المواجهة الأميركية الإيرانية: تحشيد دبلوماسي يسبق مؤتمر وارسو

12 فبراير 2019
احتشد الإيرانيون بمئات الآلاف في شوارع طهران(فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -
عشية مؤتمر وارسو، الذي يعقد غداً الأربعاء وبعد غد الخميس، بدعوة من الولايات المتحدة لبحث الأوضاع في الشرق الأوسط، تحديداً ملف إيران وسبل كبح نفوذها المتسع إقليمياً من سورية إلى العراق ولبنان وحتى اليمن، فضلاً عن التوقعات باستغلال أميركا للمؤتمر لبدء الترويج لخطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة باسم "صفقة القرن"، بدا واضحاً حجم التحشيد المتبادل بين الأميركيين والإيرانيين، والذي انخرط فيها بشكل مباشر المسؤولون السياسيون والعسكريون.
وبينما بدأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أمس الاثنين، من المجر جولة أوروبية بهدف إنجاح المؤتمر البولندي وزيادة الضغط على إيران، لا سيما بعدما نأى وزراء خارجية الدول الأوروبية الرئيسية فضلاً عن مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، وروسيا، عن المؤتمر الذي يحضره رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزراء خارجية عرب، كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يصوب على المؤتمر والولايات المتحدة من العاصمة اللبنانية بيروت، التي أعلن وزير الخارجية فيها جبران باسيل مقاطعة المؤتمر. في موازاة ذلك، كان العسكر، تحديداً في طهران، يستغلون إحياء الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، أمس، للتهديد بأنه في حال مهاجمة إيران "سنمحو تل أبيب وحيفا من على وجه الأرض".
وبذلك يبدو المشهد في الأيام المقبلة مقبلاً على مواجهة مفتوحة، على الأقل سياسياً، بين الولايات المتحدة وإيران، في استكمال للتصعيد الذي كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد بدأه بانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران في مايو/ أيار الماضي، ومن ثم إعادة فرض العقوبات على دفعتين على طهران. أما حجم وطريقة انخراط الدول الإقليمية، تحديداً إسرائيل وبعض الدول العربية التي انتقلت من مرحلة التطبيع السري إلى العلني مع إسرائيل، إلى جانب دول أخرى، في هذه المواجهة، فيبقى رهناً بالتفاهمات التي سينتهي إليها المؤتمر. 

وبالنسبة إلى بومبيو، فقد بدأ جولته الأوروبية من العاصمة المجرية بودابست، ملتقياً رئيس الوزراء المجري فكتور أوربان، المعجب بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغم أن تقاربه مع روسيا والصين يزعج الولايات المتحدة. واللافت في الزيارة أنها أول زيارة رسمية من إدارة ترامب للحكومة المجرية، التي تعدّ من بين الداعمين القلائل للرئيس الأميركي في اتحاد أوروبي تنتقد معظم دوله هجمات ترامب ضدّ التعددية ودبلوماسيته التي لا يمكن التنبؤ بها. ويستكمل وزير الخارجية الأميركي جولته، اليوم الثلاثاء، بزيارة سلوفاكيا ثمّ بولندا.

وقال مسؤولون بالإدارة الأميركية إن "بومبيو يسعى خلال جولته لتعويض نقص الوجود الأميركي، الذي فتح الطريق أمام قدر أكبر من النفوذ الصيني والروسي في وسط أوروبا". وستركّز معظم زيارة بومبيو لبولندا على مؤتمر وارسو، الذي سيحضره نائب الرئيس الأميركي مايك بنس.

في موازاة ذلك، استغلّ الإيرانيون الذكرى الـ40 للثورة الإيرانية، أمس الاثنين، لإطلاق سلسلة مواقف مضادة للأميركيين والإسرائيليين على حدّ سواء، فأكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن "المؤامرة الأميركية" ضد بلاده "مصيرها الفشل". وبعدما دان "مؤامرة الولايات المتحدة والصهاينة والدول الرجعية في الشرق الأوسط" ضد بلده، قال روحاني إن "وجود الشعب في كل شوارع جمهورية إيران الإسلامية يعني أن العدو لن يحقق أبداً أهدافه الشيطانية". وندد في ميدان آزادي (الحرية) بما وصفها بـ"الجهود الأميركية لعزل إيران"، مضيفاً أن "العقوبات الأميركية لن تقصم ظهر الجمهورية الإسلامية".

وأضاف روحاني "لن ندع أميركا تنتصر. واجه الشعب الإيراني وسيواجه بعض الصعوبات الاقتصادية، لكننا سنتغلب على المشاكل بمساعدة بعضنا البعض". وقال: "شهد العالم أن إيران عندما قررت مساعدة شعوب سورية والعراق ولبنان وفلسطين واليمن حققت النصر. الأعداء يعترفون الآن بهزيمتهم". ونقل التلفزيون الرسمي عن روحاني قوله أيضاً إن "إيران عازمة على تعزيز قوتها العسكرية وبرنامجها الصاروخي البالستي، على الرغم من الضغوط المتنامية من الدول المعادية"، لكبح أنشطة بلاده الدفاعية.



وشارك مئات الآلاف من الإيرانيين في التظاهرات على مستوى البلاد. وعرض التلفزيون الحكومي لقطات لحشود كبيرة تتحدى الطقس شديد البرودة وتحمل الأعلام الإيرانية وتردد "الموت لإسرائيل، الموت لأميركا"، وهو الهتاف الشهير للثورة. وكُتب على إحدى اللافتات: "رغم أنف أميركا، الثورة تبلغ عامها الأربعين". وتحت المظلات المرفوعة بسبب الأمطار الغزيرة، رُفعت آلاف اللافتات أو صور المرشد علي خامنئي والمرشد السابق روح الله الخميني. وكُتب على بعض اللافتات "الموت لأميركا" و"تسقط انكلترا" و"الموت لإسرائيل" و"سندوس الولايات المتحدة بأقدامنا" و"40 عاماً من التحدي. 40 عاماً من الهزائم للولايات المتحدة" و"لن تعيش إسرائيل 25 سنة أخرى". وأحرقت أعلام أميركية وإسرائيلية. وهتف الإيرانيون أثناء إصغائهم لخطابات تم بثها عبر مكبرات الصوت: "نحن جميعاً جنودك، خامنئي". وتدفق جنود وطلاب ورجال دين ونساء متشحات بالسواد على شوارع المدن والبلدات، وحمل كثيرون صوراً للمرشد السابق روح الله الخميني والمرشد الحالي علي خامنئي. وجاء الإقبال الكبير على المشاركة في التظاهرات التي ترعاها الدولة في وقت يعاني فيه الإيرانيون من ارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية وارتفاع التضخم، وهي العوامل التي أدت إلى اندلاع موجات من الاحتجاجات في الأشهر الأخيرة.

من جهتهم، حذّر قادة في الحرس الثوري الإيراني الولايات المتحدة، وقال نائب قائد الحرس الثوري، البريغادير جنرال حسين سلامي، إن "طهران لن تسحب قواتها من المنطقة"، رافضاً بذلك دعوات أميركية لكبح النفوذ الإقليمي الإيراني. وأضاف أنه "لا يمكن أن يطلب منا العدو الرحيل عن المنطقة. هم يجب أن يغادروا المنطقة، وسنساعد أي مسلم في أي مكان في العالم". من جانبه، أفاد المتحدث باسم الحرس الثوري رمضان شريف، بأن "إيران وصلت إلى مستوى تحمي معه حدودها بقدراتها العسكرية الفعالة، وستعاقب بحزم أي معتدٍ". وأشار شريف إلى أنه "بعد حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق (1980 – 1988) تم تعزيز قوتنا الدفاعیة، ولدينا القدرة على معاقبة العدو".

كما نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن يد الله جواني، مساعد قائد الحرس للشؤون السياسية، قوله "لا تملك الولايات المتحدة الشجاعة لإطلاق رصاصة واحدة علينا رغم كل إمكانياتها الدفاعية والعسكرية. ولكن إذا هاجمونا فسنمحو تل أبيب وحيفا (مدينتين إسرائيليتين) من على وجه الأرض".



بدوره، كشف قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، لقناة "سي أن أن" الأميركية، أن "جاهزية الجيش الإيراني تزداد مع مرور الوقت"، لافتاً إلى أن "طهران لديها القوة الكافية للتصدي لأي اجتياح محتمل". وأضاف أنه "مع الصواريخ التي بحوزتنا، والتطور التكنولوجي الذي وصلنا إليه، والاعتماد على الذات في شتى المجالات، بالإضافة إلى نمو التعداد السكاني لإيران، نمتلك القوة والطاقة لحماية أنفسنا بوجه كل اجتياح".
وتطرق جعفري في حواره لتأثير الحرب الإيرانية – العراقية، أو ما يُعرف بـ"حرب الخليج الأولى"، قائلاً: "بعد 40 عاماً (من الحرب)، طوّرنا أنظمتنا الدفاعية وامتلكنا جميع التقنيات العسكرية في شتى المضامير، بالطبع الأميركيون والقوى الكبرى الأخرى يعلمون أن المعركة مع الجمهورية الإسلامية خاسرة". وتابع قائد الحرس الثوري الإيراني حديثه موضحاً أنه "بدأوا (الأميركيون والدول الحليفة) حرباً باردة، وثقافية، وسياسية واقتصادية ضدنا، وقد فهم شعبنا ذلك، وها هو يقاوم وعلى أهبة الاستعداد".

وعن ترامب والإغلاق الحكومي الأميركي، قال جعفري: "عندما قرر ترامب اللجوء للإغلاق الحكومي لأكثر من شهر، أخرج الأميركيون أطباقهم الفارغة في الشوارع، يمكنهم أن يأتوا الآن ويروا الشعب الإيراني، الذي بقي يساند حكومته رغم الضغوط والعقوبات".

ولم تكتفِ إيران بذلك، بل أوفدت وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى لبنان الذي تطمح لإحكام قبضتها عليه، أول من أمس الأحد، قبل أن يغادره أمس، الاثنين. في الشكل، كانت زيارة ظريف أشبه بـ"رسالة دعمٍ وتحشيد لحلفائه اللبنانيين"، خصوصاً حزب الله، الذي يرى فيه المسؤولون الأميركون أحد "وكلاء إيران" في المنطقة. أما في المضمون، فقد بوشر الحديث عن "تزويد الجيش اللبناني بدفاعات جوية إيرانية"، بغرض منع التحليق المستمر للطائرات الإسرائيلية في سمائه. وهو المشروع الذي عبّر عنه الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في خطابٍ له الأسبوع الماضي. مع العلم أنه في الوقت الذي كان ظريف في لبنان كان وزير الدفاع اللبناني، إلياس بوصعب، يزور الولايات المتحدة، شاكراً إياها على "دعم الجيش اللبناني"، علماً أن سلاح الجيش غربيّ بالكامل، أميركي خصوصاً. وفسّر البعض زيارة ظريف بأنها تأتي "رداً على زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل"، التي قام بها قبل تشكيل الحكومة اللبنانية. وكان من نتائج زيارة ظريف إعلان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، أن لبنان لن يشارك في مؤتمر وارسو "بسبب حضور إسرائيل وتعارض المؤتمر مع سياسة النأي بالنفس اللبنانية". وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني، قال باسيل عن تسليح الجيش من إيران: "من الطبيعي أن نفكر بكل مساعدة، طالما أن لا شروط عليها وتقوي الدولة والمؤسسات". والأهم في الزيارة هو تكرار ظريف ما قاله نصرالله عندما لفت إلى أنه "عندما تشن على إيران الحرب، فلن تكون لوحدها، لأن مصير المنطقة وشعوبها بات مرتبطاً بمصير هذا النظام المبارك"، وذلك بعدما سبق أن أعلنت طهران انتصار "حزب الله" في الانتخابات النيابية الأخيرة في مايو/ أيار الماضي.

ورداً على زيارة ظريف وما يحمله من ملفات، وبغض النظر عن قدرة لبنان على قبول أو رفض ما تعرضه إيران، خصوصاً على صعيد الدواء وتسليح الجيش اللبناني، أعلنت السعودية عن زيارة للمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، تبدأ اليوم الثلاثاء. وعلمت "العربي الجديد" أن الزيارة أقرت على عجل، وبالتالي لا تحمل معها شيئاً باستثناء التهنئة بتأليف الحكومة، وإجراء جولة مباحثات، على الرغم مما حملته الساعات الأخيرة من مواقف لظريف تحرج المملكة التي لا تزال تعتبر لبنان ساقطاً سياسياً في المحور التابع لـ"حزب الله"، وهو ما دفعها سابقاً إلى التشدد في سياساتها، ووقف دعم وتسليح الجيش اللبناني.

في موازاة ذلك، حاول وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، توظيف المعركة الإيرانية الأميركية لصالح السعودية، بعد اتهامه لأعضاء الكونغرس الأميركي، الذين يتخذون موقفاً متشدداً تجاه المملكة على خلفية تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جريمة تصفية الإعلامي جمال خاشقجي، في قنصلية المملكة في إسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بـ"تقديم الذخيرة" إلى من يرفعون شعارات "الموت لأميركا"، في إشارة إلى إيران. واستخدم الجبير "الفزّاعة الإيرانية"، قائلاً في مقابلة مع شبكة "سي بي سي" الأميركية، مساء الأحد، إنه "من الغريب أن يحاول أعضاء الكونغرس تقييد حلفاء للولايات المتحدة، مثل السعودية والإمارات، في محاولاتهما لدحر منظمات إرهابية مثل إيران وحزب الله".

كما تأتي تصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية بعد الهجوم الذي شنه نواب بالكونغرس على السعودية أخيراً، إثر صدور تقرير أفاد بأن "السعودية أرسلت أسلحة أميركية إلى جماعات متطرفة على صلة بتنظيم القاعدة وغيره من الجماعات في اليمن"، بعد تصويت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، وبتأييد 25 نائباً ومعارضة 17، لصالح قرار يتعلق بمنع الجيش الأميركي من تقديم أي دعم للسعوديين وغيرهم ممن يشاركون في حرب اليمن.