وقف مساعدات عسكرية أميركية لمصر: خطوة رمزية لتفادي الانتقادات

30 يناير 2022
بلينكن ونظيره شكري في واشنطن العام الماضي (أليكس براندون/فرانس برس)
+ الخط -

أفادت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد"، بأن الحكومة المصرية لم تنفذ حتى الآن مجموعة طلبات لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ولذلك قررت الأخيرة حرمان مصر من مساعدات عسكرية بقيمة 130 مليون دولار.

وأضافت أن "الأمر طبيعي وكان متوقعاً". ولفتت المصادر إلى أن "موضوع طلب الإفراج عن قائمة تضم 16 معتقلاً في مصر معروف ونوقش في جلسة بإحدى لجان الكونغرس الأميركي".

وأوضحت أن مصر "حاولت اتخاذ خطوات إيجابية في اتجاه معالجة هذه الطلبات، التي تحدد لها سقف زمني من الجانب الأميركي، ومنها الإفراج عن الناشط المصري رامي شعث، لكنها حتى الآن لم تصل إلى النقطة التي حددتها الإدارة الأميركية".

وكشفت المصادر أن الخارجية الأميركية قامت بحجب الأسماء الـ16 المطلوب الإفراج عنهم عن الكونغرس، تحت دعاوى الأمن القومي.

وأكدت المصادر أن هذه الأسماء أساس شرط أميركي للإفراج عن المعونة، ومن بين هؤلاء رئيس حزب "مصر القوية"، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، عبد المنعم أبو الفتوح، والناشط علاء عبد الفتاح، ومعتقلو "قضية الأمل"، المتهم فيها صحافيون ومحامون ونشطاء.

قضية أبو الفتوح وعبد الفتاح

وسبق لنيابة أمن الدولة العليا، أن أمرت في أغسطس/آب الماضي، بإحالة أبو الفتوح ونائبه محمد القصاص وآخرين، لمحكمة الجنايات.

ويحاكم أبو الفتوح بجرائم "الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد بقصد تكدير السلم العام في إطار أهداف جماعة الإخوان المسلمين، والترويج لأغراض الجماعة التي تستهدف زعزعة الثقة في الدولة المصرية ومؤسساتها".

كما أيدت محكمة النقض العليا، إدراج أبو الفتوح وعلاء عبد الفتاح على قوائم الإرهابيين، في 18 يناير/ كانون الثاني الحالي.

كما حكمت محكمة أمن الدولة العليا، أخيراً، على عبد الفتاح بالسجن خمس سنوات، وعلى مدير مؤسسة "عدالة" محمد الباقر وعلى المدون محمد إبراهيم رضوان "أكسجين" بالسجن لمدة أربع سنوات، على خلفية كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي التي تنتقد سجل مصر الحقوقي.


تشترط أميركا إنهاء قضية "التمويل الأجنبي" للإفراج عن المعونة

وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حكمت محكمة أمن الدولة العليا على السياسيَين هشام فؤاد وحسام مؤنس وعلى النائب السابق زياد العليمي بالسجن لمدد تتراوح بين أربع وخمس سنوات، لمجرد انتقادهم لسجل حقوق الإنسان في مصر والسياسات الاقتصادية ومستوى المعيشة.

وحول هذه التطورات، قالت المصادر، إن من ضمن الشروط الأميركية للإفراج عن المبلغ المستقطع من المعونة العسكرية المقدمة إلى مصر، إنهاء القضية رقم 173، والمعروفة إعلامياً بقضية "التمويل الأجنبي".

وعلى الرغم من إصدار قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في القضية، في 30 أغسطس الماضي، قراراً بأن لا وجه حق لإقامة الدعوى الجنائية لعدد من الجمعيات وكيانات (أربع جمعيات)، لعدم كفاية الأدلة، إلا أن الأشخاص الذين كانوا متهمين بالقضية لا يزالون لا يستطيعون السفر خارج مصر، وعلى رأسهم الناشط الحقوقي جمال عيد.

ووصل إجمالي عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي صدر أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها في ما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع، سواء كان الأمر صادراً لعدم الجريمة أو لعدم كفاية الأدلة، إلى 67 كياناً.

وأكدت مصادر لوكالة "رويترز"، أول من أمس الجمعة، أن إدارة بايدن قررت حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر بسبب عدم امتثال القاهرة لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها الخارجية الأميركية.

وذكرت الخارجية الأميركية أن مصر فشلت في تطبيق شروط تلقي هذا التمويل العسكري الأجنبي الذي قررت واشنطن تعليقه في سبتمبر/أيلول الماضي (عندما أفرجت عن 300 مليون دولار مجمدة أخرى مخصصة للقاهرة)، موضحة أن هذه الأموال ستتم إعادة تخصيصها إلى برامج أخرى.

وأشارت الوزارة إلى اقتراب أقصى موعد لتطبيق هذه الشروط (أي نهاية شهر يناير الحالي)، مقرة بأن الحكومة المصرية أحرزت "تقدماً ملموساً" في هذا السبيل، غير أنها فشلت في تلبية جميع الشروط المطروحة من واشنطن.

وتابعت الخارجية الأميركية: "لذلك، بعد 30 يناير، ينوي الوزير أنتوني بلينكن إعادة تشخيص 130 مليون دولار لأولويات الأمن القومي الأخرى".

وجاءت الخطوة الأميركية ضد الحليف المقرب، قبل أيام من الموعد النهائي في 30 يناير لإعلان وزارة الخارجية عن خطط الأموال، وهي الجزء المتبقي من شريحة بقيمة 300 مليون دولار من المساعدات تم تقسيمها في سبتمبر الماضي.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية لشبكة "سي أن أن" الأميركية إن "المكان الأخير الذي يحتاج إلى 130 مليون دولار هو مصر"، مضيفاً أنه تم إبلاغ الكونغرس وهناك "إجماع كامل" داخل الوزارة على توصية بأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن لا يسمح لمصر باستلام الأموال التي سيتم تخصيصها الآن لدول أخرى.

كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين، الخميس الماضي، بأن وضع الأموال لم يتغير وأن بلينكن "لم يتخذ قراراً بعد".

وتحدث بلينكن مع نظيره المصري سامح شكري، يوم الخميس، حول مجموعة من القضايا من بينها حقوق الإنسان، لكن ملخص المكالمة لم يشر إلى أموال المساعدات.

وفي هذا الإطار، اعتبر دبلوماسي مصري، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "قرار تعليق الإدارة الأميركية لجزء من المعونة العسكرية المقدمة إلى مصر، مجرد ذرّ للرماد في العيون، لتفادي الانتقادات اللاذعة التي توجّه إلى إدارة بايدن، من قبل نواب في الكونغرس ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية الأميركية، موافقتها على صفقة لبيع أسلحة ومعدات عسكرية إلى مصر تبلغ قيمتها نحو 2.5 مليار دولار".

وتتضمن الصفقة المحتملة، التي لم تحظ بالموافقة النهائية بعد، بيع طائرات نقل جوي من طراز "سي-130 جيه سوبر هيركيوليس" وأنظمة رادار للدفاع الجوي بقيمة 355 مليون دولار.

وأضاف الدبلوماسي أن "اعتقاد منظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان في مصر وفي أميركا، أن واشنطن سوف تدعم أي موقف يتعارض مع مصالحها، هو اعتقاد ساذج، لأن المصالح الأميركية تقتضي التعاون مع النظام المصري الحالي، الذي يحقق مصالح استراتيجية للولايات المتحدة وعلى رأسها، حفظ الأمن في الأراضي الفلسطينية وغزة، وضمان أمن إسرائيل".

السلاح الأميركي إلى مصر

وتابع الدبلوماسي أن "الخطوة الأميركية التي تبدو عقابية في ظاهرها، هي في الحقيقة خطوة رمزية لأن الملايين التي تم احتجازها من المعونة مبلغ ضئيل أمام صفقة بيع أسلحة ومعدات أميركية إلى مصر بـ2.5 مليار دولار، والتي أذنت به إدارة بايدن هذا الأسبوع، والتي تبلغ قيمتها تقريباً أكثر من 20 ضعف المبلغ المحجوب من المعونة".

وقال إن "حجب جزء من المساعدات الأميركية عن مصر، لا يتعدى كونه ظاهرة شكلية، تحاول إدارة بايدن من خلالها أن تؤكد للكونغرس ولنشطاء حقوق الإنسان، أنها تستخدم سياسة العصا والجزرة مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكنها في الحقيقة تدعمه في ملفات أخرى".


إدارة بايدن تستخدم سياسة العصا والجزرة مع النظام

وأضاف الدبلوماسي "في المقابل فإن الحكومة المصرية لم تنفذ الطلبات الأميركية بحذافيرها، طمعاً في الحصول على مكاسب أخرى من واشنطن، في قضايا أخرى مختلفة".

وأوضح أن "سياسة نظام السيسي مع الغرب في ملف نشطاء حقوق الإنسان، أصبحت معروفة، فهو يستخدم ورقة المعتقلين دائماً لمساومة الدول الغربية، وعقد صفقات وتحقيق مصالح معينة، إذا تحققت يقوم بالإفراج عن بعض المعتقلين، وإذا لم تتحقق يرفض الإفراج عنهم".

من جهته، قال مصدر حقوقي لـ"العربي الجديد" إن "الإفراج عن أي معتقل من السجون المصرية، يعتبر شيئاً إيجابياً، لكن الحقيقة أن المفرج عنهم في مثل هذا الظروف، يكونون من الشخصيات المعروفة لدى الإدارة الأميركية وغيرها من الحكومات الغربية، أما المعتقلون المجهولون، فلا يصيبهم الحظ أبداً في مثل هذه الصفقات".

وتمنح الولايات المتحدة مصر مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار، منها 300 مليون دولار يربطها الكونغرس الأميركي بأوضاع حقوق الإنسان.