إعادة التحقيقات بـ"المطرقة" التركية: استقلالية القضاء أم نكسة لأردوغان؟

20 يونيو 2014
أحد المفرج عنهم من المتهمين بقضية "المطرقة" (الأناضول)
+ الخط -

لا تتوقف مسلسلات الاثارة السياسية في تركيا، سياسياً وأمنياً. ويُتوقَّع أن تنشغل الساحة التركية في الأيام المقبلة، بخبر إصدار المحكمة الدستورية التركية قراراً بإعادة النظر في قضية محاولة الانقلاب الفاشلة التي استهدفت حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في العام 2003، المعروفة إعلامياً بقضية "المطرقة"، التي أُدين في إطارها حوالي 300 عسكري في العام 2012 ، بينهم جنرالات في الجيش. وأوضحت المحكمة، أمس الخميس، أنه ستتم إعادة التحقيق في القضية نظراً لاحتواء أوراق القضية على معلومات خاطئة ومتناقضة، ولما حدث من خروقات شابت عملية الاستماع لأقوال المتهمين ونقص أدلة الإدانة.

ورحّبت الحكومة بقرار المحكمة الدستورية العليا الذي اتخذ بإجماع جميع الأعضاء، وذلك على لسان إردوغان نفسه، في مؤتمر صحافي قبيل زيارته إلى أثينا، قائلاً إنه "عندما كنتُ أول من تحدث عن إعادة المحاكمة، سخر البعض من ذلك، أتمنى أن تأخذ العدالة مجراها". وأشار إلى أن حزب العدالة والتنمية هو من سمح للمواطنين كأفراد بالتقدم إلى المحكمة الدستورية العليا، الأمر الذي أفضى إلى هذه النتيجة.

على الرغم من أن قرار المحكمة الدستورية لا يعني تبرئة قيادات الانقلاب المزعوم، إلا أن المعارضة التركية، مدفوعة بمبدأ الاعتراف بالجميل للضباط والجنرالات الذين يحاكمون الآن والذين كانوا جزءاً من مؤسسة وضعت أحزاب المعارضة في السلطة بعد انقلابات عدة، أشادت بقرار المحكمة الدستورية. وفي السياق، أعرب رئيس حزب الحركة القومية التركية، اليمينية المتطرفة، ثاني أكبر أحزاب المعارضة التركية، دولت بهتشهلي، عن ترحيبه بقرار المحكمة الدستورية. كما طالب رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، إردوغان بالخروج إلى الشعب و"الاعتذار" عن" قضية المطرقة".

تأتي هذه الإفراجات بعد يوم واحد فقط من الحكم بالمؤبد ضد ضابطَين لا يزالان على قيد الحياة ممن قاموا بانقلاب العام 1980، وهما الجنرال المتقاعد، رئيس الجمهورية الأسبق كنعان إفرين، البالغ من العمر 97 عاماً، والجنرال المتقاعد تحسين شاهين كايا، 89 عاماً. ويُعتبر هذا الانقلاب من أكثر الانقلابات دموية، والذي كان شرارة إطلاق حزب العمال الكردستاني حركته المسلحة.

تختلف الآراء حول ما جرى، ويعتبر بعض الكتاب المعارضين أن الأمر لا يعدو كونه محاولة تجميل لوجه الحكومة التركية التي تريد أن تنشئ نوعاً من التحالف مع الضباط السابقين والعسكر في وجه "حركة الخدمة" بقيادة الداعية الديني فتح الله غولن. وتفيد رواية المعارضين، بأنه في سبيل ذلك، قامت الحكومة بخطوة استباقية عبر محاكمة من لا يزال على قيد الحياة من الجنرالات المسؤولين عن انقلاب 1980، على الرغم من معرفتها بأن هذه المحاكمة هي صورية و"لا تعني شيئاً الآن". وذهب البعض إلى أن الحكومة التركية لا تحاول أن تصنع أي إصلاحات حقيقية، بل تريد إبقاء و ضع الجيش على ما هو عليه، وأنها تقوم بترقية العديد من الضباط الشباب الموالين لها، في محاولة للسيطرة على الجيش.

أما بالنسبة لعدد من المحللين المقربين من الحكومة، فالأمر لا يعدو كونه حكماً قضائياً حراً يثبت استقلالية السلطة القضائية، ويمضي بتركيا نحو دولة أكثر عدالة وتصالحا مع تاريخها. أما محاكمة انقلابيي 1980، فهو أمر كان لابد منه بحسب الكتّاب الموالين، للاقتصاص ولو بشكل رمزي لـ650 ألف معتقل كانوا ضحايا جنرالات الانقلاب، و517 ممن تم إعدامهم، ولآلاف القتلى الذين سقطوا بعد اندلاع التمرد الكردي. ويرى هؤلاء أن إعادة محاكمة المتهمين بقضية "المطرقة"، كانت أمراً لابد منه، متهمين "الدولة الموازية"، أي حركة "الخدمة"، بتدبير مؤامرة ضد الجيش التركي لإيداع أفراده بالسجن، كما أكد في وقت سابق كبير مستشاري إردوغان، يالجين دوغان.

لا تزال تركيا تمر بمرحلة حساسة من تاريخها السياسي، وذلك بإعادة محاسبة جميع الضباط الذين قادوا الانقلابات، بعملية تشبه تلك التي جرت في كل من الأرجنتين وتشيلي والكثير من الدول الأخرى التي دخلت مسار التحول الديمقراطي. وفي هذا السياق، كانت الحكومة التركية، بقيادة حزب العدالة والتنمية، قد قامت بالكثير من الإصلاحات في عامَي 2003 و2004، لكبح جماح المؤسسة العسكرية، ومنعها من التدخل في السياسة. إلا أن هذه الإصلاحات، بحسب الكثير من المحللين، لا تزال غير كافية، بدليل أنه لم تُتّخَذ أي خطوة حتى الآن لجعل المؤسسة العسكرية أكثر شفافية. كما أنه ليس لوزارة الدفاع أي تأثير أو سلطة على المؤسسة العسكرية التي لا يستطيع أحد محاسبتها أو معرفة موازنتها، ولم يتم حتى الآن فتح ملفات المجازر التي تتهم المؤسسة العسكرية بارتكابها.
وكانت صحيفة "طرف" التركية، أول من كشفت، في 20 يناير/كانون الثاني 2010، عن تفاصيل محاولة الانقلاب، إذ قام، بحسب الصحيفة، قائد الفرقة الأولى السابق الجنرال المتقاعد جتين دوغان، بإعداد مخطط للإطاحة بالحكومة في عام 2003، أي بعد عام واحد من تولي حزب العدالة والتنمية السلطة. 
ونشرت الصحيفة في حينها شريطاً صوتيّاً للجنرال دوغان، بثته وسائل الإعلام، أثناء محاضرة في منتدى عسكري يتحدث فيها عن تفاصيل متعلقة بالمخطط. وكتبت الجريدة أن المخطط يتضمن خطة انقلابية تنص على القبض على نحو 200 ألف شخص يُحتمل أن يقاوموا الانقلاب، وتوقيفهم في ملاعب كرة القدم، والقيام بعمليات اعتداء على المساجد وإسقاط طائرة حربية تركية عند حدوث تحرش جوي مع المقاتلات اليونانية بهدف تهيئة الأجواء لتوتر يمهد الطريق لإحداث انقلاب عسكري.