فيينا جديد اليوم: مناورات سياسية وميدانية بين جلستَي النمسا

14 نوفمبر 2015
من القصف الروسي على حلب قبل أيام (أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -

تخللت الأسبوعين الماضيين اللذين فصلا بين اجتماع فيينا 2 الذي عقد في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واجتماع فيينا 3 الذي يعقد اليوم، في العاصمة النمساوية، مناورات سياسية أجرتها الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالشأن السوري، تهدف إلى تسجيل أكبر قدر ممكن من النقاط التي يمكن أن تعود بالفائدة عليها أثناء اجتماع فيينا الحالي.

اقرأ أيضاً: إيران والتحركات الروسية في سورية: توزيع للأدوار

كذلك تميّزت هذه الفترة بمناورات ميدانية، خاضتها قوات النظام السوري وحلفاؤها على ساحة المعارك داخل سورية، بهدف تسجيل نقاط إضافية كي يستثمرها الحليف الروسي في نقاشات فيينا.

وتمهّد هذه المناورات، السياسية والميدانية، بلا شك لتعقيد النقاشات، وبالتالي تأخير توصل الأطراف الدولية والإقليمية المجتمعة إلى اتفاق نهائي على آلية إطلاق مفاوضات حل سياسي للصراع في سورية.

وقد بدأت روسيا منذ أسبوعين بتقديم طرح جديد لرؤيتها حول ما يجري في سورية؛ وبعدما نفت الشهر الماضي على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف وجود أي قوات للجيش السوري الحر في سورية، لم تتردد موسكو في الإعلان صراحة مطلع الشهر الجاري عن استعدادها لبناء شراكة مع قوات "الجيش السوري الحرّ" لمحاربة الإرهاب.

وكان مراقبون قد علّلوا هذا التغيير في الموقف الروسي بالخسارة الكبيرة، التي ألحقتها قوات الجيش الحر بقوات النظام السوري في ريف حماه الشمالي الشهر الماضي، الأمر الذي فرض على الروس الاعتراف بوجود "الجيش الحرّ"، ومن ثم دعوته للتنسيق وبناء شراكة مع القوات الروسية الجوية، والتي تقدّم غطاء جوياً للنظام السوري تزعم روسيا أنه يهدف لتمكين الأخير من القضاء على التنظيمات الإرهابية.

غير أنّ هذه المقاربة تبدو غير صائبة، نظراً لأنّ الروس بنوا التغيير في موقفهم على بيان فيينا، والذي صدر مع ختام اجتماع فيينا نهاية الشهر الماضي، إذ تمكّن الروس من الضغط على المجتمعين حينها لإدراج بند يقول إنّ الدولة السورية المستقبلية التي يجب أن تتمخض عنها مفاوضات الحل السياسي في سورية يجب أن تكون "دولة علمانية"، الأمر الذي يتضمن مصادرة على المطلوب، فيحدّد نتيجة المفاوضات قبل انطلاقها.

ويبدو أن الروس سعوا من خلال إدراج هذا البند في بيان فيينا إلى إحراج فصائل المعارضة السورية المسلحة التي تتسم بمعظمها بطابع إسلامي الأمر الذي يضع هذه الفصائل بين مطرقة الاستبعاد من مفاوضات الحل السياسي، وسندان القبول ببيان فيينا، وبالتالي خسارة جزء كبير من حاضنتها الشعبية، بعد التراجع عن شعاراتها الإسلامية.

وجاء تشكيل لجنة ممثلي الدول التسع المصغرة التي بدأت اجتماعاتها يوم الخميس، بهدف تحديد قائمة بأسماء الشخصيات المعارضة التي تمثل المعارضة السورية في مفاوضات الحل السياسي، ووضع قائمة بأسماء المنظمات الإرهابية في سورية، ليؤكد أن التغيير في الخطاب الروسي كان يرمي فقط إلى الوصول لنتيجة استبعاد فصائل المعارضة السورية، ذات الطابع الإسلامي من مفاوضات الحلّ بعد وصفها بالتنظيمات المتطرفة قبل وضعها على قوائم الإرهاب ومن ثم محاربتها والقضاء عليها على المدى الطويل.

ولم تقابل المناورة الروسية السياسية بردّ واضح من حلفاء المعارضة السورية الإقليميين والدوليين، إذ اقتصرت تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في الفترة الأخيرة على التأكيد على رفض المملكة لأي دور لرئيس النظام بشار الأسد في مستقبل سورية، دون أي إشارة إلى ضرورة إشراك فصائل المعارضة السورية جميعاً في مفاوضات الحلّ السياسي، الأمر الذي يضمن، في حال حصوله، فرصة أكبر لنجاح هذه المفاوضات من خلال تطبيق نتائجها فعلاً على الأرض السورية.

وبالنسبة إلى تركيا، والتي تعتبر الداعم الأبرز للمعارضة السورية، فلم تقدّم هي الأخرى أي بديل عن الخطة الروسية، باستثناء حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل انطلاق اجتماعات مجموعة العشرين في مدينة انطاليا جنوب تركيا منذ أيام عن اقتراب، ما وصفهم بالحلفاء، من القبول بتنفيذ مشروع المنطقة الآمنة شمال شرق حلب، والذي طرحته تركيا منذ أشهر. إلا أن الردّ الأميركي كان واضحاً في اليوم التالي، بنفي التوصل إلى أي قرار بفرض مناطق للحظر الجوي أو المناطق الآمنة في سورية.

مناورات ميدانية

ومنح الوجود الفعلي على الأرض السورية، الروس ميزة استثمار الإنجازات الميدانية في المفاوضات، سواء الماضية أو الحالية، إذ إنّهم تمكّنوا من خلال الغطاء الجوّي الكثيف الذي قدّمه طيرانهم الحربي للنظام السوري، من الدفع بقوات النظام لتحقيق إنجازات ميدانية هامة في محيط حلب في الأيام الأخيرة، بعد شهر كامل تميّز بفشل قوات النظام في تحقيق أي تقدّم على قوات المعارضة، في ريف حماه وريف اللاذقية الشماليين، وفي مناطق محيط غوطة دمشق الشرقية.

وتمكّنت قوات النظام السوري من تحقيق تقدّم مهم على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بريف حلب الشرقي قبل خمسة أيام فقط من انطلاق اجتماع فيينا الحالي، إذ نجحت بفتح طريق بين مناطق سيطرتها بريف حلب الشرقي وقواتها المحاصرة بمطار كويرس والكلية الفنية الجوية الملاصقة له منذ نحو ثلاث سنوات، لتدفع نفسها نحو التمدد أكثر في محيط المطار، وبالتالي الاقتراب من المنطقة التي تطرح تركيا تحويلها لمنطقة آمنة والقضاء على الفكرة بشكل كامل.

وقد اختارت قوات النظام السوري والمليشيات العراقية والإيرانية الحليفة لها خاصرة حلب الجنوبية الرخوة، لإحراز نصر عسكري كبير تسجل من خلاله نقاط عسكرية على المعارضة السورية، إذ نجحت قوات النظام والمليشيات الحليفة لها بالاستفادة من القصف الروسي العنيف على مواقع المعارضة جنوب حلب بإحراز تقدم كبير مكّنها حتى عصر أمس، في السيطرة على أكثر من 300 كيلومتر مربع كانت تسيطر عليها المعارضة السورية قبل بدء عمليات النظام بريف حلب الجنوبي.

ونجحت قوات النظام بالسيطرة على بلدة الحاضر الاستراتيجية جنوب حلب مساء الخميس قبل أن تكمل تقدمها أمس بالسيطرة على بلدة العيس وجبل العيس الملاصق لها، وعلى تل حدية المشرف على طريق حلب دمشق الدولي، والذي كان تحت سيطرة المعارضة السورية لتتمكن من قطع هذا الطريق في بداية توجهها نحو فكّ الحصار عن بلدتي الفوعة وكفريا، المواليتين للنظام والمحاصرتين من قبل قوات المعارضة بريف إدلب الشمالي، واللتين أصبحتا على بعد أقل من ثلاثين كيلومتراً فقط، من مناطق سيطرة النظام السوري بريف حلب الجنوبي.

اقرأ أيضاً: سوريون على أبواب فيينا: مواكبة اللقاء الدولي عن بُعد

المساهمون