وساطة الأمم المتحدة في السودان: انقسام داخلي يصعّب نجاحها

03 فبراير 2022
من مليونية 30 يناير في الخرطوم (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

للأسبوع الخامس على التوالي، تواصل البعثة الأممية في السودان، مشاوراتها السياسية لتلمّس مواقف أطراف الأزمة الراهنة حول كيفية الخروج من النفق المظلم، فيما تتباين المواقف من تلك المشاورات، ما بين قبول، وقبول مشروط، ورفض مطلق.

وتقوم مبادرة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقالي الديمقراطي، التي تقدمت بها في 8 يناير/كانون الثاني الماضي، على سبعة محاور رئيسية، غرضها النهائي توافق السودانيين لمعالجة حالة الجمود السياسي الحالي، والتقدم نحو الديمقراطية والسلام، وتعزيز حقوق الإنسان، والوصول إلى تشكيل حكومة بقيادة مدنية تدير ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وتضمن بالأساس مشاركة النساء والشباب، في كل مؤسسات الفترة الانتقالية.

مشاورات البعثة الأممية في السودان

وشملت المشاورات من تسمّيهم أصحاب المصلحة لتلمّس مقترحاتهم وتوثيقها كتابة، حول كيفية الخروج من الأزمة الراهنة. ومنذ 8 يناير الماضي، تسلمت البعثة عشرات المقترحات من الأحزاب والتيارات السياسية والنقابات والمنظمات النسوية وأكاديميين وضحايا الحرب وأسر ضحايا ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 ومنظمات المجتمع المدني.

كما عقدت اجتماعات مع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير ومع تنظيماته بصورة فردية، مثل حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي، إضافة إلى الاجتماع مع الحزب الشيوعي السوداني، والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، والمكون العسكري ممثلاً في عدد من أعضاء مجلس السيادة.


المشاورات الأولية ستساهم في تصميم الخطوات التالية للعملية السياسية

وأنشأ مجلس الأمن الدولي البعثة في يونيو/حزيران 2020 بموجب القرار 2579 وحصر مهمتها في مساعدة السودانيين على تحوّل بلدهم نحو التحول الديمقراطي، ودعم عملية السلام في البلاد.

وسبق قرار إنشائها خلاف بين المكون المدني والمكون العسكري، حول طبيعتها ومهامها وصلاحياتها، إذ اعترض العسكر على منحها صلاحيات تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما كان يتحمس إليه رئيس الوزراء حينها عبد الله حمدوك.

وأكدت البعثة في أكثر من مناسبة، أن تلك المشاورات الأولية ستساهم في تصميم الخطوات التالية للعملية السياسية، مؤكدة استعدادها لتيسير اتخاذ خطوات إضافية في مرحلة لاحقة بحسب ما تقضيه الحاجة وما يحدده شركاء العملية السياسية.

كما نفت أن يكون للأمم المتحدة أي مصلحة من إقدامها على الخطوة، وشددت على أهمية تهيئة المناخ لضمان نجاح مشاوراتها، بما يشمل وقف العنف تجاه المتظاهرين السلميين، ومحاسبة مرتكبي العنف، وحماية حقوق السودانيين في التعبير السلمي.

وبعد مضي نحو شهر عليها، تتباين مواقف القوى السياسية حول تحركات البعثة الأممية، فالمكون العسكري أعلن ترحيبه بالمبادرة واقترح إشراك الاتحاد الأفريقي فيها. 

بينما اشترط تحالف قوى الحرية والتغيير لنجاح التحرك الأممي أن تؤدي في النهاية إلى إنهاء الحالة الانقلابية في البلاد، واستعادة المسار الديمقراطي بالكامل. كما اقترح إشراك الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا (الولايات المتحدة، وبريطانيا، والنرويج) بما يتيح توفير أكبر قدر من الضمانات الدولية توفر رقابة دولية على أي توافق سياسي.

تيارات سياسية أخرى يقودها حزب المؤتمر الوطني، حزب الرئيس المعزول عمر البشير، تقود حملة سياسية وإعلامية رافضة للمبادرة الأممية بحجة أنها تمثل تدخلاً صارخاً في الشأن السوداني.

ونظمت تلك التيارات قبل أسبوع تظاهرة ضخمة أمام مقر بعثة الأمم المتحدة، تطالب بطرد رئيس البعثة فولكر بيرتس، اعتقاداً منها أن مبادرته تمهد لمصادرة الإرادة الوطنية في حل القضايا المصيرية، وتكريس التدخل الأممي ليصبح انتداباً كاملاً.

وحتى داخل صفوف مناهضي الانقلاب العسكري، هناك من يرفض المبادرة الأممية لأسباب مختلفة، أبرزها تماهي البعثة الأممية في السودان مع الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعدم اتخاذها إجراءات قوية ضده وضد ما يقوم به من انتهاكات ضد حقوق الإنسان.

وثانيها دعمها اللامحدود للاتفاق بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو اتفاق على حد تقديرها يشرعن للانقلاب. ويقف على رأس تلك التيارات الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السودانيين.

الدعم الخارجي للمبادرة الأممية

خارجياً، وجدت المبادرة الأممية دعماً وتأييداً واسعاً، لا سيما من الدول والحكومات والمنظمات ذات الاهتمام بالشأن السوداني، مثل الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا، ورحب بها بيان رباعي بين الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا والإمارات.

كما رحبت بها مصر وقطر، بينما يحاول الاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية "إيغاد" إشراك أنفسهما في تلك الجهود برغبة من العسكر.


استبعد البعض وجود أي فرصة لنجاح المبادرة الأممية لأنها بعيدة عن مطالب الشارع السوداني والثورة

القيادي في تجمع المهنيين السودانيين، حسن فاروق، استبعد وجود أي فرصة لنجاح المبادرة الأممية لأنها بعيدة عن مطالب الشارع السوداني والثورة، وترتب من جديد للإبقاء على العسكر في المشهد السياسي، من دون اكتراث للرفض الواسع لهم من قوى الثورة.

وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يكرر أخطاءه في السودان ويريد تنظيم الساحة السياسية من جديد وفقاً لمصالحه الذاتية ومن دون اهتمام بمواقف قوى الثورة، مستشهداً بعدم لقاء الوفد الأميركي الأخير بلجان المقاومة ولا تجمّع المهنيين وعدد آخر من الأجسام المؤثرة، واكتفى بلقاءات مع العسكر وقوى الحرية والتغيير.

وأبدى فاروق اندهاشه مما عدّه نكوص قوى الحرية والتغيير عن وعودها بعدم التفاوض مع العسكر، بموافقتهم عبر مبادرة الأمم المتحدة على التفاوض ولو بطريقة غير مباشرة، مبيناً أن ذلك سيعيد إنتاج الأزمة وسيقود إلى تسوية هشة.

ونوه إلى أن مطالب الشعب السوداني واضحة بمدنية الدولة وابتعاد المؤسسة العسكرية بكلياتها عن الحكم، وإذا لم يحدث ذلك فإن الشارع المنتفض منذ انقلاب 25 أكتوبر سيحقق ذلك، رضي المجتمع الدولي أو أبى، خصوصاً أن انتصار الثورة الجزئي من قبل لم يكن للمجتمع الدولي يد فيه، وتفاجأ به كغيره، وحاول قطع طريق الثورة التي تهدد مصالحه في السودان، وربما تغير كثيراً في الخريطة السياسية للإقليم ككل.

واعتبر فاروق أن السودان يحتاج إلى تغيير جذري وليس صفقات وتسويات وحلولاً عابرة كما حدث عقب ثورتي أكتوبر 1964 وإبريل/نيسان 1985، وإذا لم تتحقق تلك الحلول الجذرية فسترد البلاد إلى الانقلابات العسكرية مرات ومرات.

فرصة لنجاح المبادرة الأممية في السودان

لكن كمال عمر، المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الشعبي، وهو واحد من الأحزاب التي اجتمع بها المبعوث الأممي فولكر بيرتس في سياق المشاورات السياسية، رأى عكس ذلك، مؤكداً وجود فرصة كبيرة لنجاح المبادرة الأممية، بشرط أن تتوفر لها إرادة سياسية بين كل القوى السياسية للتوصل إلى توافق يخرج البلاد من أزمتها.

وأوضح عمر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن السودان جزء من منظومة الأمم المتحدة ولا ضير في قبوله بمساعدتها تسهيلاً لأي مفاوضات، كما أن المبادرة تمتلك ضمانات وأدوات ضغط على المكون العسكري "وهو العقبة أمام نجاح مثل تلك المبادرات وإنهاء الانقلاب العسكري".

وحول الرفض الحالي للمبادرة عبر التظاهرات والهجوم الإعلامي، اتهم عمر من أسماهم "فلول المؤتمر الوطني" بالوقوف وراء تلك الحملات وجعل الموضوع فزاعة بانتهاك السيادة، على الرغم من أنه حينما كان الحزب في السلطة عمد إلى تدويل كثير من الملفات السودانية، وطاف بها العواصم الأفريقية، وجلب ثلاث بعثات أممية للبلاد، وليس له الآن أي منطق في الوقوف ضد تسهيل الأمم المتحددة للحوار بين أطراف الأزمة.


ترجيحات بتنظيم انتخابات مبكرة خلال 12 شهراً

أما الفريق فتح الرحمن محيي الدين، المقرب من المكون العسكري، فقال إن ترحيب المكون بالمبادرة مشروط باكتفاء المبعوث الأممي بدور المسهل من دون أن يكون وسيطاً أو يطرح مبادرة مستقلة، مبدياً خشيته من انحياز الأمم المتحدة ومبعوثها فولكر بيرتس لأحد الأطراف، وتحديداً قوى الحرية والتغيير.

واستنكر محيي الدين، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، رفض بيرتس الجلوس قبل أيام مع قيادات لجنة "سودانيون من أجل السيادة" المناوئة للتدخل الأجنبي في الشأن السوداني، ونعتهم بأنهم مؤتمر وطني.

وأشار إلى أن ذلك يؤشر إلى انحياز منه ضد طرف من الأطراف. ورجح محيي الدين، قيام انتخابات مبكرة في فترة أقصاها 12 شهراً حال فشل جهود الأمم المتحدة الحالية، وذلك حتى تتسلم السلطة حكومة مدنية يقع عليها بعد ذلك، عبء إدارة الدولة وإيجاد المخارج السياسية وفق تفويضها الشعبي.

أما نعمان عبد الحليم، عضو لجنة "سودانيون من أجل السيادة"، فعزى موقفهم من الوساطة الأممية إلى ما عده تدخلاً يومياً لرئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس في الشأن السوداني، وتحوله إلى ناشط سياسي وانحيازه لبعض الفئات من دون الأخرى، وتجاوزه مهامه الرئيسة من داعم للتحول الديمقراطي إلى معطل حقيقي له.

وأضاف عبد الحليم، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن السودان نال استقلاله منذ عام 1956 ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوضع تحت وصاية الأمم المتحدة بأي شكل كان، وعلى المنظمة الدولية الآن ترك السودانيين لتحديد مستقبلهم السياسي بحوار داخلي فيما بينهم، حتى لا يقعوا في مطب فشل الأمم المتحدة الذي حدث في بلدان أخرى. وأكد وجود فرصة للحوار السوداني-السوداني يحقق الوفاق والتوافق والتعايش.