منذ منح الكنيست الثقة لحكومة بنيامين نتنياهو الحالية، تكثف ظهور إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الإعلامي والسياسي، المترافق دوماً مع تصريحات عنصرية وفاشية، لا يمكن تقبلها عالمياً، حتى من قبل أشد داعمي الاحتلال الصهيوني، خصوصاً من يدرك منهم أهمية الالتزام بالمبادئ الإنسانية السامية، ولو خطابياً بالحد الأدنى.
ظهور الفاشيين بن غفير وسموتريتش المتكرر أحرج داعمي الاحتلال، ووضع الاحتلال؛ ربما للمرة الأولى، تحت مجهر التدقيق، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الصهيونية الفاشية والعنصرية، التي حظيت على مدى عقود طويلة خلت بالحماية الإعلامية والسياسية والحقوقية، مهما أوغلت في جرائمها ضد الإنسانية، وسياسة التطهير العرقي والفصل العنصري تجاه شعب فلسطين الأصلي ومناصريه من شعوب المنطقة والعالم، التي ساهم أنصار الاحتلال سابقا في إخفائها في أحيان، وفي تضليل الرأي العام العالمي حين يصعب اخفاؤها، ولنا في حادثة سحق جسد المناضلة الحقوقية الأميركية راشيل كوري مثالاً على ذلك، فضلاً عن عشرات الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين، من حصار قطاع غزة اللاإنساني إلى إعدام أطفال فلسطين شبه اليومي.
لا يهدف هذا التضليل إلى حماية الصهيونية اليوم فقط، بل يعمل على فصل حاضرها عن ماضيها، بغرض قطع الطريق على محاولات كشف حقيقتها المخفية منذ زمنٍ بعيد
يعود اختلاف التعاطي العالمي مع مظاهر العنصرية والفاشية الصهيونية الفجة في الوقت الراهن، في رأي الكاتب، إلى عاملين رئيسيين: الأول يتمثل في تصاعد دور الإعلام البديل، الخارج نسبياً عن سيطرة مراكز القوة العالمية، سياسية كانت أم مالية، التي لعبت الدور الأبرز تاريخياً في تجميل صورة الاحتلال. في حين يعود السبب الثاني إلى ازدياد فاعلية الناشطين والنخبة الفلسطينية الأكاديمية والثقافية في الأوساط العالمية، التي ساهمت في استنهاض حركات عالمية تناصر الحقوق الفلسطينية عامةً، وأحياناً تناصر الرواية الفلسطينية كاملةً، كان من نتائجها توالي مكاسب حركة المقاطعة، على جميع الأصعدة، السياسية والثقافية والاقتصادية، والتدقيق في ممارسات الاحتلال الصهيوني وتوجهاته عامةً.
لكن علينا الانتباه إلى تفصيل صغير وجوهري في الوقت ذاته؛ يتمثل في ضرورة التصدي لحملات التضليل الساعية إلى حماية الاحتلال من وسم العنصرية والفاشية، من خلال خلق فواصل وهمية بين توجهات التيار الذي يمثله كل من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير من جهة، والاحتلال الصهيوني تاريخياً من جهة أخرى، رغم وجود تباينات تتعلق بالسياسات الداخلية. إذ تعمل تلك الأصوات على حصر صفة الفاشية والعنصرية في تيار جزئي ضمن الجسم السياسي الصهيوني وكتلته الاجتماعية، معتبرةً صعود هذا التيار اليوم حالة منفلتة استثنائية ومؤقتة، يمكن ضبطها عبر مؤسسات الاحتلال القضائية والحقوقية أولاً، والكتلة الاجتماعية الصهيونية ثانياً، والقوى السياسية الصهيونية الأخرى ثالثاً.
عملياً؛ لا يهدف هذا التضليل إلى حماية الصهيونية اليوم فقط، بل يعمل على فصل حاضرها عن ماضيها، بغرض قطع الطريق على محاولات كشف حقيقتها المخفية منذ زمنٍ بعيد، على الرغم من آلاف الدلائل على ارتباطهما، التي تثبتها الممارسات الإجرامية وضد الإنسانية وجرائم التطهير العرقي والفصل العنصري والتهجير القسري، التي كشفتها وثائق الاحتلال ذاته، وباحثون ومفكرون عديدون، منهم من خدم في شبابه في جيش الاحتلال، قبل أن يدرك طبيعة الصهيونية ودورها في المنطقة.
بالتالي؛ علينا اليوم البناء على ممارسات بن غفير وسموتريتش والحكومات الصهيونية المتعاقبة، من أجل كشف تاريخ الصهيونية الأسود في فلسطين، أمام شعوب العالم أجمع، فالفرصة سانحة اليوم في ظل فجاجة مكونات حكومة الاحتلال أولاً، وفاعلية الإعلام البديل على الساحة الدولية ثانياً، ودور الحركات الشعبية المناصرة للقضية الفلسطينية ثالثاً.