وضع المعتقلين السوريين... بالأرقام والوقائع

18 نوفمبر 2022
أقارب ضحايا ومعتقلين في سجون الأسد في ألمانيا، مايو الماضي (جون ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -

وافقت "اللجنة الثالثة"، إحدى اللجان الست للأمم المتحدة وتعنى بالشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية، في جلستها أول من أمس الأربعاء، على مسودة مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة، بأغلبية 90 صوتاً، في مقابل معارضة 14 وامتناع 68 بلداً عن التصويت، بعنوان "وضع حقوق الإنسان في سورية"، دانت فيه بشدة وضع حقوق الإنسان على يد النظام السوري.

وضع حقوق الإنسان في سورية

وجاء في المسودة أنه "بموجب أحكامها، تدين الجمعية العامة بشدة انتهاك حقوق الإنسان في سورية، فالقتل العشوائي للمدنيين واستمرار الاستخدام العشوائي للأسلحة الثقيلة والقصف الجوي، تسبب في مقتل أكثر من 500 ألف شخص، بما في ذلك مقتل أكثر من 29 ألف طفل. كما يتم تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب، فضلاً عن استخدام الأسلحة الكيميائية".

ووفق المسودة: "تجدر الإشارة بقلق بالغ إلى أن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حددت مقتل 306887 مدنياً في سورية بين مارس/ آذار 2011 ومارس 2022، من بينهم 26727 امرأة و27126 طفلاً".

وأضافت المسودة: "علاوة على ذلك، تعرب الجمعية العامة عن قلقها البالغ إزاء الوجود المتبقي للتطرف العنيف والجماعات الإرهابية، وتدين بشدة جميع انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، التي يرتكبها أي طرف في سورية، ولا سيما تنظيم داعش، والجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم (القاعدة)، والجماعات المسلحة، والجهات الفاعلة من غير الدول، والنظام السوري وحلفاؤه. وتشعر الجمعية العامة بالقلق لأن أكثر من 5.6 ملايين لاجئ، بمن فيهم أكثر من 3.8 ملايين امرأة وطفل، قد أجبروا على الفرار من البلد، وأن 11.1 مليون شخص، منهم 6.6 ملايين نازح، يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة، ما أدى إلى تدفق اللاجئين السوريين إلى البلدان المجاورة وغيرها من البلدان في المنطقة وخارجها".


تطالب الجمعية العامة النظام السوري وداعش بالكف فوراً عن أي استخدام آخر للأسلحة الكيميائية

وبموجب نص المسودة أيضاً "تطالب الجمعية العامة النظام السوري وداعش بالكف فوراً عن أي استخدام آخر للأسلحة الكيميائية، وستطلب من المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظر في إجراءات إضافية للتحقق الصارم، عملاً بالفقرة 8 من المادة الرابعة، والفقرة 10 من المادة الخامسة من اتفاقية الأسلحة الكيميائية، لضمان التدمير الكامل لبرنامج الأسلحة الكيميائية السوري ومنع استخدامه مرة أخرى".

وذكرت المسودة أن "الجمعية تطالب النظام السوري وجميع أطراف النزاع الأخرى بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية من دون قيود، وتدعو إلى استمرار الدعم الإنساني عبر الحدود إلى ما بعد يناير/ كانون الثاني 2023 ولمدة 12 شهراً على الأقل. وتطالب الجمعية العامة أيضاً النظام السوري بالتعاون الكامل مع لجنة التحقيق، بما في ذلك عن طريق منحها إمكانية الوصول الفوري، من دون عوائق، إلى جميع أنحاء البلاد".

ويأتي هذا المشروع في وقت تشير فيه تقارير حديثة إلى استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، ولا سيما الاعتقالات في أنحاء مختلفة من البلاد، تحديداً في مناطق سيطرة النظام. وتطرق ممثلو الدول المشاركة في الجلسة، الذين لم يتم تحديد أسمائهم، إلى خطورة وضع حقوق الإنسان في سورية.

وعرضت الممثلة الأميركية في اللجنة مشروع القرار السنوي بشأن حالة حقوق الإنسان في سورية "أل.36/ريف.1"، وأشارت إلى أنه "بعد مرور 11 عاماً على الثورة السورية، يستمر العنف المتقطع يومياً، مع وقوع المدنيين في مرمى النيران المتبادلة"، وأضافت أن "البعض يدّعي أن الصراع قد انتهى، ولكن هذا الأمر بعيد عن الحقيقة، إذ يستمر استخدام الأسلحة الكيميائية، والقصف، والقتل، والتعذيب، والإخفاء القسري، والعنف القائم على النوع الاجتماعي".

ورحبت بتقرير الأمين العام (أنطونيو غوتيريس) عن المفقودين، وتوصياته بأن تكون التدابير متسقة وشاملة وتتمحور حول الضحايا وأسرهم، وذكرت أن "مشروع القرار (الأميركي) يدعو الجمعية العامة إلى إيلاء الاهتمام للمحتجزين والمفقودين في أوائل عام 2023، مع تضمين لغة قوية حول كيفية تأثر النساء والفتيات، والتركيز على مشاركتهن الهادفة في صنع القرار والأدوار القيادية".

ولفتت الممثلة الأميركية في اللجنة إلى أن "مشروع القرار يسلط الضوء على الحالة الإنسانية التي تتطلب تقديم المعونة من دون عوائق وإعادة الإذن بإنشاء الآلية العابرة للحدود لمدة 12 شهرا على الأقل"، وحثت جميع الوفود على تأييد هذا المشروع والوقوف في وجه هذه الفظائع الوحشية.

بدوره، ذكر ممثل بريطانيا في اللجنة الثالثة أن "النص يحدد المخاوف المشتركة للمجتمع الدولي"، حاثاً النظام السوري على "تحسين سجله في مجال حقوق الإنسان"، ودان "عقداً من الفظائع"، مؤيداً "محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب والعنف الجنسي".

وقال إن "عشرات الآلاف اختفوا أو شُرّدوا، وهناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان المساءلة والمعلومات". وشدّد الممثل البريطاني في اللجنة على وجوب "تقديم النظام إجابات". واعتبر أن "الأوضاع الإنسانية تدهورت بشدة في سورية لأن المعونة العابرة للحدود لم تعد ممكنة، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء".

بدوره، اعتبر ممثل النظام السوري أن مسودة مشروع القرار قدمتها الولايات المتحدة وهو أمر "ليس مفاجئاً أو حتى مثيراً للسخرية"، ورأى أن "الإدارة الأميركية احتلت الأراضي السورية وقصفت البنى التحتية المدنية، ما منع الشعب السوري من الوصول إلى احتياجاته الأساسية".

وأضاف: "لم نتمكن من الوصول إلى مشروع القانون إلا بعد عدة أيام من اقتراحه، وهو أمر غير مهني"، واصفاً المسودة بـ"المسيسة للغاية وبعيدة كل البعد عن الواقع". أكثر من 135 ألف معتقل في سجون الأسد

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد ذكرت في تقرير لها، أول من أمس الأربعاء، أن النظام السوري أفرج بموجب مراسيم العفو التي أصدرها منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 وحتى الآن عن 7351 معتقلاً فقط، وما زال في سجونه أكثر من 135 ألف معتقل ومختف قسراً.

وأوضحت الشبكة أن النظام أصدر منذ مارس 2011 نحو 21 "مرسوم عفو"، كانت نتيجتها بشكل أساسي إطلاق سراح الآلاف من مرتكبي الجرائم الجنائية، وليس معتقلي الرأي، في خطوة متعمدة، لأن النظام أراد استخدام هؤلاء لتجنيدهم في المليشيات المحلية التي أسسها للقتال الى جانبه، وأغلب عناصرها من أرباب السوابق.

وأكد تقرير الشبكة أنه بالرغم من هذه المراسيم الكثيرة، لا يزال هناك ما لا يقل عن 135253 شخصاً، بينهم 3684 طفلاً و8469 سيدة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري، أي أن حصيلة الأشخاص الذين اعتقلوا أو أخفوا من قبل قوات النظام السوري عقب إصدار مراسيم العفو تزيد 17 ضعفاً عن حصيلة من أفرج عنهم بموجب هذه المراسيم.

كما وثق التقرير إقدام أجهزة النظام الأمنية على اعتقال ما لا يقل عن 1867 شخصاً ممن سلموا أنفسهم استجابة لمراسيم العفو، وسجلت وفاة ما لا يقل عن 34 شخصاً منهم بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية أو صدور أحكام بالإعدام ضدهم من قبل محكمة الميدان العسكرية.

كما تطرق إلى شبكات النصب والابتزاز التي ترعى معظمها الأجهزة الأمنية، والتي تنشط خصوصاً عقب كل مرسوم، مستفيدة من قدرتها على الوصول إلى بعض المعلومات عن الشخص المعتقل اعتماداً على اتصالاتها مع الأجهزة الأمنية أو على المصادر المفتوحة، حيث تعمل على الإيقاع بأهالي المعتقلين لابتزازهم مالياً بزعم قدرتها على إدراج أسماء أبنائهم المعتقلين في قوائم المفرج عنهم.

مراسيم العفو

وفي تعليقه على مشروع القرار أمام الجمعية العمومية، وتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الأخير، قال مدير الشبكة فضل عبد الغني لـ"العربي الجديد"، إن تقرير الشبكة حول "مراسيم العفو" استغرق إعداده نحو سنة كاملة من العمل، حيث "تعقبنا حالات الإفراج بموجب المرسوم مع التركيز على المقارنة بين نسبة من تم الإفراج عنهم ونسبة من بقي في سجون النظام، لندرك ضآلة أعداد المفرج عنهم قياساً مع المتبقين".

وأوضح عبد الغني أن "النظام يحتاج إلى 400 مرسوم عفو و230 سنة ليتسنى إطلاق سراح جميع المعتقلين، ومن هنا أردنا القول إن هذه المراسيم ليست أداة فاعلة لإطلاق المعتقلين".

وفي تعقيبه على العوائق التي تحول دون حصول تقدم في قضية الكشف عن مصير المعتقلين في سجون النظام وإطلاق سراحهم، قال عبد الغني إنه "ينبغي ألا تكون هناك أي عوائق وأن تتمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الدخول إلى جميع مراكز الاحتجاز وأن يكشف النظام عن مصير المعتقلين لديه، وهذه مسؤوليته كحكومة ونظام، وإذا فشل في أدائها، عليه أن يرحل، وإلا فهو متورط وهو المسؤول عن اختفاء نحو 135 ألف مواطن سوري".

وأكد أنه لا توجد ضغوط دولية كافية على النظام لحل قضية المعتقلين، و"الجهد المطلوب هو الضغط على حلفاء النظام، إيران وروسيا، من أجل اجباره على الاستجابة للمطالب الدولية بالكشف عن مصير المعتقلين، لأن النظام متوحش ولا يبالي بالضغوط الدولية".

محمد الدالي: قضية المعتقلين في سورية لم تطرح على أجندة المجتمع الدولي بشكل جدي حتى الآن

من جهته، قال الصحافي محمد الدالي، والذي سبق أن تعرض للاعتقال في سجون النظام، في حديث مع "العربي الجديد"، إن قضية المعتقلين في سورية لم تطرح على أجندة المجتمع الدولي بشكل جدي حتى الآن، و"هذا تقصير مسؤولة عنه جزئياً المعارضة السورية"، التي رأى أنها شتتت جهودها خلال السنوات الماضية في اتجاهات مختلفة، من دون التركيز الكافي على قضية المعتقلين برغم أنه لا يكاد يخلو بيت في سورية من وجود معتقل في سجون النظام.

وأضاف الدالي أن هذه القضية يجب أن تحظى بجهد منظم ومنسق سياسياً وحقوقياً، بحيث يتم الدفع بها كقضية مركزية في التعاملات الدولية مع النظام الذي يواصل الاستهتار والتلاعب بهذه القضية مع اطمئنانه إلى أنه لن يدفع أي ثمن لأفعاله، علماً أنه يستخدم المعتقلين كرهائن للتفاوض عليهم في أي استحقاقات سياسية مقبلة.