يؤكّد عدنان أبو عودة، المستشار السياسي للملك الأردني الراحل، الحسين بن طلال، أن إسرائيل فرضت على العرب حرب العام 1967 من دون أن يكونوا مستعدّين لها، واصفاً الترويج الإسرائيلي للحرب على اعتبارها حرباً استباقية، بـ"الكذبة التي روّجتها إسرائيل وصدّقها العرب".
أبو عودة، الذي نصح عشية الحرب، وكان يومها ضابطاً في دائرة الاستخبارات الأردنية، بعدم المشاركة فيها، يؤكد أنه كان متيقناً من الهزيمة. لكنّ نصيحته كانت محل استهزاء من قبل مدير الاستخبارات في ذلك الحين، على حد تعبيره.
ويرى أبو عودة، في لقاء مع "العربي الجديد"، أن حرب يونيو/حزيران، أخرجت الدولة العبرية من أسوأ مراحل وجودها الممتدة بين عامي 1949 و1967، ونقلتها من موقع اللاهث باتجاه السلام، الى موقع المتمنّع.
ــ كيف كانت الأجواء السائدة في العالم العربي قبل الحرب؟
* قبل الحرب، كان العرب منقسمين الى قسمين: قسم يميل باتجاه المعسكر الاشتراكي الذي يتزعمه الاتحاد السوفياتي، وآخر صديق للغرب. وكانت حالة التوتر بين الحكومات العربية هي السائدة في ظل خوف كل طرف من الآخر. وكان هذا الانقسام والتوتر محل سعادة إسرائيل، إذ أدّى إلى انشغال العرب عنها بصراعاتهم الداخلية. وإسرائيل كدولة محكوم عليها بالإعدام نظرياً، كانت تدرك أن بقاءها مرهون بعدم اتحاد الجسم العربي، وبضرورة أن يبقى منشغلاً في حروبه البينية، وهو ما كان واقعاً.
ــ معنى ذلك أن العرب لم يكونوا يتحضرون للحرب؟
* الاستعداد العربي للحرب تم قبل أشهر قليلة من وقوعها، ولم يكن العرب يرغبون بتلك الحرب ولم يتم الاعداد لها.
ــ كيف ذلك وإسرائيل أعلنت أنها شنت حرباً استباقية خوفاً من هجوم عربي عليها؟
* لعبت الخلافات العربية دورها في اندلاع الحرب؛ بعدما انفصلت سورية عن مصر عام 1961، أراد السوريون استفزاز الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فكرروا بشكل مستمر أنهم مستهدَفون، وأن اسرائيل تتحضر لشن حرب قريبة، ونجحوا في استفزاز عبد الناصر الذي كان يقدم نفسه كحامي العرب، لكنه كان غير مستعد للحرب، ولا يرغب فيها ليقينه بأنه عاجز عن مواجهة إسرائيل وإلحاق الهزيمة بها. وتطور الأمر بعد القمة العربية التي عقدت عام 1964، والتي أقرّت خطة عربية لمواجهة تحويل إسرائيل مجاري نهر الأردن، وهو ما أغضب إسرائيل التي هددت سورية، وخصوصاً أن نهر الأردن ينبع من لبنان والهضبة السورية، فهوّل السوريون حول التهديدات الإسرائيلية، وتحدثوا عن حشود معادية على حدودهم، ما جعل القيادة المصرية تُستفز.
أرسل عبد الناصر الاستخبارات المصرية إلى الجولان، وأكدت تقاريرها عدم وجود حشود إسرائيلية باتجاه سورية، وهو ما أكدته الاستخبارات السوفياتية أيضاً.
ــ هل وقع العرب في فخ نصبوه لأنفسهم؟
* كانت إسرائيل تخطط لتوجيه ضربة وقائية لعبد الناصر قبل أن تتعاظم قوة مصر، وتشكل تهديداً حقيقياً عليها، ووجدت في قرار عبد الناصر في مايو/أيار بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، اعلاناً للحرب، وأتساءل هنا عن سر الاستجابة السريعة من قبل الامم المتحدة لطلب مصر سحب قوات الطوارئ، وأعتقد أن تلك الاستجابة سرّ لم يتم إماطة اللثام عنه حتى الآن. تحولت الأوضاع في المنطقة، بعد سحب هذه القوات، إلى حالة حرب، كانت لإسرائيل المبادرة، فضربت مصر، واضطر العرب لدخول المعركة، وقدمت إسرائيل الحرب على اعتبارها حرباً استباقية رغم عدم وجود أي دليل أو اشارة إلى أن مصر كانت تنوي اعلان الحرب، والمشكلة ان العرب صدقوا الرواية الاسرائيلية عن الحرب الاستباقية.
ــ كان لك موقف معارض لدخول الأردن الحرب؟
* في ذلك الوقت، كنتُ ضابطاً في دائرة الاستخبارات الأردنية، وعندما نشبت الحرب، توجهت الى رئيس دائرة الاستخبارات، محمد رسول الكيلاني، أحمل ورقة أرجوه فيها أن يرجو الملك عدم التورط في الحرب، وكنت أدرك أن إسرائيل لن تهزم، مستدلاً على ذلك بأنها من يدفع باتجاه الحرب التي لا يريدها عبد الناصر. وقدرتُ أنه إذا دخلنا الحرب، وتم احتلال الضفة الغربية من المملكة، فإن اسرائيل لن تخرج منها أبداً. ولاحقاً عرفت ان رئيس الوزراء السابق وصفي التل نصح الملك أيضاً بعدم دخول الحرب.
ــ ماذا كان رد الفعل على نصيحتك؟
* كانت محل استهزاء مدير الاستخبارات محمد رسول الكيلاني، فما كان مني إلا أن مزقت الورقة التي كنتُ أحملها بعد مغادرتي مكتبه. والمفارقة أنه وبعد عشرة أيام من الحرب، طلبني الكيلاني، وسألني عن الورقة، فأخبرته بأنني مزقتها.
ــ وصلت النصيحة للملك من قبل وصفي التل، لماذا رفضها ودخل الحرب؟
* دخل الملك الحرب دفاعاً عن نفسه، فقد قال معللاً دخول الحرب "إذا ما دخلت، والله لن استطيع الوقوف امام الجيش لأنه سيف ضدي، واذا انكسرت مصر من دون دخولنا الحرب، سيتم تحميلي سبب انكسارها". وبذلك، دخل الحرب وهو يدرك ان الهزيمة تنتظر العرب.
لو أردت أن أكون أكثر انصافاً لتفكير القادة العرب في ذلك الوقت، أعتقد أنهم قدروا ان الامم المتحدة ستخرج اسرائيل من الاراضي التي احتلتها، كما حدث مع مصر في الحرب بعد العدوان الثلاثي، عندما أجبرت أميركا والاتحاد السوفياتي، إسرائيل، على الخروج من الاراضي المصرية. وذلك التفكير لدى القادة العرب، كان عائداً الى جهلهم وعدم فهمهمم للحركة الصهيونية.
ــ سرت شائعات عن عدم انسجام القيادة العسكرية الموحدة، وجرت حملة تخوين بعد انتهاء الحرب. ما حقيقة الأمر؟
* ليس الأمر كذلك، تحديداً بخصوص القيادة الموحدة. كان هناك تضارب في وجهات النظر، وأذكر أن الجنرال الاردني عاطف المجالي نصح القيادة اثناء المعركة، بجمع الجيوش العربية المقاتلة في الضفة الغربية، للدفاع عن القدس، وكان مبرره أن الحفاظ على القدس وعدم سقوطها سيرغم اسرائيل بعد وقف اطلاق النار، على إعادة الضفة الغربية، وفي تقديري ان ذلك الموقف كان من الحكمة العسكرية الكبرى، لكنه رٌفض من قبل القيادة الموحدة. وبعد انتهاء الحرب، نجا الأردن من التخوين عندما دافع عبد الناصر عنه، فيما بقيت شبهة الخيانة تلاحق سورية التي تأخرت في دخول الحرب.
ــ هزم العرب، لكنهم أعلنوا رفضهم لتلك الهزيمة، وأقروا في قمة الخرطوم اللاءات الثلاث. هل كان ذلك بمثابة نصر سياسي بعد الهزيمة العسكرية؟
* قمة الخرطوم لا قيمة لها، فهم العالم أن ما حدث في القمة سلوك بسيكولوجي من قادة مهزومين. كما هُزم العرب سياسياً تماماً كما هزموا عسكرياً، فإسرائيل استطاعت من خلال الحرب الخروج من أسوأ مراحل وجودها الممتدة بين عام 1949 وحتى 1967، والتي كانت تعاني خلالها من العزلة والحصار والمقاطعة الشديدة من قبل العرب. هي المرحلة التي كانت تلهث باستمرار خلف السلام مع العرب، وبعد الحرب أصبحنا نحن مَن يلهث خلف السلام، وإسرائيل هي من تتمنع.
ــ اليوم، وبعد 47 عاماً على النكسة، ماذا ينتظر العرب؟
* لا يزال الفلسطينيون والعرب ينتظرون الجواب المطمئن، وبعدما تنازلوا كثيراً، أصبحوا ينتظرون الموافقة الإسرائيلية على دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، واعتقد أنه لم ولن يتم إعطاء العرب هذا الجواب أبداً.