مرت أمس الأحد الذكرى الـ55 لحرب السادس من حزيران بين العرب والاحتلال الإسرائيلي. هي "حرب الأيام الستّة" كما تسميها إسرائيل، تفاخرا بنصرها في حرب خاطفة على دول عربية مجتمعة، و"النكسة" كما تسميها نظم سياسية عربية أرادت تمويه الهزيمة، كما ونوعا، لتبدو عثرة سرعان ما يتم تجاوزها بأقل قدر من النقد والمراجعة.
كانت تلك الحرب نقطة تحول مفصلية في الصراع العربي الإسرائيلي، غيرت موازين القوى والمعادلات الجيوسياسية. صحيح أن إسرائيل التي اعترف بها المجتمع الدولي "دولة" على الأراضي التي احتلتها العام 1948 أصبحت بنظر القانون الدولي دولة احتلال في الأراضي التي استولت عليها بعد تلك الحرب، إلا أنها لا تزال تمضي رغم أنف هذا القانون في استباحة الأرض والإنسان مدعومة بتحالف استراتيجي، تمخضت عنه تلك الحرب، مع الولايات المتحدة الأميركية.
هل كانت هزيمة العرب في تلك الحرب حتمية؟ يثير السؤال جدلا مستمرا في الساحة العربية، مع كل استعادة لذكرى الحرب، لكن مقابل مئات الدراسات الإسرائيلية التي تتناول هذه الحرب بالبحث وتحلل أسبابها ونتائجها، يغيب أرشيف عربي مهني خلف المعركة الأيديولوجية والسياسية بين الأنظمة والقوى السياسية الحزبية العربية، التي جعلت أولويتها تبرئة طرف وتحميل طرف آخر المسؤولية عن تلك الهزيمة.
مقدمات الحرب
بعد العدوان الثلاثي على مصر العام 1956، بذلت مصر بقيادة جمال عبد الناصر، جهودا حثيثة في إعادة تسليح نفسها، وتزايد النشاط العسكري ضد المستعمرات الصهيونية على الحدود السورية الإسرائيلية، والأردنية الإسرائيلية، وقرر العرب المجتمعون في القاهرة العام 1964 تحويل مياه نهر الأردن في سورية ولبنان ردا على قرار إسرائيلي بتحويل مياه طبريا إليها. وتشكّلت منظمة التحرير الفلسطينية العام 1965. نظرت إسرائيل إلى ذلك وغيره بوصفه تهديدا لأمنها.
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1966 أوقعت غارة إسرائيلية على إحدى القرى في الضفة الغربية 18 شهيدا و54 جريحا. وخلال معركة جوية مع سورية، في إبريل/ نيسان 1967، أسقط سلاح الجو الإسرائيلي 6 طائرات مقاتلة سورية من طراز ميغ.
تزايدت الانتقادات التي يتعرض لها عبد الناصر تتهمه بالعجز عن مساعدة سورية والأردن ضد إسرائيل، وأنه يختبئ وراء قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة المتمركزة على الحدود المصرية مع إسرائيل في سيناء.
في 14 مايو/أيار عام 1967 حشد ناصر القوات المصرية في سيناء. وفي 18 مايو طلب رسميا سحب قوة الطوارئ الدولية المتمركزة هناك. لكن ذلك لم يكن إثباتا لرغبته الجادة في الوقوف مع سورية والأردن فقط، بل لأنه تلقى كذلك تقارير من المخابرات السوفيتية، في الشهر نفسه، تفيد بخطط إسرائيلية بشأن حملة على سورية.
وجدت إسرائيل في خطوات ناصر، خصوصا بعد إغلاقه يوم 22 مايو/أيار مضايق تيران في البحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، بمثابة إعلان رسمي للحرب عليها، وذريعة مناسبة لشن حربها الخاطفة.
في 30 مايو/أيار وصل العاهل الأردني الملك حسين إلى القاهرة لتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر ووضع القوات الأردنية تحت القيادة المصرية. بعدها انضم العراق إلى التحالف.
يوميات حرب 67
في الساعة 8:45 من صباح الإثنين 5 يونيو/حزيران، شنّت إسرائيل غارات جوية خاطفة على مصر، في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل، دُمر خلالها 25 مطاراً حربياً وما لا يقل عن 85% من الطائرات المصرية وهي جاثمة على الأرض. ووفق البيانات الإسرائيلية دمّرت 209 طائرات من أصل 340 طائرة مصرية.
ردا على الضربة الجوية الإسرائيلية؛ قامت القوات الجوية الأردنية بقصف مطار قرب كفار سركن، وقصف الطيران السوري مصافي البترول في حيفا وقاعدة مجيدو الجوية الإسرائيلية، بينما قصفت القوات العراقية جوا بلدة نتانيا على ساحل البحر المتوسط.
ردّت إسرائيل بقصف عدة مطارات أردنية، منها المفرق وعمان، ودمّرت 22 طائرة مقاتلة و5 طائرات نقل وطائرتي هليكوبتر ودمّرت في مطاري دمشق والضمير السوريين، 34 طائرة ما بين مقاتلة وقاذفة. كما شنت هجوما على القاعدة الجوية هـ3 في العراق.
وبحسب المصادر الإسرائيلية، فإن 416 طائرة مقاتلة عربية دُمرت، مقابل 26 طائرة إسرائيلية.
تقدّمت القوات البرية الإسرائيلية، عند الساعة 9:15 صباحا، مخترقة الجبهة المصرية في سيناء بثلاث مجموعات عمليات، واستطاعت في ساعات متأخرة من المساء تدمير فرقتي مشاة النسق الأول السابعة والثانية، اللتين قام عليهما النظام الدفاعي المصري.
على الجبهة الأردنية، قصفت المدفعية الأردنية الساعة 11 صباحا، مدينتي تل أبيب والقدس، وعبرت جنوب القدس، وقام الطيران الأردني بقصف مطارات إسرائيلية. تكثّف القصف الجوي الإسرائيلي في الجبهة الأردنية، بعد أن قضى على القوات الجوية المصرية، وخسرت القوات الأردنية غطاءها الجوي من الطائرات. بعد الظهر هاجمت القوات الإسرائيلية الضفة الغربية فعزلت القدس عن الضفة، ووصلت إلى جنين.
تبادلت إسرائيل وسورية القصفين الجوي والمدفعي وصد الجيش الإسرائيلي محاولة اختراق سورية.
في صباح يوم 6 يونيو/حزيران سقطت العريش، وانفتح المحور الشمالي أمام القوات الإسرائيلية المدرعة التي ثبتت مواقعها بدعم من الطيران الإسرائيلي. واستولت القوات الإسرائيلية مساء على مدينتي غزة وخان يونس في القطاع.
في الخامسة مساء، أصدر نائب القائد الأعلى للقوات المصرية، عبد الحكيم عامر، أمرا بالانسحاب العام لجميع قوات سيناء إلى غرب قناة السويس، ينفذ على مراحل. القرار يثير جدلا مستمرا حتى يومنا هذا، ويراه البعض غير مبرر عسكريا، وسببا في انهيار معنويات الجيش المصري وتغيير مسار الحرب.
في هذا اليوم، انتهت المعارك في كافة أنحاء الضفة مع الجيش الأردني بسقوط نابلس، وتقدمت القوات الإسرائيلية نحو نهر الأردن لتشتبك مع القوات الأردنية شرقي القدس.
صدر عن مجلس الأمن الدولي القرار رقم 233 القاضي بوقف إطلاق النار، من دون أن ينص على أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي التي احتلتها منذ انطلاق العمليات العسكرية.
في اليوم الثالث، احتلت القوات الإسرائيلية شرقي القدس، ووصلت في العاشرة صباحا إلى حائط البراق، ثم سيطرت مساء على المدينة.
صدر قرار مجلس الأمن رقم 234 لتأكيد وقف إطلاق النار الساعة 8 مساء من ذلك اليوم، وأعلن الملك حسين قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل بصفة رسمية، فتم وقف إطلاق النار على الجبهة الأردنية ليتركز القتال باقي اليوم على الجبهة المصرية، لكن بدأت بوادر انهيار الجيش المصري مع قرب وصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس.
في اليوم الرابع، ومع قرب وصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس بدأت الاستعدادات المصرية للدفاع عن القاهرة من مدخليْ السويس والإسماعيلية. ومع انهيار الدفاعات المصرية الباقية شرق القناة، وبدأ الارتداد العام والانسحاب من سيناء، أعلنت مصر قبولها وقف إطلاق النار.
أكملت إسرائيل في اليوم الخامس احتلال سيناء حتى شرم الشيخ، باستثناء الخط من رأس العش شمالا وحتى شرق بور فؤاد الذي ظل تحت سيطرة القوات المصرية.
هاجمت القوات الإسرائيلية سورية، واخترقت دفاعاتها شمال هضبة الجولان.
صدر قرار مجلس الأمن رقم 235 لتأكيد وقف إطلاق النار، بينما أعلن عبد الناصر في أعقاب هذه الخسارة تنحيه عن السلطة وتحمله المسؤولية كاملة عن الهزيمة.
في اليوم السادس، واصلت القوات الإسرائيلية اختراقها للدفاعات السورية على طول الجبهة في الجولان وصولا إلى القنيطرة، وأعلنت سورية قبولها وقف إطلاق النار الساعة السادسة والنصف مساء. لكن في صبيحة هذا اليوم، 10 يونيو/ حزيران الساعة 9.30 صباحاً سنة 1967، ظهر وزير الدفاع السوري حافظ الأسد آنذاك، على إذاعة دمشق معلناً سقوط القنيطرة وهضبة الجولان. يرى كثير من السوريين أن الأسد أعلن سقوط القنيطرة والانسحاب منها قبل وصول القوات الإسرائيلية إليها، ويتهمونه بالتفريط بها.
توقفت الأعمال الحربية مساء يوم 10 يونيو/حزيران، وصدر قرار من مجلس الأمن 236 الساعة الرابعة والنصف من يوم 11 يونيو/حزيران ينص على إدانة أي تحرك للقوات بعد 10 يونيو/حزيران.
نتائج الحرب
انسحبت إسرائيل عام 1982، من شبه جزيرة سيناء المصرية، تطبيقا لمعاهدة السلام التي أبرمت بين مصر وإسرائيل عام 1979. أما مرتفعات الجولان السورية، التي تعتبر أرضًا سورية محتلة، بحسب قرارات الشرعية الدولية، فترفض إسرائيل الانسحاب منها وتعتبرها جزءا من أراضيها، حيث قررت في 14 ديسمبر/كانون الأول 1981 ضمها، بموجب قانون أصدره الكنيست الإسرائيلي. ولم يعترف المجتمع الدولي بالقرار ورفضه مجلس الأمن الدولي، في قرار يحمل رقم 497 صدر في 17 ديسمبر/كانون الأول 1981.
في 25 مارس/آذار 2019 وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قرارًا تعترف بموجبه الولايات المتحدة بأن هضبة الجولان هي جزء من إسرائيل. لكن الأمم المتحدة أصدرت بيانًا أعلنت فيه أن قرار الرئيس الأميركي "لا يغيّر من الوضعية القانونية للجولان بصفتها أرضا سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي".
رغم انتهاء حرب 1967 عسكريا، تستمر تداعياتها السياسية والجغرافية، فخلال "الأيام الستة"، احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان السورية. الاحتلال الإسرائيلي متواصل للضفة، ويستمر في حصار غزة، إلى جانب ضم القدس والجولان، وتبتلع مشاريعه الاستيطانية الأراضي الفلسطينية في غير مكان.
تستولي إسرائيل على 85 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية (27 ألف كيلومتر مربع) وتواصل نهب مقوماتها، فيما لم يتبق للفلسطينيين سوى 15 بالمئة فقط، وهي خاضعة للاحتلال.
أدت الحرب إلى مقتل نحو 20 ألف عربي و800 إسرائيلي. دمّرت إسرائيل خلال الحرب من 70 إلى 80 بالمئة من العتاد العسكري في الدول العربية، فيما لحق الضرر بنحو 2 إلى 5 بالمئة من عتادها العسكري.
أجبرت الهزيمة ما بين 300 و400 ألف عربي من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والمدن الواقعة على طول قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلية والسويس) على الهجرة من ديارهم، ونزح من أهالي الجولان حوالي 100 ألف إلى داخل سورية.
استولت إسرائيل على ما يعادل ثلاثة أضعاف ونصف المساحة التي احتلتها العام 1948 وأقامت عليها دولتها، مما مدها بعمق استراتيجي أضاف لرصيدها هامشا من المناورة العسكرية لتستند خططها الدفاعية إلى مواقع جغرافية طبيعية لا سيما في قناة السويس ومرتفعات الجولان ونهر الأردن. ولا تزال الذرائع الأمنية حجة لعدم انسحابها من تلك المناطق. تستمرت تلك المكاسب العسكرية الإسرائيلية إلى جانب أسباب أخرى في اختلال موازين القوى، وتتحكم بمعادلات الصراع العربي الإسرائيلي.
وبعد أشهر من الحرب، وتحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 242 الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الحرب مقابل سلام دائم. وأصبح هذا القرار أساسا للجهود الدبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها، بما في ذلك اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، والضغط من أجل حل الدولتين مع الفلسطينيين.
هل كانت الهزيمة حتمية؟
في مقابل مئات الدراسات الإسرائيلية التي سعت لتفسير أسباب الحرب وتداعياتها، ما تزال الكتابات العربية حول الحرب لا ترقى كما ونوعا إلى مستوى ما أصبح أكبر اخفاق سياسي عسكري في تاريخ العرب الحديث، حتى أن بعض المثقفين العرب يراه لا يقل وطأة عن غزو نابليون لمصر. ولا يزال التدقيق في مجريات تلك الحرب والتخبط في صنع القرار السياسي والإخفاقات العسكرية من المحظورات.
إحصائيات الحرب، وفق بعض المصادر الغربية، تشير إلى أنه في مقابل 355 ألف مقاتل عربي كان هناك 250 ألف جندي إسرائيلي، وكان هناك 1800 دبابة عربية مقابل 1300 إسرائيلية، وفي مقابل 1760 عربة مدرعة للعرب دخلت إسرائيل حربها بـ1500 عربة، وبلغ عديد الطائرات العربية المقاتلة والقاذفة 512 في مقابل 380 طائرة إسرائيلية. وفي مقابل 160 صاروخا لدى القوات العربية كان لدى الجيش الإسرائيلي 50 صاروخا.
إلى جانب ميزان القوى الذي يميل لصالح العرب مجتمعين، يؤكد معلقون أن الهزيمة العسكرية للقوات المصرية في الحرب لم تكن حتمية بسبب إمكاناتها الهائلة العددية والنارية والتسليحية، إلى جانب الدعم الخارجي المكثف من قوى عظمى، والدعم الشعبي والإقليمي. أما الجيش الأردني فكان بكامل قدراته عشية الحرب، وكان مدربا في تلك الفترة تدريبا جيدا مقارنةً بجيوش المنطقة العربية، لكن ما كان ينقصه هو غطاء جوي و"رئيس أركان حقيقي".
تذهب مصادر إلى أن الاختلاف الأساسي بين الجيوش في حرب 1967 يكمن في كفاءة الجيش الإسرائيلي، معتمدا على السلاح الغربي (أميركا وبريطانيا وفرنسا)، وفي استخدام الأسلحة والمعدات والمقدرة التنظيمية والقيادية وتوظيفها، عكس الجيوش العربية الثلاثة التي تعتمد، ما عدا الجيش الأردني، على السلاح السوفيتي.
البعض يفسر حتمية الهزيمة في حرب 1967 بكونها هزيمة للبنيتين العربيتين المادية والعقلية، والتي كشفت تأخر العرب سياسيا واقتصاديا وتقنيا وثقافيا، وأن أي محاولة لإرجاع الهزيمة العربية إلى عوامل خارجية سعياً وراء البعد عن النفاذ إلى حقيقة الأوضاع العربية الداخلية الخاصة بتنظيم المجتمع العربي، والتي أسهمت مباشرة في تحقيق الهزيمة، لن تنتج حتما إلا مزيدا من هزائم.