حسابات سياسية تُكبّل البرلمان التونسي

27 أكتوبر 2015
عقد المجلس 51 جلسة عامة في عامٍ واحد(أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
لم تكن السنة البرلمانية الثانية في تونس، التي انطلقت الأسبوع الماضي، هادئة، بل رافقتها موجة من الانتقادات اللاذعة عبر مختلف وسائل الإعلام التونسية ومواقع التواصل الاجتماعي، ولم ينجُ نواب الشعب من المحاسبة الافتراضية ولا الإعلامية.

ووفقاً لمداخلات رؤساء الكتل البرلمانية في الجلسة الافتتاحية، يوم الثلاثاء الماضي، فإن السنة البرلمانية الأولى، لم تكن في مستوى الانتظار، وشهدت العديد من النقائص والتجاذبات السياسية، التي ظهرت في أداء المؤسسة التشريعية، وأثّرت على نتائج أشغالها بشكل مباشر، ما جعل رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، يتعهّد بإجراء إصلاحات جديدة خلال المرحلة المقبل.

ويُدرج من بين المآخذ، ما يتعلّق بدور المجلس التشريعي، الذي لم يتمكن من تركيز قوّته كأهم المؤسسات الدستورية. ومن الأسباب التي أفقدت المجلس نفوذه، هو ضعف دوره الرقابي على أعمال الحكومة، لعدم تمكن لجان التحقيق النيابية من العمل، بسبب غياب الإطار القانوني الذي ينظم أشغالها.

في هذا الصدد، يوضح عضو كتلة "حركة النهضة"، النائب العجمي الوريمي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من المآخذ والانتقادات الموجهة للمجلس النيابي، فإنه من المهم التذكير بأنه نجح في تحقيق التوافق في اتخاذ القرارات، وفي المصادقة على العديد من مشاريع القوانين، خصوصاً بين الكتلتين الأبرز في المجلس، وهما كتلة نداء تونس وحركة النهضة".

ويضيف الوريمي أنه "لا ننكر أن الدور الرقابي كان منقوصاً في الدورة السابقة، وذلك لعدم وجود آليات الرقابة المتمثلة في اللجان الخاصة، الموكول لها هذه المهمة على المستوى الجهوي والوطني. ولا يجب أن ننسى أيضاً أن المجلس في الفترة السابقة، كان ملزماً بجدول أعمال محدد سلفاً حول عدد من مشاريع القوانين، التي تمّ تأجيل النظر في بعضها منذ إنشاء المجلس الوطني التأسيسي، وهو ما عطّل الرقابة من جهة والدور التشريعي من جهة ثانية".

غير أن هذا لا يعني، وفقاً لرئيس كتلة "نداء تونس"، النائب محمد الفاضل العمران أنّ "المجلس لم يحقق أي نتائج". ويشير العمران في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المجلس تمكن خلال أشغاله بالدورة العادية والاستثنائية، من عقد 51 جلسة عامة، تمّت المصادقة خلالها على 43 مشروع قانون، في مقدمتها قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، وقانون المالية لسنة 2015، إلى جانب عقد أكثر من 270 اجتماعاً باللجان التشريعية".

اقرأ أيضاً: "المركز العربي" يشرّح انتخابات تونس 2014: خلاصات وظواهر 

من جهته، يعتبر المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "صورة البرلمان التونسي اليوم انعكاس لوضع البلاد ككلّ، وأيضاً لوضع الأحزاب السياسية، التي تعيش أزمات داخلية متفاوتة، وفي مقدمتها حركة نداء تونس، التي أضحت خلافاتها علنية. تماماً كما هو الأمر بالنسبة لحركة النهضة، لكنها كانت أكثر حكمة في ضبط النفس وعدم تصدير مشاكلها خارج أسوارها".

ويردف الحناشي أنّ "هذا الوضع انعكس على الحياة البرلمانية وعلى وظيفة المجلس الرقابية وغياب القرارات الجريئة، بسبب الغموض الكبير المرافق للوضع السياسي في البلاد، الذي يعود بدوره إلى عدم وضوح الرؤية وغياب النظرة الاستشرافية للأوضاع الإقليمية والدولية لدى العديد من الأحزاب".

أما أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد فيلفت، في حديثٍ لـ"العربي الجديد، إلى أن "الأمر لا يتعلّق بتحديّات مجلس نواب الشعب في حدّ ذاتها، بل بصراع التوازنات داخل المجلس، وفي التناقضات التي تشقّ الكتلة البرلمانية الواحدة، وتداعياتها على أعمال المجلس ووظائفه".

ويكشف سعيد أنّ "العمل الذي قام به مجلس نواب الشعب في السنة النيابية الأولى، تعلّق أكثره بمشاريع قوانين للموافقة على قروض. ولم يتغيّر العمل التشريعي في مستوى الاختيارات الكبرى منذ عام 1986، تاريخ الإصلاح الهيكلي الذي وضعه صندوق النقد الدولي وقبلت به تونس، وفي مستوى مشاريع القوانين المعروضة على المجلس اليوم. أما عن مشاريع القوانين ذات العلاقة بالمؤسسات، التي استحدثها الدستور الجديد، فلا تزال في طور المخاض، مثل مشروعي قانون المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية".

وأضاف سعيّد "تطغى الحسابات السياسية للكتل المختلفة على العمل التشريعي، وحتى في مراقبة العمل الحكومي. وكذلك الاستعداد للمحطات الانتخابية العتيدة، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الوطني". ويشير إلى أنه "في كلّ الأحوال لا تبدو الأوضاع مستقرة كما يُسوّق لذلك الكثيرون، فالجزء الأكبر من الشعب التونسي، الذي رفض الانخراط في العملية الانتخابية يُراقب وينتظر، وقد يكون له الكلمة الفصل في الأسابيع أو الأشهر المقبلة".

اقرأ أيضاً زوبعة التعيينات في تونس: غضب الموالاة ضد رئيس الحكومة

المساهمون