.

ويرجح مراقبون ألا يمسّ التغيير في التكتيكات الإيرانية الاستراتيجية القائمة على تقديم دعم عسكري، بشري ولوجستي، غير محدود للنظام السوري ليواصل الصمود أمام قوات المعارضة السورية في مختلف مناطق سورية. لكن يتوقع أن يقتصر التغيير في التكتيكات الإيرانية على التوقف عن شن "هجمات انتحارية" داخل معاقل المعارضة السورية الاستراتيجية في أرياف حلب وإدلب ودمشق، الأمر الذي تسبب مراراً بخسائر بشرية فادحة لقوات المليشيات برصاص قوات المعارضة السورية.

وسيؤدي ذلك في حال أصبح أمراً واقعاً إلى تعاطي النظام السوري بواقعية أكثر مع حقيقة استحالة استعادة السيطرة على محافظة إدلب وأرياف حلب وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي وغوطة دمشق الشرقية التي تمكنت قوات المعارضة السورية فيها من صدّ الهجوم الكبير الذي شنّته قوات النظام والمليشيات بدعم من الكيران الروسي منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بل أنها تمكّنت من استعادة معظم المناطق التي تمكنت قوات النظام والمليشيات من قضمها مع زخم بدء التدخل الروسي.

وسينقل ذلك في حال حصل فعلاً قوات النظام السوري إلى وضع دفاعي، كالذي كانت عليه قبل بدء التدخل الروسي، لكنه سيُخفض في الوقت نفسه من فاتورة الخسائر المرتفعة التي تدفعها المليشيات وقوات النظام أثناء هجماتها على معاقل المعارضة السورية، التي لن تتردّد حينها في مهاجمة قوات النظام بريف حماة ومنطقة سهل الغاب مجدداً.

اقرأ أيضاً: غارات روسية شمالي سورية...والمعارضة بحلب تسترجع قرية من "داعش"

المساهمون