وحشية العسكر في ميانمار تتمدد: حرق واعتقالات وتعذيب

10 ديسمبر 2021
يتواصل الحراك الشعبي في ميانمار رفضاً للانقلاب (Getty)
+ الخط -

بعدما فرضت حكمها بالقوة إثر انقلاب أطاح في الأول من فبراير/شباط الماضي، بالزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي، وحزبها "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، لم تسع الطغمة العسكرية في ميانمار إلى إجراء حوار وطني، أو مصالحة، تحفظ لها ماء الوجه مع المجتمع الدولي، الرافض للانقلاب، من جهة، أو يمنحها فرصة للقفز على تحديات لم تنجزها الزعيمة المدنية التي حكم عليها أخيراً بالسجن أربع سنوات بتهمة التحريض على الجيش.

أكثر من 70 ألف شخص اعتقلوا في ميانمار منذ الانقلاب

عوضاً عن ذلك، يضرب العسكر في ميانمار، هذه الدولة الواقعة في جنوب شرقي آسيا، عرض الحائط، بالتقارير الصادرة عن منظمات إنسانية وحقوقية عالمية، والمنددة بارتفاع منسوب الوحشية والقمع متنوع الأشكال، الذي يمارس على أيديهم، ضد المواطنين، والذي توثقه شهادات وفيديوهات ومعلومات، لم تدفع الأمم المتحدة بعد أو الهيئات الدولية، إلى إعلاء الصوت للمطالبة بالمحاسبة.

مجزرة مروعة ينفذها الجيش

وآخر ما تمّ توثيقه من هذا النوع، اتهام الجيش في ميانمار، بإحراق 11 شخصاً، في قرية دون تاو بمنطقة ساغينغ، شمال غربي البلاد، في ردّ على ما يبدو على هجوم استهدف قافلة عسكرية، حيث تتواصل تحركات مليشيات الدفاع الوطني، والتي كانت تشكلت لمقاومة الانقلاب.

وبحسب شهود وتقارير عدة، فقد دهمت أخيراً القوات الحكومية، قرية دون تاو الصغيرة، واعتقلت مدنيين، وقيّدت أيديهم، ثمّ أحرقتهم أحياء.

وأظهر مقطع مصور في أعقاب المداهمة التي وقعت الثلاثاء الماضي، جثث 11 ضحية متفحمة، يعتقد أن بعضها يعود لمراهقين، ملقاة في دائرة وسط كوخ في القرية، ما أثار موجة من الغضب، بعد انتشار المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويعد هذا العمل أحدث الهجمات متزايدة الوحشية للعسكر، في محاولة لإخماد المقاومة المناهضة لحكومته.

ورداً على ذلك، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أمس الخميس، المجتمع الدولي، إلى ضمان إضافة أسماء القادة الذين أصدروا الأوامر بهذه الجريمة، إلى قوائم العقوبات المستهدفة، وعلى نطاق أوسع تكثيف الجهود لقطع أي مصدر تمويل للجيش.

وقالت المتحدثة باسم المنظمة، ماني مونغ، إن "مصادرنا تقول إن الضحايا كانوا مجرد صبية وشباب قرويين، تم القبض عليهم في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ".

وأضافت أن وقائع مماثلة تحدث بانتظام في ميانمار، لكن هذه الواقعة تم التقاطها بالكاميرا. ووصفت الحادث بـ"الوقح للغاية، وقد حدث في منطقة كان من المقصود أن تتم فيها إخافة الناس".

روايات شهود من قرية دون تاو

وروى شاهد، لوكالة "أسوشييتد برس"، أنه كان حاضراً عندما تمّ التقاط صور الجثث المتفحمة، ما يتوافق بحسب الوكالة، مع أوصاف الحادث التي نقلتها وسائل إعلام ميانمار المستقل.

وبحسب وكالة "رويترز"، فقد شهدت منطقة سايغينغ، قتالاً شرساً بين الجيش ومليشيات الدفاع المدني، منذ انقلاب فبراير، ونقلت عن متطوع في المنطقة قوله إن الجيش كان يريد فقط أن يقتل بشكل وحشي أي شخص صادفه.

وبحسب المصدر، فإن المتطوع ساعد أشخاصاً على الهروب من القرية ومن قرى مجاورة. وأكد قريب للضحية هتيت كو، أن الأخير كان طالباً جامعياً ولم ينضم إلى أي مليشيا.

وقال متحدث باسم حكومة الظلّ في ميانمار، التي شكلتها المعارضة المدنية، إن الضحايا قد تمّ تقييدهم مع بعض، وتعذيبهم، ثم حرقهم أحياء. ووضع على وسائل التواصل لائحة قال إنها لأسماء هؤلاء، وجميعهم ذكور، ومن بينهم فتى في عمر الـ14.

وأعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، عن قلق المنظمة من التقارير الأخيرة الواردة من ميانمار، واصفاً تقرير الحرق بأنه مرعب. وقال دوغاريك: "ندين عنفاً كهذا، ونذكر السلطات العسكرية في ميانمار، بمسؤولياتهم وفق القانون الدولي".

قتل الجيش 1318 شخصاً من بينهم 93 امرأة منذ فبراير

وكانت جمعية مساعدة المعتقلين السياسيين "آي آي بي بي"، وهي مجموعة مراقبة مستقلة في ميانمار، قد أكدت أن أكثر من 70 ألف شخص اعتقلوا في ميانمار، بعد الانقلاب، وأن 1300 شخص قتلوا على يد القوات الحكومية منذ ذلك الوقت.

لكن الطغمة العسكرية في هذا البلد، تتهم المجموعة الحقوقية بالانحياز وباستخدام قاعدة بيانات مبالغ فيها، مؤكدة أن مئات الجنود قد قتلوا أيضاً منذ فبراير.

ووثقت شبكة "بي بي سي" الإخبارية أخيراً، التعذيب والانتهاكات التي تعرضت لها نساء على أيدي العسكر في ميانمار، بعد اعتقالهن. واستعانت الشبكة، في تقرير لها نشر أمس الخميس، بشهادات خمس نساء أكدن أنهن تعرضت للانتهاك الجنسي، والتعذيب، في المعتقلات، بعد توقيفهن بتهمة المشاركة في تظاهرات ضد الانقلاب على أونغ سان سو تشي.

وبحسب الشبكة، فإن 1318 شخصاً قتلوا حتى 8 ديسمبر/كانون الأول الحالي (أول من أمس الأربعاء)، على يد جيش ميانمار، منذ تنفيذه انقلابه، بمن فيهم 93 امرأة، نقلاً عن جمعية مساعدة المعتقلين السياسيين. وبحسب المجموعة، فإن ثماني نساء على الأقل فقدن حياتهم في المعتقل، منهن أربع، قتلن تحت التعذيب أثناء الاستجواب.

وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الإثنين الماضي، قراراً يرجئ إلى موعد غير محدد، الاعتراف الدولي بنظام المجموعة العسكرية في ميانمار، والذي يعني إن حصل، قبول أوراق اعتماد موفدها إلى المنظمة الدولية. واعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة القرار بالإجماع من دون تصويت.

وكانت اللجنة المسؤولة عن اعتمادات السفراء قد أوصت الأسبوع الماضي "بإرجاء قرارها حول أوراق اعتماد ممثل ميانمار" (وأفغانستان) خلال الدورة الحالية للجمعية العامة، والتي تنتهي في سبتمبر/أيلول 2022، ولا يُتوقع عقد اجتماعات أخرى للجنة التي تضم تسع دول وتترأسها السويد، في المدى القريب.

وتلقت اللجنة طلبات مختلفة من ميانمار، بعدما أقال المجلس العسكري الحاكم، كياو مو تون، المعيّن من قبل الزعيمة السابقة أونغ سان سو تشي كسفير للبلاد لدى المنظمة الدولية، من منصبه، وعيّن مكانه العسكري السابق أونغ ثورين (هو الذي ينتظر موافقة الأمم المتحدة عليه).

وإذا كان السفير المعيّن من أونغ سان سو تشي لا يزال موجوداً في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، فإن اتفاقاً توصلت إليه في سبتمبر الماضي، واشنطن وبكين وموسكو، قضى بمنع الأخير من إلقاء كلمة بلاده في الجمعية العامة للأمم المتّحدة.
(العربي الجديد، أسوشييتد برس، رويترز)

المساهمون