تتفاقم الخلافات يوماً بعد يوم بين الدول الأوروبية، وتكاد تهدد وحدة الاتحاد الأوروبي، بدءاً من أزمة ديون اليونان الاقتصادية وصولاً إلى موضوع اللاجئين، مروراً بتلويح بريطانيا بالانفصال عن الاتحاد، وفقاً لما سينتج عن الاستفتاء الذي تنوي اجراءه في عام 2017، فضلاً عن توجّه إقليم كاتالونيا في إسبانيا نحو الاستقلال عن المملكة، مع ما سينتجه هذا الأمر من تداعيات اقتصادية وسياسية.
وعلى وقع هذه الانقسامات تحاول كل دولة ايجاد حلول فردية تتناسب مع مصالحها حيال الأزمات التي تعصف بالاتحاد. وكان واضحاً وزير خارجية لوكسمبورغ يان اسلبورن، الذي تتولّى بلاده حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد، في تعبيره عن خطر تفكك دول الاتحاد، بقوله إن "الاتحاد الأوروبي من الممكن أن يتفكك على نحو سريع للغاية، إذا ما أصبح الانغلاق هو القاعدة، وبديلاً من التضامن الداخلي والخارجي".
في السياق نفسه، يعتبر مراقبون، أن هناك الكثير من الاختلافات بين الدول الأوروبية، تقوّض التفاهمات فيما بينها، ومنها أزمة الديون اليونانية، التي عادت إلى الواجهة من جديد، إثر خلاف بين وزراء منطقة اليورو في بروكسل. وتتمثل العقبة الرئيسية حالياً، بعدم قدرة المصارف اليونانية على إخراج مالكي المنازل والشقق منها، إن لم يدفعوا أقساطهم المستحقة، في حين أن الممولين يطالبون بذلك. وهو ما أكد عليه وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، قائلاً إن "المصرف الأوروبي المركزي، لن يضخّ الأموال في المصارف في دولة لا تسمح قوانينها بإرجاع هذه الأموال إلى أصحابها، لأن القروض المتعثرة هي إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه المصارف اليونانية، وعلى اليونان إنهاء هذا الأمر".
من جهته، يأمل وزير المالية اليونانية أكليدس تساكولوتوس، في أن "يتنازل الدائنون عن هذا الشرط لأنه سيُكلّف آلاف اليونانيين خسارة مساكنهم، فضلاً عن تراجع أجور الموظفين وتخفيض رواتب التقاعد، مما سيُعمّق من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في أثينا، مع ما تعانيه من تواجد لآلاف اللاجئين على أراضيها".
وقد بات واضحاً أن أزمة اللاجئين في أوروبا تتصدر كافة الملفات في جميع القمم واللقاءات، بموازاة ارتفاع الأسوار والأسلاك الشائكة على الحدود، حيث تتم كذلك إعادة إنشاء نقاط المراقبة للحدّ من تدفق اللاجئين. وكانت آخر هذه الإجراءات هي تلك التي قامت بها السويد، على الرغم من وجود اتفاقية "شينغن" المعمول بها منذ عام 1985، والتي تضمّ حالياً 26 دولة، بينها 22 دولة في الاتحاد الأوروبي.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي ومنتجات المستوطنات الإسرائيلية
ويأتي هذا الانقسام نتيجة عجز دول الاتحاد الأوروبي عن احتواء الأزمة مع غياب التضامن بين دوله والاختلاف على توزيع اللاجئين، علماً أن أوروبا تستقبل حالياً أقلّ من 1 في المائة من عدد سكانها. كما تتعامل بعض الدول مع الاتحاد، كأنه صندوق دعم مالي فقط.
وكانت المجر من أوائل الدول التي جاهرت بموقفها، وعمدت إلى بناء سياج على حدودها مع كرواتيا، بدعمٍ من دول "فيسغراد" (تشيكيا، وسلوفاكيا، وبولندا والمجر)، في وقتٍ تعمد فيه دول أخرى إلى تسهيل حركة مرور اللاجئين مخافة من تجرّع الكأس المرّة، ولأن العديد منها عانى أساساً من أزمات مادية، ومنها اليونان وكرواتيا وسلوفينيا.
كل ذلك زاد من تبادل الاتهامات بخرق القوانين الأوروبية، وإعراب كل من رومانيا وبلغاريا وصربيا نيتها في إغلاق حدودها، في حال أقدمت ألمانيا والنمسا على إغلاق حدودهما، رافضة أن تتحول إلى مناطق عازلة.
وليس بعيداً عن هذا الانقسام، تأتي خطورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتأثيرها على مكانة الاتحاد، على الرغم من المخاطر التي من الممكن ان تواجهها البلاد، ومنها إعطاء الذريعة مجدداً للاسكتلنديين للمطالبة بالاستقلال عنها. مع العلم أن لبريطانيا أربعة شروط للبقاء ضمن دول الاتحاد، وهي: إعفاء بريطانيا من المبادئ التأسيسية للاتحاد، وعدم اعتبار "اليورو" العملة الرسمية للاتحاد الأوروبي، وإقرار نظام "البطاقة الحمراء" لاستعادة القوة من بروكسل إلى لندن، ومنع هيمنة الدول الأعضاء على الدول الـ9 الواقعة خارج منطقة "اليورو".
كما يشترط رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، انتظار المهاجرين أربع سنوات قبل حصولهم على الرعاية الاجتماعية في لندن، وهو ما يلقَى رفضاً من دول الاتحاد. بالتالي فإن تبعات خروج لندن من الاتحاد من شأنها أن تؤثر على السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، كون وجود بريطانيا فيه يعزّز السوق الاقتصادي الحرّ، لما للندن من أهمية كبيرة لكونها مركزاً مالياً في أوروبا، ومركزاً لصناديق التحوّط المالي وشركات الأسهم الخاصة.
أما استقلال إقليم كاتالونيا عن إسبانيا، فسيتسبب بخسارة مدريد 8 في المائة من مساحتها، وسيسمح لعدد من القوميات داخل دول الاتحاد الأوروبي في المطالبة بالاستفتاء من أجل الاستقلال. وسيؤدي هذا إلى صراع بين كل من إسبانيا وفرنسا، الدولتين العضوين في الاتحاد، كون باريس ستُرحّب بانضمام كاتالونيا إليها، في ظلّ اعتبار الاتحاد الأوروبي الانفصال "شأناً داخلياً إسبانياً".
واستقلال كاتالونيا إذا تحقق، سيُضاعف من الأزمة الاقتصادية في إسبانيا، التي ستخسر ما نسبته 22 في المائة من صادراتها، وجزءاً كبيراً من الضرائب التي تجنيها. عدا عن أن برشلونة، إجدى أهم مدن كاتالونيا السياحية، ستصبح عاصمة الإقليم. وهو ما سيُكبّد الاتحاد الأوروبي مصاريف إضافية، عبر تقديم الدعم والمساعدات والقروض لإسبانيا التي تعاني أساساً.
في المحصلة، يرى خبراء أن هذا التفكك، في حال حصوله، سيتسبب بخسائر سياسية واقتصادية كبيرة، ستظهر بحركة الأسواق المالية والتجارة الداخلية والخارجية وحرية التنقل، عبر فرض قواعد جديدة للتعامل. كما سيتعثر العديد من قطاعات الإنتاج، وستنهار العملة الموحّدة، ويتعرّض عدد من الدول الأوروبية، التي تعتمد على قطاع السياحة والخدمات في موازنتها، لكارثة اقتصادية. وسينسحب هذا على الملفات السياسية الكبرى للقارة الأوروبية، ما يستوجب إعادة اكتشاف ثقافة الشراكة ورسم سياسات موحدة تجنّب الاتحاد الأوروبي مخاطر التفكك.
اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء اليوناني يزور تركيا لبحث أزمة اللاجئين