تشهد إيران هذه الأيام سلسلة "عمليات تخريبية واغتيالات"، وحوادث "وفاة غامضة"، منها حادثة وفاة "غامضة" لعالم الجوفضاء الدكتور أيوب أنصاري، من مدنية يزد وسط إيران، "مسمما"، الإثنين الماضي، فضلاً عن استمرار التكهنات بشأن وفاة العقيد إسماعيل زادة وسط روايات متضاربة في الإعلام الإيراني المعارض في الخارج، لكن مصادر إيرانية مطلعة تكشف لـ"العربي الجديد"، في هذا التقرير، تفاصيل وفاته.
ففي أول تعليق رسمي بعد انتشار أنباء على شبكات التواصل الاجتماعي الإيراني والإعلام الإسرائيلي عن "وفاة غامضة" للمهندس أيوب انتظاري وسط ترجيحات لفرضية الاغتيال، نفت عدلية محافظة يزد، اليوم الأحد، في بيان، "الوفاة الغامضة لعالم جوفضاء"، مؤكدا أن انتظاري كان "موظفا عاديا".
لكن رسالة تكريمية، بعثها رئيس محافظة يزد مهران فاطمي إلى أسرة انتظاري بعد وفاته، وصفه فيها بأنه "شهيد" و"ضحى بنفسه"، حملت في طياتها ترجيحا لفرضية اغتيال انتظاري. كما أن أنباء وردت بشأن زيارة مسؤولين محليين بيت انتظاري للتعزية، ما يشير إلى مكانته وموقعه وأنه لم يكن مجرد موظف عادي في شركة صناعية كما قالت العدلية. لكن وكالات الأنباء الإيرانية نقلت عن مسؤول الإعلام بمحافظة يزد، علي صالحي، قوله إن استخدام مصطلح "الشهيد" في شهادة التقدير حصل "بالخطأ"، داعيا في تصريحاته حول التكهنات بشأن سبب وفاة انتظاري إلى التريث لتعلن الأجهزة المعنية ذلك لاحقا.
بالإضافة إلى ذلك، أثار تقرير للتلفزيون الإيراني، مساء اليوم الأحد، الغموض بشأن وفاة المهندس انتظاري، حيث قال إنه اذا ما تعرض هذا الشاب النخبوي الإيراني لاغتيال، فإن إيران تواجه مرحلة جديدة من الاغتيالات من قبل منظمة "الموساد" الإسرائيلية، سواء كانت موجهة ضد من هم على صلة بالبرنامج النووي أو بقية البرامج الإيرانية، عسكرية أم غير عسكرية.
وكان انتظاري البالغ من العمر 35 عاماً خريج هندسة الجوفضاء من جامعة "شريف للصناعة" في طهران. وراجت أنباء على شبكات التواصل عن أنه كان مهندسا للمسيّرات.
در سکوت خبری #نخبه هوا و فضا دکتر ایوب انتظاری درگذشت🖤🖤
— یحیی آهسته (@Yahiya313) June 3, 2022
گفته میشود دلیل مرگ وی مسمومیت غذایی بوده است.#ایران pic.twitter.com/dg6a1pl291
عالم الجوفضاء أيوب انتظاري هو رابع شخصية علمية وعسكرية تفقدها إيران خلال الأسبوعين الأخيرين، بعد مقتل عالم شاب في "حادث غامض" بمنشأة عسكرية وعقيدين بـ"فيلق القدس"، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
العقيد حسن صياد خدايي
كان العقيد بالحرس الثوري الإيراني حسن صياد خدايي قد اغتيل يوم 22 مايو/أيار، في طهران، من قبل شخصين يستقلان دراجة نارية أطلقا خمس رصاصات تجاهه وهو أمام منزله. وقالت وسائل الإعلام الإيرانية إن خدايي كان في سيارته عندما أطلقت عليه النار، وقد أصيب برصاصات في الرأس واليد.
وصف "الحرس الثوري الإيراني"، في بيان، عملية الاغتيال بأنها "إجراء إرهابي معاد للثورة نفذه عناصر مرتبطون بالاستكبار العالمي"، مؤكدا أن "الإجراءات اللازمة مستمرة للوصول إلى المهاجم أو المهاجمين والقبض عليهم".
من جهته، قال المتحدث باسم "الحرس الثوري الإيراني"، العميد رمضان شريف، إن الجهات المنفذة اغتيالَ صياد خدايي "ستدفع ثمن عملها الإجرامي"، مؤكدا أن الاغتيال "سيزيد من عزم وإرادة الحرس في الدفاع عن أمن البلاد واستقلالها ومصالحها الوطنية ومواجهة أعدائها، وخاصة الكيان الأميركي الإرهابي والكيان الصهيوني المزور والمؤقت".
وأضاف شريف، وفق ما أوردته وكالة "سباه نيوز" التابعة للحرس، أن "العدو لن يحقق شيئا من خلال ارتكابه هذه الأعمال الإجرامية"، فيما أكد أمين مجلس أمن الدولة، مجيد مير أحمدي، أن اغتيال خدايي كان "حتما من قبل الكيان الصهيوني"، متوعدا "المجرمين بتلقي صفعة صعبة من إيران"، حسب أقواله التي نقلتها وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية.
كما توعد القائد العام للحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، بـ"الانتقام القاسي الذي يبعث العدو على الندم" لاغتيال صياد خدايي، متهما الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف وراءه.
ووفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أخيرا، فإن إسرائيل أبلغت الإدارة الأميركية بأنها اغتالت خدايي، وذلك بموازاة نشر المواقع والصحف الإسرائيلية تقارير أظهرت تفاصيل كثيرة عن عملية الاغتيال، إلى جانب "سجل" صياد خدايي ودوره في التخطيط المتواصل لتنفيذ عمليات تستهدف الإسرائيليين خارج إسرائيل.
العالم الشاب إحسان قدبيغي
أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية عن مقتل المهندس قدبيغي وإصابة شخص آخر جراء "حادث صناعي"، يوم 26 مايو/أيار الماضي، في منطقة بارشين العسكرية شرقي طهران، التي تضم مجمعاً عسكرياً يشتبه بأنه سبق لإيران أن أجرت فيه اختبارات تفجير قابلة للتطبيق في المجال النووي، حسب تقارير غربية.
وأفادت وزارة الدفاع الإيرانية بـ"وقوع حادث صناعي في أحد مصانع وحدات البحوث بوزارة الدفاع في منطقة بارشين، ما تسبّب بمقتل المهندس إحسان قدبيغي وإصابة أحد زملائه".
إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نقلت، يوم 27 مايو/أيار الماضي، عن مسؤول أميركي قوله إنّ طائرات مسيرة هاجمت موقع بارشين الدفاعي في إيران.
العقيد علي إسماعيل زادة
انتشرت الجمعة الماضي أنباء على شبكات التواصل الاجتماعي في إيران عن تعرض ضابط آخر في "فيلق القدس" الإيراني، هو العقيد علي إسماعيل زادة، لعملية اغتيال، وسط انتشار روايات متناقضة عن الحادث في وسائل إعلام معارضة للحكومة الإيرانية في الخارج، بين حديث عن انتحاره، وأخرى زعمت أنه جرت تصفيته لدوره في اغتيال العقيد حسن صياد خدايي.
إلا أن "مصدراً إيرانياً مطلعاً" نفى لوكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية تعرّض إسماعيل زادة لاغتيال، مؤكداً أنه توفي "في حادث".
وأضاف المصدر أن ما أوردته "وسائل الإعلام المعادية" (للجمهورية الإسلامية الإيرانية) بشأن اغتيال أحد قادة (فيلق القدس) حرب نفسية ونبأ كاذب"، غير أن "إرنا" أكدت أن "أحد رجال الحرس الثوري توفي في بيته في حادث، وسبب وقوعه قيد التحقيق".
وثمة تقارير أيضا أفادت بأن العقيد إسماعيل زادة سقط من شرفة شقته السكنية غربي طهران، ما أدى إلى وفاته، لكنها لم تكشف عن المزيد من التفاصيل وسبب سقوطه من الشرفة.
غير أن مصادر إيرانية مقربة من الحرس الثوري الإيراني كشفت، اليوم الأحد، لـ"العربي الجديد"، عن أن العقيد إسماعيل زادة كان "ضحية خلافات أسرية"، مشيرة إلى أنه كان جالسا على شرفة بيته برفقة شقيق زوجته، قبل أن يحدث سجال بينهما يتطور إلى نزاع ينتهي إلى سقوط العقيد إسماعيل زادة من الشرفة. وأشارت المصادر إلى أن شقيق زوجته أكد أنه لم يقصد قتله وإسقاطه من الشرفة، لكن الأمر حصل خلال النزاع من دون قصد مسبق.
وأمس السبت، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن "مسؤولين دفاعيين إسرائيليين كبيرين"، لم تسمهما، قولهما إن "إسرائيل لم تقتل إسماعيل زادة".
كامران ملابور
يضاف إلى ذلك ما أورده موقع "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلي عن وفاة عالم نووي إيراني يدعى كامران ملابور، الفترة الماضية، في منشأة نطنز النووية، في ظروف غامضة. لكن لم يرد ذلك على وسائل الإعلام الإيرانية، كما لم يرد بعد تعليق رسمي على وفاته.
غير أن حسابات افتراضية نشرت صورة زعمت أنها للشاب كامران ملابور، مشيرة إلى أنه من مدينة إيذة بمحافظة خوزستان، وكان يمتلك شهادة الدكتوراه في العلوم النووية حسب زعمها.
بنا بر خبر رسانههای اسراییلی کامران ملاپور دانشمند هستهای نطنز خودبخود فوت کرد pic.twitter.com/it8PxEs0IR
— صاحبعلی (@Heraclius5) June 5, 2022
وفيات غامضة واغتيالات واضحة
سبق في إيران أن توفي علماء وشخصيات بارزة في ظروف غامضة، تبين لاحقا أنهم تعرضوا لعمليات اغتيال من قبل "الموساد" الإسرائيلي، منهم العالم النووي الإيراني الدكتور أردشير حسين بور عام 2006، الذي توفي مسمما ونفت السلطات الإيرانية حينها أن يكون قد تعرض لاغتيال، لكن لاحقا تبين أنه اغتيل، حسب ما أكدته تقارير إسرائيلية وأميركية، منها كتاب المحلل الأمني الإسرائيلي رونين برغمن، الصادر عام 2018.
كما أن العالم النووي الإيراني الشاب الدكتور علي هاشمي توفي يوم 18 يناير/كانون الثاني 2022، في ظروف غامضة، بسبب نزيف داخلي في الرئة. وكان هاشمي يعمل في منشأة الماء الثقيل النووي في مدينة أراك وسط إيران.
وقتل، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، أبو البرنامج الصاروخي الإيراني العميد حسن طهراني مقدم، بانفجار داخل موقع عسكري على بعد 50 كيلومترا من غرب العاصمة طهران. وقالت السلطات الإيرانية، حينها، إن الانفجار وقع خلال نقل العتاد العسكري وإجراء تجربة صاروخية، لكن الكاتب الإسرائيلي رونين بيرغمن وجه أصابع الاتهام لـ"الموساد" الإسرائيلي، وذلك في كتابه الصادر عام 2018 بعنوان "أسرع واقتله".
كما تعرض علماء نوويون إيرانيون، خلال العقد الماضي، إلى عمليات اغتيال واضحة، آخرهم كان العالم النووي البارز محسن فخري زادة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بالقرب من العاصمة طهران. وكان اغتيال فخري زادة الأبرز بين العلماء النوويين الإيرانيين والخامس من بين العلماء الذين اغتيلوا بعد بدء موجة عمليات اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين عام 2010، أثناء المفاوضات النووية التي كانت تخوضها إيران مع المجموعة الدولية، المؤدية إلى الاتفاق النووي المبرم مع طهران يوم 14 يوليو/تموز 2015.