المنطقة لطالما اعتبرت صلة وصل بين دمشق ومحافظة حمص في وسط سوريا، وامتداداً جغرافياً حيوياً بالنسبة للنظام السوري، على صعيد الإمدادات العسكرية والسيطرة السياسية. ولذلك كان واضحاً أن النظام يريد السيطرة على يبرود، مهما كلفه الأمر، بهدف قطع خط الإمداد الرئيسي لمقاتلي المعارضة من بلدة عرسال (ذات الأغلبية السنية في شرق لبنان)، والإطباق على ريف دمشق، وقطع طرق الإمداد إلى الغوطة وحمص.
وبما أن المفاوضات في جنيف لم تنجح، كان لا بد من استغلال الوقت لشن هجوم واسع وشامل على القلمون، ويبرود على وجه التحديد، بغية تعزيز موقع الوفد الحكومي خلال أي مفاوضات مقبلة.
كان من الواضح أن سيناريو حصار يبرود صعب جداً على قوات النظام ومقاتلي حزب الله على حد سواء، ما اضطرهم إلى إحكام الخناق شمالاً (النبك وجراجير والسحل)، والتقدم من جهة الشرق في مزارع ريما، التي دارت فيها أعنف الإشتباكات.
أما من الجهة الجنوبية والغربية فلم يكن بالإمكان حصار يبرود لاعتبارات عدة. من الجهة الغربية، توجد منطقة رأس المعرة وفليطة وبعدها جرود عرسال. وهي مناطق شاسعة وتسيطر عليها كتائب المعارضة، ولا توجد ثكنات لجيش النظام أو مناطق قريبة تابعة للنظام. أما من الجهة الجنوبية، تقع جبال القلمون وحوش عرب ومزارع رنكوس.
في مقابل الاجراءات التي اتخذها النظام، عززت فصائل المعارضة، ولا سيما "الجهادية" منها، تحصينات عسكرية استغرق الإعداد لها حوالي سنتين ونيف، مستندة إلى طبيعة جغرافية قاسية قريبة الشبه من طبيعة جبال "تورا بورا" في أفغانستان. ولعل هذا الخطأ القاتل الذي ارتكبته الفصائل التي كانت مولجة بالسيطرة على التلال المشرفة على يبرود مثل تلة مارون الاستراتيجية والعقبة. وأدى خسارة هذه التلال إلى جعل يبرود هدفاً مكشوفاً من كل الجهات.
وما أن انقشع غبار المعركة حتى بدأت الأصوات تتعالى بين الثوار عن سبب سقوط يبرود وتخاذل الكثيرين عن نصرتها. كما تبادلت أطراف المعارضة الاتهامات حول من يتحمل مسؤولية هذا السقوط.
جبهة "النصرة "على لسان المتحدث الرسمي باسمها في القلمون، عبد الله عزام الشامي، حمّلت مسؤولية ما جرى لفصائل من الجيش الحر، "الذين فروا من تلال العقبة القريبة من يبرود بعد سقوطها". كما اتهمهم الشامي بأنهم "أشاعوا خبر سقوط يبرود ليبرروا هروبهم أمام الاعلام والممولين". وأضاف "اجتمع قادة هذه الفصائل وقرروا الانسحاب من يبرود دون أي مقاومة وتسليمها للجيش ولمليشيا حزب الله".
هذه الإتهامات رفضها ناشطون على الأرض، معتبرين أن انسحاب الجيش الحر من يبرود لم يكن اعتباطياً وإنما لاعتبارات تكتيكية.
الناشط ابو الهدى الحمصي، يرى أن النظام مارس سياسية التدمير الشامل في يبرود، إذ كان يسقط في كل يوم اكثر من 30 برميلاً متفجراً، ونُفّذت كل يوم أكثر من 20 غارة على المنطقة. وأطلق في كل يوم أكثر من 30 صاروخاً من نوع أرض أرض، فضلاً عن صواريخ بركان والصواريخ قصيرة المدى التي أطلقها عناصر حزب الله.
ويوضح الحمصي أن "النظام السوري اتبع سياسية تدمير وسياسية عقاب جماعي قطع خلالها كافة الطرقات إلا طريقاً واحداً تركه مفتوحاً هو طريق فليطة وعسال الورد ورنكوس، من أجل ترك الباب موارباً لمن يريد الخروج". وأضاف "على الرغم من ذلك، فإن خسارة يبرود لا تعني نهاية المعارك. فهي مستمرة حتى هذه اللحظة". وتابع: "أنا أؤكد لك أن النظام السوري حتى هذه اللحظة لم يجرؤ على دخول بعض الأماكن خوفاً من مباغتة الثوار أو حدوث أي أذى لهم".
وعن توصيفه للمشهد الميداني ليبرود لدى اقتحام قوات النظام ومقاتلي حزب الله، يقول الحمصي: "دخلت المليشيات الطائفية صباح يوم الأحد ووصلت إلى وسط المدينة وكان المشهد في الحقيقة صعباً جداً لدى بعض الاهالي الذين اختاروا البقاء داخل يبرود". وأضاف "قامت هذه المليشيات كعادتها عند أي اقتحام بعمليات سرقة ونهب وتدمير لمنازل المدنيين وعمليات تصفية للموالين وللمعارضين على حد سواء الذين اختاروا البقاء في المدينة".
وحول مصير عائلات يبرود بعد اقتحام قوات النظام وحزب الله لها، يقول الحمصي: "قبل الإنسحاب التكتيكي من المنطقة، قام الثوار والكتائب الإسلامية بإخراج حوالي 6 آلاف عائلة من عوائل يبرود حتى لا تطالهم نيران مقاتلات الأسد، التي نفذت الجمعة الماضية 20 طلعة جوية على المنطقة، غيرت ملامح المنطقة، تمهيداً لتقدم قوات النظام وحزب الله على الأرض". وأضاف "10 في المئة من هذه العائلات دخلت إلى عرسال اللبنانية، والبعض ذهب إلى دمشق ممن هم غير مطلوبين للنظام والبعض الآخر ذهب إلى قرى القلمون بينها عسال الورد، رنكوس، وفليطة".
يبرود والسقوط المعنوي
يرى الناشط تيم القلموني، أن ما حصل في يبرود كان نتيجة للكثير من التخبطات والخطط والمجريات غير المتوازنة على الارض. فبعد أكثر من شهر من المعارك بدأ الإرهاق بالتفشي والضغط في تزايد، والأهم الإشاعات التي أحبطت الكثيرين.
وأوضح أنه "في اليوم الثلاثين ظهرت الإشاعة بأن يبرود سقطت، وتناولت وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) الخبر وكأنه مسلّم به، بالاعتماد على مصدر عسكري سوري على الرغم من أن قوات النظام آنذاك لم تكن قد خطت خطوة واحدة داخل حدود يبرود". وأضاف "كان السقوط المعنوي الأول، فانسحب من انسحب على وقع الإشاعة وصمد الثوار الذين تم إمدادهم من فصائل معروفة بقوتها".
ولفت إلى أن "هذا الثبات والتدخل أفشل الإشاعة وأعاد يبرود من جديد للحرية". لكنه أوضح "أن هذه العودة التي لم تطل طويلاً لوجود بعض المهملين". القلموني يصر على أنهم "مهملين و ليسوا خونة كما يشيع البعض". ويقول: "من صمد و قاتل وتحمل 33 يوماً لن يأتي و يبيع في اللحظات الأخيرة". وخلص إلى القول: "عموماً درس يبرود ليس الأول وكل ما أخشاه أن لا يكون الأخير ... فالتكرار عنوان ثورتنا".