حذر الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء، إسرائيل من عواقب عمليات القصف العشوائي التي تقوم بها في غزة، والتي "ستكلفها فقدان الدعم الدولي لها". تحذيره هذا أثار الاستغراب. صدوره المتأخر عمَّن حرص على تمكين إسرائيل بدون حدود ولا قيود لاستباحة القطاع والتفظيع بأهله، رسم علامات استفهام وبدا وكأنه يستبطن التلويح بإعادة النظر في مستوى دعم إدارته للحرب وسط كلام عن "تزايد التوتر" بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشأن تطورات ومآلات الحرب والترتيبات التي ستعقبها في القطاع.
وزاد من الاستغراب أن ملاحظة الرئيس بايدن جاءت بعد ساعات قليلة من تصويت إدارته ضد قرار بوقف النار في غزة تبنّته الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأكثرية الثلثين، 153 مقابل 10 وامتناع 23. ليس ذلك فحسب، بل إنه أي التحذير، يتضارب مع كل الخطوات التي اتخذتها الإدارة والتي ساهمت في وصول الوضع إلى ما يحذر منه الرئيس. وعلى رأسها تسريع إمدادات الأسلحة، وآخرها كان صفقة ذخائر بأكثر من مئة مليون دولار جرى تزويد إسرائيل بها من دون تمريرها في الكونغرس. وكذلك استخدامها لحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، لإسقاط قرار آخر بوقف النار.
ومن هذه الخطوات أيضاً، منح إسرائيل الوقت الكافي "لإنجاز المهمة"، فضلا عن التهاون العملي معها في مسألة النزوح المفخخ بالتهجير وفي قضية حماية المدنيين، بزعم أن القتال يجري "وسط ظروف صعبة تفرضها حرب المدن". وكذلك كانت الحال في موضوع المعونات الإنسانية والطبية، ناهيك عن الضجة التي أثيرت في موضوع المستشفيات لتسويغ اقتحامها وإخراجها من الخدمة. فإذا كانت الإدارة قلقة مما أوصل إليه الانفلات العسكري الإسرائيلي فلماذا تغاضت عنه حتى الآن؟ هل أدرك البيت الأبيض خطأ تماديه في تسويغ الرد الاسرائيلي أم أنه لاحظ وجود لعبة إسرائيلية لتوريطه بنزاع أوسع في المنطقة؟
التحرك المباشر الذي قررته الإدارة يسلّط الضوء على المشهد. فبايدن كلف مستشاره جيك سوليفان بالتوجه إلى إسرائيل قبل أواخر هذا الأسبوع، كما سيقوم وزير الدفاع لويد أوستن في مطلع الأسبوع القادم، بزيارة إلى البحرين وقطر ثم إسرائيل. حيثيات الزيارتين دارت حول تفاقم تداعيات الحرب ووجوب العمل على احتوائها وقضية الرهائن ومؤازرة إسرائيل في "حقها للدفاع عن نفسها"، مع التشديد على مسألة "حماية المدنيين" وما يتصل بالجانب الإنساني من معاناة والضجة العالمية بخصوصها، وبما أدى إلى زيادة العزلة الدولية لواشنطن بعد تصويتها الفاقع في سلبيته وتحديه للمجتمع الدولي في مجلس الأمن والجمعية العمومية.
لكن يبدو أن الجانب الأهم لمهمة سليفان وأوستن يكمن في مكان آخر، جرى التلميح إليه في ما صدر حول زياره الأخير والتي تشمل "العمل على ضمان منع التصعيد بحيث لا يتحوّل إلى نزاع إقليمي واسع". وهذه أوضح إشارة رسمية تصدر حتى الآن حول جنوح الحرب نحو التمدد في المنطقة، وبما يشير ضمنا إلى محاولات اسرائيل لتوريط واشنطن التي يمكنها مساعدة نتنياهو في ترجمة أجندته الإقليمية، التي تبين في أقله حتى الآن، أن إسرائيل عاجزة وحدها عن تحقيقها. بل حتى عن تحقيق البند المتعلق بغزة بعد أكثر من شهرين على الاجتياح.
خلاف بايدن ونتنياهو
وكان من المتوقع أن يبلغ الخلاف بين بايدن ونتنياهو حول هذه الأجندة وبالتحديد بندها الإيراني، نقطة التنافر التي يبدو أن تحذير الرئيس بايدن جاء ليعكسه بصورة غير مباشرة. وهو أي الخلاف يعود إلى زمن إدارة أوباما منذ 2015 حول الاتفاق النووي مع طهران، والذي ورثه بايدن وما زال ملتزما به لجهة الحرص على الابتعاد عن التصادم المباشر مع ايران طالما كان ذلك متاحاً.
نتنياهو بعث، الثلاثاء، برسالة تحد عندما قال إن الأمن في غزة سيبقى بيد إسرائيل بعد الحرب، خلافا لتأكيد الإدارة على ضرورة عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع. سبق ووقع تنافر من هذا النوع بين واشنطن وتل أبيب (أثناء مفاوضات فك الارتباط في 1974 وحتى خلال غزو لبنان في 1982)، وكان أن رضخت الثانية عندما استخدمت الأولى عصا نفوذها. فهل يقدم بايدن على تكرار سيناريو من هذا القبيل؟