"ثورة السكاكين" تقوّض صورة نتنياهو الأمنية

14 أكتوبر 2015
وُصف نتنياهو بالجبان غير القادر على اتخاذ قرار(أندرو بورتن/Getty)
+ الخط -

نجحت مجموعة من الفتية الفلسطينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و19 عاماً في تحقيق ما فشل فيه المئات من الجنرالات المتقاعدين في جيش الاحتلال الإسرائيلي أو حتى في الاستخبارات، فضلاً عن قادة المعارضة ونخب أكاديمية وفكرية إسرائيلية، الذين حاولوا المسّ بصورة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كالسياسي الأكثر أهلية لإدارة شؤون الحكم.

على عكس ما كان مقرراً، لم تبحث الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها الأسبوعي، يوم الأحد الماضي، المقترحات التي قدّمها وزراء من الليكود والبيت اليهودي، بإطلاق العنان لمشاريع البناء في المستوطنات في القدس وأرجاء الضفة الغربية المحتلتين. ليس هذا فحسب، بل إنّ ديوان نتنياهو أوضح أنه تقرر تجميد مخطط بناء داخل منطقة ما يعرف بـ "حائط المبكى"  (المسمى الصهيوني لحائط البراق) غرب المسجد الأقصى، الذي أقرته حكومة الاحتلال في وقت سابق. وتصدى نتنياهو للضغوط التي مارسها الوزراء وقادة المستوطنين والنخب اليمينية، وأصرّ على عدم القيام بأية خطوة يمكن أن يفسّرها الفلسطينيون كاستفزاز. كما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي عدم السماح للوزراء ونواب الكنيست بالتوجه للحرم القدسي.

وقبيل الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها حكومة الاحتلال أمس الثلاثاء، نسف ارتباك نتنياهو وخشيته الواضحة من تداعيات التصعيد طوال الأيام الماضية، الصورة التي قدّمها لنفسه طوال عقدين من الزمن وقبِلتها الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين كـ"سيد الأمن"، القادر على حفاظ الأمن الشخصي والقومي للإسرائيليين. كان من المفارقة بالنسبة للكثيرين في إسرائيل أن يرفض نتنياهو حتى مقترح رئيس المعارضة اليسارية، إسحاق هيرتزغ، الذي طالب بإغلاق الضفة الغربية.

وعلى الرغم من الاعتراضات، حاول نتنياهو الاختفاء خلف بعض التقديرات المهنية التي قدّمها بعض قادة المنطقة الوسطى، والتي تشير إلى أنّ الإغلاق يزيد من دافع الفلسطينيين للانخراط في عمليات المقاومة بما يفضي إلى انتفاضة جماهيرية حقيقية، بحسب ما ذكر موقع "والا"، يوم السبت الماضي. علماً أنّ نتنياهو سبق له أن رفض الكثير من التقديرات المهنية التي قدّمتها المؤسسة العسكرية. ويعتبر كبير المعلّقين في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، الصحافي بن كاسبيت، سلوك نتنياهو، بأنّه يدلّ على "جبنه وخوفه من اتخاذ قرارات يكون لها تداعيات حاسمة".

وفي مقال نشره موقع الصحيفة، يوم الأحد الماضي، يقول كاسبيت، "يدور الحديث عن جبان، غير قادر على اتخاذ أي قرار حقيقي، وحتى عندما يتخذ مثل هذا القرار، سرعان ما يندم عليه، متخّذاً قراراً معاكساً. وعندما يتخذ القرار المعاكس، يبحث عن شخص يتبنى رأيه، ليدلّ على أن هناك من يشاركه الموقف". ويضيف كاسبيت، أن نتنياهو جلب محاميه الخاص، إسحاق مولخو، لجلسة الحكومة، الأحد، ليخبر الوزراء أنّ أي قرار باستئناف البناء في المستوطنات، يفترض أن يُغضب الأميركيين، وأنّه تلقّى إنذاراً من وزير الخارجية الأميركية، جون كيري يحذّره من إمكانية تصويت واشنطن لصالح أي قرار في مجلس الأمن، يدعو لقيام دولة فلسطينية في حال استؤنف الاستيطان في الضفة.

اقرأ أيضاً زعبي لـ"العربي الجديد": لا فرق بين نتنياهو و"زعران اليمين"

ويشير كاسبيت إلى أنّ الأميركيين فضحوا نتنياهو وأثبتوا كذبه عندما أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية، أن الإدارة الأميركية لم تقدم أي إنذار لإسرائيل. وبحسب كاسبيت، فإن خوف نتنياهو الحقيقي هو إمكانية انفجار الأوضاع الأمنية وليس خوفه من الأميركيين، مستذكراً تحديه للرئيس الأميركي باراك أوباما ومحاولاته الحثيثة التأثير على نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية السابقة، وإصراره على إلقاء خطاب في الكونغرس، عاكساً رغبة أوباما.

وأدى هذا الواقع إلى إضعاف مكانة نتنياهو كقائد أوحد لليمين، إذ بات وزراؤه ونواب حزبه لا يترددون في تحدّيه. وتذكر نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيفي حوطبيلي، أن نتائج الانتخابات الأخيرة هي استفتاء لصالح المشروع الاستيطاني، وألّا مبرر لوجود الحكومة الحالية في حال تخلّت عن مواصلة دعم وتوسيع المشروع الاستيطاني. وأشارت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي، إلى أن حوطبيلي نسفت ما قاله نتنياهو، أخيراً، عن أن حكومته معنية بحلّ الدولتين، عندما أكدت أن الحكومة الحالية لا يمكن أن تتبنى برنامجاً يقوم على مبدأ حلّ الدولتين.

لكن أكثر مظاهر تمرد قادة اليمين إحراجاً لنتنياهو، هو توجه وزراء كبار في الحكومة لمهاجمة السلطة الفلسطينية وتحميلها المسؤولية عن الأحداث، على الرغم من أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوضح في كل مناسبة أنه يفضل تهدئة الأوضاع. وقد وصل الأمر بوزير التربية والتعليم، نفتالي بينت، زعيم حزب البيت اليهودي إلى القول إنّ "عباس أنهى دوره التاريخي".

فتح تحطم صورة نتنياهو كـ"سيد أمن"، شهية قادة اليمين المتطرف، الذين وجدوا في الأحداث الأخيرة فرصة لتعزيز شعبية أحزابهم التي دلّت النتائج الانتخابات الأخيرة على تراجعها. وهناك ما يشير إلى أن قادة هذه الأحزاب، باتوا يستفيدون من خيبة الأمل الجماهيرية من نتنياهو. فقد دلّ استطلاع للرأي العام، أجري أواخر الأسبوع الماضي ونشرت نتائجه صحيفة "ميكور ريشون"، يوم الأحد، أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين ترى أن وزير الخارجية السابق، زعيم حزب "يسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، هو الأكثر أهلية لاستعادة الأمن.


اقرأ أيضاً: المواجهات تستنزف قوات الاحتلال وتضطره لاستدعاء الاحتياط