فشل الدبلوماسية المصرية: الإخفاق في حل الأزمات نموذجاً

14 ديسمبر 2015
من الاتفاق الثلاثي الفاشل في الربيع (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
"انظر إلى النتائج، لتدرك جدوى الزيارات المتكررة لمسؤولي الحكم في مصر، بدءاً من الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، وصولاً للوجوه التنفيذية في وزارة الخارجية، وغيرها". هكذا يُعلّق دبلوماسي مصري سابق، على الزيارات الخارجية المتعددة للسيسي ورموز نظامه، موضحاً أنه "لا أثر إيجابي حدث، سوى الانشغال بفكرة الاعتراف الدولي بالنظام السياسي، وتقديم عروض خدمات للحصول على ما يُثبّت حكمهم". ويرى أنه "لا يمكن الحكم على حجم الإخفاقات التي حققها النظام المصري الحالي، برئاسة السيسي، في مجال السياسة الخارجية إلا بميزان الفشل".

ولم يتمكن النظام من حسم أغلب القضايا التي تدخل في مجال اهتمامه على المستوى الإقليمي والعلاقات مع دول الجوار، إلى حدّ تراجع دور مصر في عهد السيسي لدرجة غير مسبوقة على مدار العقود الماضية. 
واقتصرت جهود السياسة الخارجية المصرية، على محاولة اكتساب النظام شرعية دولية، في ظلّ المواقف المترددة بالاعتراف بما بعد الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي. وباتت الدبلوماسية المصرية مجرد أداة في يد نظام السيسي، للترويج لما يريده هو، وليس العمل وفقاً للأعراف الدبلوماسية المعروفة، بحسب مصادر في وزارة الخارجية.

ومن أبرز القضايا التي فشل فيها نظام السيسي، أزمة سدّ النهضة، خصوصاً بعد مماطلة الجانب الإثيوبي في إتمام الاجتماعات الفنية حول تأثيرات السدّ على حصة مصر من مياه النيل فضلاً عن فشل الاجتماعات المتكررة بين مسؤولي البلدين إلى جانب السودان، بالخروج بنتائج لصالح مصر، على غرار الاجتماع الذي عقد يوم السبت الماضي في الخرطوم وانتهى إلى الفشل. وتمضي إثيوبيا في بناء سد النهضة، فيما تؤكد التقارير والأبحاث العلمية تأثر حصة مصر من مياه النيل في ظلّ وجوده.

كما يأتي على قمة الإخفاقات، تمكن تونس من حلّ الأزمة الليبية ووضع خارطة طريق بين طرفي النزاع هناك، وهو ما لم تتمكن منه مصر بسبب انحياز السيسي إلى برلمان طبرق، واللواء خليفة حفتر.

وتقول مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الخارجية باتت عبارة عن إدارة في منظومة حكم السيسي، يوجهها مثلما يريد للعمل في إطار رؤيته بالمخالفة لأي أعراف دبلوماسية". ولفت المصادر إلى أنّ "وزارة الخارجية المصرية ظلّت بعيداً عن الصراعات السياسية وتعمل فقط على المستوى الخارجي، ولكن السيسي ورّطها في محاولة توطيد أركان حكمه خارجياً، وعدم الاستعانة بها إلا في تنفيذ رؤيته فقط". وتشير إلى أن "الوزارة تفرغت من مضمونها إلى حدّ أنه يتم الاستعانة بها عند الوقوع في أزمات دولية، أما بخلاف ذلك، يتم تجاهل النصائح والرؤى التي تعرض على السيسي". وتؤكد المصادر أنه "لا يمكن التوافق بين الدبلوماسية والسيسي، كون الأخير بما له من خلفية عسكرية، لا يحب إلا فرض رأيه وتنفيذ رؤيته، وهو تفكير يتعارض مع سياسات وزارة الخارجية".

اقرأ أيضاً: شكري يهزم إثيوبيا بغزوة ميكروفون الجزيرة.. تحيا مصر! 

وعن تهميش آراء الوزارة، تشير المصادر إلى أنه "في أزمة سد النهضة، لجأ السيسي إلى القيادي المفصول من حركة فتح، الهارب إلى الإمارات، محمد دحلان، من دون الرجوع للوزارة، للتوسط لحلّ أزمة السد، وكانت النتيجة لا شيء". وتلفت إلى "اهتزاز صورة الدبلوماسية المصرية بشدة، لمنعها من محاولة حل الخلافات في ليبيا، وهو عمق استراتيجي مصري، بسبب الاعتراف بأحد طرفي النزاع دون الآخر". وتستطرد المصادر قائلةً إن "السيسي أوعز إلى وزير الخارجية سامح شكري، في عرض مشروع للتدخل عسكرياً في ليبيا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وخرجت تصريحات في هذا الشأن، ثم رُفض الأمر من الدول الكبرى، فضلاً عن تراجع شكري نفسه عن هذا الأمر".

من جهته، يقول الدبلوماسي المصري، السفير إبراهيم يسري، إن "الدبلوماسية المصرية فقدت هيبتها خلال الفترة الأخيرة بصورة لم تحدث منذ عقود طويلة". ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "كل القضايا التي تدخّلت فيها مصر فشلت فشلاً ذريعاً، ولم يتم التعامل بالصورة المثلى مع أزمة سد النهضة حتى الآن". ويشير إلى أنه "بدلاً من تصعيد الموقف ضد إثيوبيا، وقّعت مصر اتفاقاً ثلاثياً مع السودان وإثيوبيا، بينما كان لا بدّ من المضي قدماً في الدفاع عن حق مصر". ويؤكد أن "مصر باتت في عهد النظام الحالي دولة تابعة للولايات المتحدة تارة، ولروسيا تارة أخرى، بشكل أفقدها وجود رؤية خاصة تعمل من خلالها".

ويلفت إلى أن "الانفراجة في الأزمة الليبية لم تأتِ عن طريق مصر، على الرغم من الوفود التي زارتها خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن تونس تمكنت من حل الأزمة". ويلفت إلى تحذيره سابقاً من "السياسة التي تتبعها مصر في السياسة الخارجية، بعدم اتخاذ مواقف من أطراف النزاع والصراع في ليبيا، حتى تتمكن في لحظة ما من التدخل لحل الأزمة". ويُشدّد على أن "دور مصر أصبح أسوأ من وقت (الرئيس المخلوع) حسني مبارك في التعامل مع القضايا الأفريقية، وخصوصاً أن الانفتاح على القارة السمراء أمر في غاية الأهمية، بعد اتجاه أنظار الدول الكبرى إليها، مثل الصين".

وبحسب يسري، فإن "مصر لن تتمكن من وقف النفوذ الإسرائيلي المتزايد في القارة السمراء، إلا بالعمل بشكل كبير وتشكيل لجان دبلوماسية لمحاولة التقارب مع تلك الدول، وإيجاد روابط مشتركة وتقديم مساعدات". ويُحذّر من "خطورة الدور المتنامي لإسرائيل في أفريقيا، وتكمن أبرز تأثيراته الكبيرة عن طريق المساعدة في بناء سد النهضة". ويتعجّب من إدارة الدبلوماسية المصرية في زيارة السيسي إلى اليونان وقبرص، لمواجهة تركيا، مؤكداً أن "الرجل ذهب إلى هناك من أجل البحث عن استثمارات، على الرغم من أن تلك الدولة معدومة، ولكنه يحاول إعادة تقسيم الحدود البحرية، لصالح إسرائيل، عن طريق تصدير الغاز الذي تم سرقته من مصر إلى أوروبا".

وبشأن الملف السوري، يقول يسري إن "النظام المصري الحالي يلعب على كل الأطراف، فهو من جهة يؤيد روسيا في إرساء حلّ لا يقضي برحيل (الرئيس السوري بشار) الأسد، ومن جهة أخرى يُساند مع الولايات المتحدة ودول الخليج، بضرورة حلحلة الملف لمواجهة الإرهاب ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، من دون ذكر مسألة رحيل الأسد".

اقرأ أيضاً: السيسي يستعين بالإمارات لإنقاذ ملف سدّ النهضة