يُحصي سياسيون ومراقبون للشأن العراقي، 11 مبادرة تقدمت بها أطراف سياسية مختلفة لحل أزمة تشكيل الحكومة العراقية والمضي بالاستحقاقات الدستورية خلال الأشهر الماضية، أخفقت جميعها في التقريب بين معسكري الأزمة الرئيسيين: "التيار الصدري" وتحالف "الإطار التنسيقي".
وتعد أزمة تشكيل الحكومة الجديدة واحدة من أعقد الأزمات السياسية التي يشهدها العراق منذ عام 2003، لتضع بغداد أمام سيناريوهات عديدة من أبرزها حلّ البرلمان الجديد وإعادة الانتخابات، مع استمرار بعض الأطراف المتصارعة بالتلويح بورقة تحريك الشارع عبر أنصارها كورقة ضغط جديدة.
ويدخل العراق غدا الجمعة، الشهر الثامن على إجراء الانتخابات التشريعية في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، والتي أفضت عن نتائج خارجة عن مألوف الانتخابات السابقة، بعد اعتماد نظام الدوائر الانتخابية المتعددة وتنظيم إجراءات رقابة واسعة حدت من عمليات التزوير والتلاعب.
وفاز التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر بالمرتبة الأولى بواقع 73 مقعدا في البرلمان بفارق كبير عن أقرب منافسيه من القوى العربية الشيعية، وتراجع مقاعد القوى الحليفة لإيران إلى 17 مقعدا لتحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، و33 مقعدا لتحالف "دولة القانون"، وهو ما يبقيهما مجتمعين أقل بكثير من مقاعد التيار الصدري الذي استأثر بأغلب مقاعد المدن والمحافظات الجنوبية.
ومنذ نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، شهد العراق عدة وساطات إيرانية قادها زعيم "فيلق القدس"، الإيراني إسماعيل قاآني، إلى جانب مسؤولين آخرين أبرزهم حسن دنائي فر، والسفير السابق إيرج مسجدي، فضلا عن القيادي بحزب الله اللبناني محمد كوثراني، ولم تتمكن من حلحلة الأزمة أو حتى التقريب بين طرفيها، بالمقابل أطلقت قوى سياسية عراقية مبادرات عديدة وبصيغ وحلول مختلفة لم يحالفها الحظ هي الأخرى.
ومن ضمن 11 مبادرة حتى الآن، كانت 3 منها للإطار التنسيقي، و3 أخرى للتيار الصدري، ومبادرة للنواب المستقلين، ومبادرة لحركة "امتداد" المدنية، ومبادرة للقوى السياسية السنية، ومبادرتان القوى الكردية، دون أن تفضي إلى أي حلول لغاية اليوم الخميس.
وفي التطورات الأخيرة تكشف معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، عن تعثر مبادرة مُعدة من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني بسبب تحفظ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على بعض بنودها، وهو ما يعني أن المبادرة التي كشف النقاب عنها الأسبوع الماضي، عبر قيادات كردية مختلفة، قد لا تُعلن رسميا كما كان متوقعا بعد نهاية انتهاء مهلة الصدر البالغة شهرا واحدا مطلع الأسبوع المقبل (الاثنين المقبل).
وفي هذا السياق، يُفصّل أعضاء في تحالف "الإطار التنسيقي"، أسباب فشل تلك المبادرات بما يصفونه بـ"تزمت"، بعض الأطراف وعدم تقديم التنازلات.
ويقول عضو تحالف "دولة القانون"، المنضوي ضمن "الإطار التنسيقي"، والنائب في البرلمان، جواد الغزالي لـ"العربي الجديد"، إن "فرض الإرادات وتعمد إقصاء الإطار التنسيقي المكون السياسي الأكبر للشيعة سبب رئيس في ما وصلت إليه الأزمة السياسية وفشل أي مبادرة تصدر من أي طرف للحل".
ويضيف الغزالي أنه "رغم ما نراه أكيدا من أن عملية تزوير حصلت للانتخابات ونوايا مسبقة مشبوهة لاستهداف قوى الإطار التنسيقي، فإن التشبث بالمصالح وفرض والشروط المسبقة هو السبب في استمرار الانسداد السياسي وعدم نجاح أي مبادرة "، موضحا أنه "لن تنجح مبادرة جديدة مع وجود أسباب فشل المبادرات السابقة، حتى وإن تَدخّل طرف خارجي".
وقال عضو في التيار الصدري ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إن مقاومة مقتدى الصدر للضغوط الإيرانية ورفضه أي إملاء خارجي طول الأشهر السبعة لتشكيل الحكومة يجب أن يكون محل تقدير من القوى الوطنية لا العكس".
ويضيف، مشترطا عدم الكشف عن اسمه بسبب منع الصدر أعضاء تياره الإدلاء بتصريحات سياسية متعلقة بالأزمة الراهنة وحصرها بالهيئة السياسية للتيار الصدري، قائلا إن "رفض المبادرات لأنها إما كانت قائمة على تنازل الصدر عن حقه الانتخابي بتشكيل الحكومة، أو العودة الى التكتل الطائفي بما يعرف بـ(الكتلة الكبرى) وتفكيك تحالفه الحالي مع العرب السنة والكرد في تحالف (إنقاذ وطن) ومبادرات أخرى أساسا لم تكن منطقية وكان الغرض منها المناكفة أو إطالة الوقت"، وفقا لتعبيره.
وأكد أن الصدر "زار بغداد مرتين واجتمع مع قادة الإطار التنسيقي في أحدها لحل الأزمة، لكنهم هم من يرفض واتجهوا بدلا عن ذلك إلى الضغط على السنة والكرد بوسائل عدة لإقناعهم بالتخلي عن شراكتهم مع الصدر".
بدوره، يقول النائب المستقل ناظم الشبلي لـ"العربي الجديد"، إن المبادرات بالمجمل متشابهة في ما بينها، لكن المشكلة ما زالت بين طرفي الأحزاب الشيعية وهي مشكلة قائمة في حقيقتها على الاعتراف بالحجوم والخوف من الإقصاء، أما الكرد فيعيشون أزمة رئاسة الجمهورية التي لاتزال تراوح مكانها"، مضيفا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، حث المستقلين على قيادة مبادرة جديدة أيضا لتقريب وجهات النظر والفكرة لم تنجح أيضا.
من جهته، يطرح النائب باسم خشان فكرة أخرى وهي قبول طرفي الأزمة؛ التيار الصدري، والإطار التنسيقي، بأن يشكل المستقلون والمدنيون الحكومة ودعوة الأطراف الأخرى للالتحاق بهم، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن المستقلين هم الأكثر قدرة حاليا على أن يكونوا مخرجا لهذه الأزمة وحل تسوية ويجب ان تتاح لهم الفرصة أو بالأحرى يجب أن يبادروا هم لأخذ مكانتهم بمثل هذه الظروف السياسية التي تمر بها البلاد".
وحول المشهد، يقول الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد التميمي، إن "الكتلة الصدرية كانت صاحبة أولى المبادرات السياسية، وأعلن برنامجه لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، لكن مسألة رفض القوى الأخرى المضي بهذا الخيار، وإصرارها على حكومات التوافق والمحاصصة كان العائق الأول والرئيس أمام حل الأزمة". واعتبر أن مبادرات لتحالف "الإطار التنسيقي"، كانت ذات "صبغة خارجية"، في إشارة إلى الحراك الإيراني السياسي داخل العراق بهذا الإطار.
ويضيف: "قوى الإطار التنسيقي تعتقد أن خسارتها في الانتخابات، لا تعني تراجع تمثيلها بالحكومة، وتعتمد مبدأ أن ثقلها السياسي ليس بعدد المقاعد النيابية التي حصلت عليها، وهذا غير ممكن في العملية الديمقراطية. الفائز يجب أن يكون هو صاحب القرار الأول في الحكومة التي تتشكل بعد الانتخابات".