بعدما كلّف الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الإثنين، نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب ترؤس الوفد اللبناني إلى دمشق بعد غدٍ الأربعاء، لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في النظام السوري بهدف مناقشة مسألة الترسيم البحري بين البلدين، كشف مصدر بوزارة الخارجية أن سورية أرجأت موعد زيارة الوفد اللبناني، وذلك في وقتٍ يستعد فيه لبنان، الخميس، لتوقيع الاتفاق الذي توصل إليه مع إسرائيل في الناقورة جنوباً، بحضور الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
الرئيس عون كلّف نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، ترؤس الوفد اللبناني الى دمشق يوم الأربعاء المقبل لاجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في سوريا بهدف مناقشة مسألة الترسيم البحري بين البلدين الشقيقين
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) October 24, 2022
وأكد مصدر بوزارة الخارجية اللبنانية، لـ"العربي الجديد"، أنه "وصلنا كتاب رسمي سوري يطلب تأجيل زيارة الوفد اللبناني التي كانت مقررة الأربعاء إلى دمشق لبحث الترسيم البحري على أن يحدد موعد لاحقاً".
وبدأت أوساط رئيس الجمهورية ميشال عون الإعلامية تردّد أجواء بأنّ هناك جهات أمنية في لبنان لا تريد لأي اتفاق أن يتم مع الجانب السوري في ما خصّ ترسيم الحدود سواء البحرية أو البرية، من دون أن تسمّيها، ولا سيما قبل انتهاء ولاية عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وقالت الأوساط إن "اعتذار الطرف السوري جاء بذريعة أن هناك ارتباطات مسبقة، تحتم تأجيل الزيارة"، وهي الأجواء نفسها التي نقلتها مصادر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، الذي يعد من حصة عون الوزارية.
وقالت القناة التابعة للرئيس اللبناني ميشال عون "أو تي في" إنه "بعدما بادر رئيس الجمهورية لفتح ملف الترسيم مع سورية، تبين أن بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية لم يكن متحمساً والأمر ترجم بكتاب الاعتذار الذي تلقته الخارجية اللبنانية من الجانب السوري".
ونقلت القناة عن مصادر مطلعة قولها "تبيّن أنه ليس هناك قراراً سياسياً لدى بعض الأجهزة في لبنان ببتّ مسألة الترسيم سواء البحري أو البري مع سورية والوقت ليس مناسباً بالنسبة إلى البعض لخوض هذه المحادثات".
وتتسارع الأحداث على خطّ ملف ترسيم الحدود البحرية في الأسبوع الأخير من ولاية الرئيس اللبناني التي دامت ستّ سنوات، والذي يحرص على "توقيع" إنجاز في عهدٍ امتلأت صفحاته بأزمات غير مسبوقة على المستويات كافة، ويحمَّل مسؤولية كبرى في دفع البلاد نحو الانهيار.
وكانت أعلنت الرئاسة اللبنانية، في بيانٍ، اليوم الإثنين، أن الوفد اللبناني برئاسة بو صعب يضم الوزيرين في حكومة تصريف الأعمال، الخارجية عبد الله بو حبيب (محسوب على الرئيس عون)، والأشغال العامة والنقل علي حمية (من حصة حزب الله الحكومية)، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وعضوي مجلس إدارة هيئة قطاع النفط وسام شباط ووسام ذهبي.
وقالت الرئاسة، في وقت سابق، إن "التكليف يأتي استكمالاً للاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الجمهورية ميشال عون مع الرئيس السوري بشار الأسد في شأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين".
واستقبل عون اليوم بو صعب في قصر بعبدا، مقرّ الرئاسة اللبنانية، وتداول معه في طبيعة المهمة التي سيتولاها الوفد في دمشق، وذلك بعد انتهاء المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل.
وبحسب بيان الرئاسة اللبنانية، فإن "البحث تناول أيضاً الزيارة المرتقبة للوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في اليومين المقبلين إلى بيروت لتسليم الرئيس عون الصيغة الرسمية للرسالة الأميركية المتضمنة وقائع ما آلت إليه المفاوضات مع لبنان".
وسبق للرئيس عون أن لفت غداة إعلانه في 13 أكتوبر/تشرين الأول الحالي موافقة لبنان على الصيغة الأميركية بما خصّ الترسيم البحري الجنوبي إلى أن "الخطوة التالية يجب أن تكون التوجه إلى عقد محادثات مع سورية لحل المنطقة المتنازع عليها معها وهي تزيد عن 900 كيلومتر مربع، وذلك عن طريق التباحث الأخوي"، مشيراً أيضاً إلى أنه "ينبغي مراجعة الحدود المرسومة مع قبرص وتقرير ما يتوجب القيام به مستقبلاً".
وفيما ذكرت وسائل إعلامية، الأسبوع الماضي، أن وفداً حكومياً قبرصياً سيزور لبنان، الإثنين، لإجراء مباحثات مع الحكومة اللبنانية حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، قال مصدرٌ حكومي لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى اللحظة لم يتم تحديد موعدٍ رسمي لزيارة أي وفد قبرصي إلى لبنان"، مشيراً إلى أن "المفاوضات مع الجانب القبرصي ضرورية بالتزامن مع تلك التي ستجرى مع السوريين".
وعام 2007، وقّع لبنان اتفاقية مع قبرص لترسيم الحدود البحرية بينهما، وترك تحديد موقع طرفي هذه الحدود، أي النقطتان 1 و6 بشكل نهائي من جهة الشمال والجنوب لحين التوافق على ترسيم الحدود البحرية مع كل من سورية وفلسطين المحتلة.
وفي 2008، شكلت لجنة مشتركة لوضع تقرير مفصل حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية، توصلت بنتيجة أعمالها بتاريخ 29/4/2009 إلى وضع تقرير عينت بموجبه إحداثيات الحدود البحرية الشمالية مع سورية والجنوبية مع فلسطين المحتلة، فكانت النقطة 23 هي النقطة الثلاثية بين لبنان، قبرص، وفلسطين المحتلة بدلاً من النقطة 1، وبتاريخ 14/7/2010 أودع لبنان الأمين العام للأمم المتحدة لوائح إحداثيات نقاط الحدود البحرية الجنوبية المتمثلة بالخط 23، وذلك وفق تقرير كانت قد أصدرته مجلة الجيش اللبناني حول ملف الترسيم.
وقال التقرير إنه بتاريخ 17/12/2010، وقعت دولة الاحتلال الإسرائيلي اتفاقية لتعيين حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة مع قبرص، وذلك من دون أن تتشاور قبرص مع لبنان بهذا الخصوص كما نصت على ذلك الاتفاقية الموقعة بين الجانبين في العام 2007، وبدلاً من أن ينطلقا بهذه الحدود من النقطة 23، انطلقا من النقطة 1 التي كان متفقاً مع قبرص على أنها نقطة مؤقتة، ثم قامت دولة الاحتلال بترسيم حدودها البحرية مع لبنان من جانب واحد، فانطلقت من نقطة سميت النقطة 31 في رأس الناقورة إلى النقطة 1، وهكذا كان الخط الإسرائيلي الذي سمي بالخط 1، ووقتها اعترض لبنان على الترسيم الإسرائيلي بموجب رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
ومن المعروف أن سورية لم تعر أهمية للخريطة التي أرسلها لبنان إلى الأمم المتحدة عام 2011، على صعيد إعلانه حدوده البحرية، وتقدمت عام 2014 بشكوى ضده إلى الأمم المتحدة معلنة عدم اعترافها بالترسيم الذي أجراه، وقد صادق الجانب السوري على تلزيم البلوك رقم 1 لصالح شركة روسية من دون أي رد فعل لبناني، مع الإشارة إلى أن هناك تداخلاً بين البلوك رقم 1 والبلوكين اللبنانيين 1 و2، في حين يقول خبراء اقتصاديون لبنانيون إن لبنان خسر مع قبرص أكثر من 2300 كيلومتر مربع، ومع سورية 750 كيلومترا مربعا نتيجة سوء إدارة المسؤولين اللبنانيين للملف النفطي.
وفي وقتٍ ستحصل فيه المفاوضات بين لبنان والنظام السوري بشكل مباشر بعكس تلك التي جرت مع دولة الاحتلال، يرى العميد المتقاعد أنطوان مراد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتفاق ممكن جداً بين لبنان وسورية، وهو مطلوب أيضاً مع قبرص، رغم عدم تصوّره بقبول قبرص إجراء أي تعديل جذري، إنما قد تقبل بتعديلات طفيفة.
ويشير مراد إلى أن "ما يحصل اليوم يصب في إطار مشروع المنطقة المتوسطية كلها، التي دخلت في اتفاقات استخراج النفط والغاز والباقي منها لبنان وسورية، بعد إنهاء الخلاف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، باعتبار أن الاستخراج لا يقتصر فقط على ترسيم الحدود، فهناك نقاط وعمليات مشتركة كثيرة، منها مدّ الأنابيب، والتكرير، والتصدير وغير ذلك، من هنا سيصل الاتفاق إلى نتيجة حتمية".
ويلفت مراد إلى أن "الاتفاق يسهل حتماً عملية الاستخراج في الشمال حيث يوجد نفط وغاز كما سيحصل في الجنوب، وهناك ضرورة لإجراء تعديلات، حيث إن لبنان بعدما حدد النقطة رقم 6 لحدوده، عام 2010، عاد وصححها سنة 2011، في المرسوم رقم 6433 بالرقم 7، وهو ما لم تعترف به سورية، وهنا ستكون نقطة البحث"، مشيراً في المقابل إلى أن الاتفاق ممكن أيضاً مع قبرص، ولكن التعديلات ستكون طفيفة، إذ إن قبرص لن توافق اليوم على إجراء أي تغيير جذري.