"العدالة والتنمية" التركي وخيارات ما بعد النصر

04 نوفمبر 2015
ملفات معقدة تنتظر "العدالة والتنمية" (متين بالا/الأناضول)
+ الخط -

أعاد انتصار حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات النيابية الأخيرة، الحديث عما يمكن أن يطلق عليه "خيارات تركية صعبة"، يمكن حصرها على المستوى الداخلي بالدستور الجديد، والتحوّل إلى النظام الرئاسي، إضافة إلى عمليه السلام مع حزب "العمال الكردستاني".

أما على المستوى الخارجي، فيمكن حصر هذه الخيارات بالأزمة السورية، وإقامة المنطقة الآمنة في ريف حلب، مما يعني توسيع الجبهة المفتوحة مع "الكردستاني" لتشمل مناطق الإدارة الذاتية، التي أعلن عنها جناحه السوري، حزب "الاتحاد الديمقراطي".

اقرأ أيضاً: الانتخابات التركية: "العدالة والتنمية" يحسم وينفرد بالحكومة

وبدأت أول التلميحات إلى إمكانية إعادة إحياء عملية السلام مع "العمال الكردستاني" على لسان عمر جيلك، المتحدث باسم "العدالة والتنمية"، بعد ساعات من إعلان النتائج غير الرسمية للانتخابات النيابية التي عُقدت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، مشيراً إلى ضرورة العمل بأسرع وقت ممكن على تشكيل الحكومة التركية، وعلى كتابة الدستور التركي الجديد، الذي اعتبره من أهم وعود "العدالة والتنمية"، التي حققت له هذا الانتصار.

ولم تمض ساعات على تصريحات جيلك، حتى قام سلاح الجو التركي بتوجيه ضربات عسكرية إلى معاقل "الكردستاني" سواء داخل تركيا في ولاية هكاري أو خارجها في معاقل "الكردستاني" في شمال العراق. وبحسب رئاسة الأركان التركية، فقد تم ضرب مخازن ومعسكرات "الكردستاني" في شمال العراق في كل من معسكر متينا والزاب وأفاشين وخارقوق وغارا وقنديل، في الوقت الذي تواصلت فيه عمليات التمشيط داخل الأراضي التركية.

جاء ذلك بعدما أعاد نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن عملية السلام، يالجين أكدوغان، اتهام "الشعوب الديمقراطي" و"العمال الكردستاني"، بتعطيل مساعي السلام، معتبراً أنّ شروط الحكومة التركية لإعادة تفعيل العملية لم تتغير، قائلاً إنّ "ما نركّز عليه الآن هو تفريغ حملة "الكردستاني" من مضمونها"، مضيفاً أنّ ذلك يجب أن يأتي "بينما تستمر إصلاحاتنا وخدماتنا واستثماراتنا، ولكن في الجانب الآخر يجب أن تتحقق الظروف المناسبة لإعادة تفعيل العملية. على "الكردستاني" أن يغادر الأراضي التركية بشكل تام، ويوقف بشكل كامل عملياته وأفعاله غير القانونية، بما في ذلك حفر الخنادق وفرض الخراج على المواطنين، وبعد ذلك يمكننا الحديث".

واتهم أكدوغان، في المقابلة التي أجراها أمس، "الشعوب الديمقراطي" و"العمال الكردستاني" بالعمل على تحييد زعيم "الكردستاني" عبدالله أوجلان، قائلاً "لقد أساؤوا كثيراً لعملية السلام، بل وعملوا على دفن أوجلان. وفيما تبدو تصرفاتهم ضدّ (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان، لكنهم في الواقع يسعون لإغراق أوجلان". وأضاف: "نحن لا علاقة لنا بهذا الانقسام. ولدينا خارطة طريق نركز عليها. وهذا ما يتوجب علينا فعله"، في إشارة إلى سقوط عملية السلام بشكلها السابق، والذي كانت اقتراحات أوجلان أحد أهم ركائزه.

ولا يمكن استبعاد أنّ أحد أسباب الانتصار الانتخابي الذي حققه "العدالة والتنمية" يعود إلى حسن إدارته للعمليات العسكرية التي شنّها ضدّ "الكردستاني"؛ وعلى الرغم من صعوبة تجنب المدنيين في حروب المدن، غير أن الحكومة التركية استطاعت تجنب الصورة البشعة التي رسمتها الاشتباكات بين الأمن التركي و"الكردستاني" في الثمانينيات والتسعينيات، وما رافقها من ترحيل للمدنيين واعتقالات وعمليات تصفية ارتكبتها استخبارات الجيش.

ويحاول "العدالة والتنمية" استغلال المشهد الجديد الذي ولدته الانتخابات لإعادة فرض شروطه مستغلاً الخلافات التي اندلعت في صفوف "الشعوب الديمقراطي"، بين أنصار "الكردستاني" وباقي المجموعات في الحزب، بعد الهزيمة التي تعرض لها في الانتخابات. وقد اضطر أحد أهم قيادات "الكردستاني"، كالكان دوران، للردّ على هذه الخلافات، في إحدى المقابلات، قائلاً إن "الميل السياسي الحقيقي للمجتمع التركي انعكس في نتائج انتخابات يونيو/حزيران الماضي، لكن ذلك لم يحدث في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني".

ورفض كالكان اتهام "الكردستاني" بالتسبب بتراجع "الشعوب الديمقراطي"، مشيراً إلى أن الأخير لم يقم بحملة انتخابية، قائلاً إنّ "ما يقال عن أن "الكردستاني" تدخل في "الشعوب الديمقراطي" بعد انتخابات يونيو/حزيران، وأعاقه، أحاديث كاذبة"، متسائلاً: "هل الكردستاني الذي قام بالهجوم على مراكز الشعوب الديمقراطي؟ وهل هو من اعتقل الآلاف من أنصاره؟

اقرأ أيضاً: تراجع "الشعوب الديمقراطي" في الانتخابات التركية: ابحث عن "الكردستاني" 

وردّاً على هجمات سلاح الجو التركي، وعلى محاولات "العدالة والتنمية" فرض شروطه، وبغرض وقف الحديث عن اتهام "الكردستاني" بإعاقة "الشعوب الديمقراطي"، أعلن اتحاد المجتمعات الكردستانية (المظلة التي تعمل تحتها جميع التنظيمات التابعة للكردستاني) استئناف عمليات حرب الشعب الثورية ضدّ الدولة التركية، وقامت شبيبة الكردستاني في مدينة يوكساكوفا في ولاية هكاري بحفر الخنادق في أحد أحياء المدينة لتقوم الشرطة بإغلاقها، بعد اشتباكات بين الطرفين مما أدى إلى مقتل اثنين من شبيبة "الكردستاني". الأمر الذي تكرر في منطقة سلوان في دياربكر، حيث قتل أحد شبيبة الكردستاني، ليقوم أنصار الأخير بإعلان الإدارة الذاتية في ولاية سيعرت.

اقرأ أيضاً: قراءة في انتصار "العدالة والتنمية": أمن واقتصاد وفشل المعارضة

المساهمون