توفي، اليوم الثلاثاء، رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي، عن عمر يناهز 98 عاماً، بعد 29 عاماً من توقيعه اتفاقية وادي عربة، التي تعرف بمعاهدة السلام الأردنية مع دولة الاحتلال، والتي تواجه حتى اليوم برفض شعبي شبه تام.
ولد عبد السلام المجالي عام 1925 في قرية الياروت بمحافظة الكرك جنوبيّ الأردن، من عائلة المجالي الشهيرة في المملكة، من أب عمل جابياً وأم عمانية من أصول شامية، وله 14 أخاً وأختاً، منهم رئيس مجلس النواب السابق عبد الهادي المجالي، الذي أُقصي من العمل السياسي، وتوفي قبل عامين.
وعبد السلام المجالي أول طبيب مسلم في الكرك، وأول طبيب أردني يدخل الجيش، وأول أردني عسكري بتخصص الأنف والأذن والحنجرة، وأول منشئ لنظام التأمين الصحي لأُسَر الجيش، وأول من أدخل نظام الساعات المعتمدة في الجامعة الأردنية، وأول طبيب يرأس الجامعة الأردنية، ورئيس أول وفد أردني يفاوض الصهاينة.
وتلقى المجالي الكثير من النقد الشعبي، فهو رئيس الوزراء الذي أوصى بحل البرلمان الحادي عشر وسنّ قانون الصوت الواحد "سيئ السمعة"، وهو الذي وقّع معاهدة وادي عربة المرفوضة شعبياً، وقمع الصحافة عندما أصدر قانوناً مؤقتاً أغلق الصحف الأسبوعية، إلى أن ألغاه القضاء، وهو من رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية دون حتى أن يقدم دعماً، وأقرّ أول ضريبة مبيعات في البلاد.
تخرج المجالي من دمشق طبيباً عام 1949، وفي ذلك الوقت كان الجو العام مشحوناً بالغضب العارم على الاستعمار الفرنسي والأحزاب والتنظيمات تنشط في تعبئة الطلاب، وقد تأثر بخطاب لميشيل عفلق بمناسبة المولد النبوي، فالتحق بصفوف البعث. لكن مقامه في البعث لم يطل.
حين لاحت بوادر النكبة بعد إعلان تأسيس دولة الاحتلال، حاول التطوع في جيش الإنقاذ، إلا أن طلبه رفض، فالتحق بالجيش الأردني طبيباً برتبة ملازم في الكتيبة الخامسة بقيادة علي الحياري (أحد الضباط الأحرار الذي قاد مع نظيره قائد الجيش الأردني، الفريق الراحل علي أبو نوار، أول انقلاب عسكري فاشل على الملك الحسين بن طلال عام 1956)، وشارك في المعارك التي خاضها الجيش الأردني في فلسطين.
في عام 1950، أوفد في بعثة دراسية إلى لندن لنيل شهادة في تخصص الأنف والأذن والحنجرة. وفي لندن تعرف إلى الممرضة جون ماري التي صارت شريكة حياته. وشكل تعيينه مديراً للخدمات الطبية تحولاً مهماً في حياته، ويعتبر الكثيرون ممن عاصروه أنه كان مميزاً في عمله، وارتقى بالخدمات الطبية، وخصوصاً عندما اقترح موضوع معالجة عائلات الجنود. شغل منصب وزير الصحة مرتين نهاية الستينيات في حكومتي بهجت التلهوني وعبد المنعم الرفاعي.
بعد تعرضه لعمليتي اختطاف في عمّان وبيروت على خلفية أحداث سبتمبر/ أيلول 1970، فكر في الهجرة من البلد، وأقام في بريطانيا، لكن لقاءً قصيراً بينه وبين رئيس الوزراء الأردني وصفي التل، غداة عودته القصيرة إلى عمّان، دفعه إلى تغيير رأيه، وعاد وزيراً في حكومة وصفي التل التي تشكلت عام 1970 بعيد أحداث أيلول، وتسلم رئاسة الجامعة الأردنية عام 1971، ويُعزى إليه إنشاء الكليات الطبية، وبعد ذلك عُيّن وزيراً للتربية والتعليم عام 1976.
يوم 29 مايو/ أيار1993، كُلف المجالي تشكيل حكومته الأولى التي حلت المجلس النيابي، وأصدرت قانون الصوت الواحد الذي أُجريت انتخابات 1993 بموجبه. وفي عام 1994، وقّع معاهدة السلام مع دولة الاحتلال، وبعد فترة غير طويلة استقالت حكومته، وشكل المجالي حكومته الثانية يوم 19 مارس/آذار 1997 التي تفجرت في عهدها قضية تلوث مياه الشرب، وكان من نتائجها استقالة وزير المياه منذر حدادين.
ونعى رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، المجالي، مؤكِّداً أنَّ "الأردن فقد برحيله أحد رجالاته الأوفياء الذين خدموا بإخلاص منقطع النَّظير وذادوا ببسالة عن مواقف الوطن وثوابته على مختلف الصُّعُد المحليَّة والخارجيَّة، وخدموا القيادة الهاشميَّة، وسعوا بإخلاص من أجل رفعة الأردن وقضايا الأمَّتين العربيَّة والإسلاميَّة".
وأضاف أنَّ "مناقب الفقيد وإرثه الكبير والخدمات الجليلة التي قدمها على مدى عدة عقود ستبقى ماثلة في ذاكرة الوطن ونبراساً للأجيال المقبلة".
كذلك نعى رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، المجالي، وقال إنه بوفاته "يكون الوطن قد فقد قامة وطنية وتربوية كبيرة وسياسيّاً عميقاً، وشخصية وطنية كرست حياتها من أجل خدمة الأردن وقيادته الهاشمية والقضايا العربية العادلة، وفي مختلف مواقع العمل العام، لم يبخل المرحوم بأي جهد ممكن من أجل رفعة الوطن وتقدمه وازدهاره، وبفقدانه يكون الأردن قد فقد أحد رجالاته المشهود لهم بالانتماء الوطني، والحضور السياسي والاجتماعي الكبيرين".