"وثيقة وندسور" بديلاً لبروتوكول أيرلندا الشمالية: فصل جديد من العلاقات البريطانية الأوروبية

01 مارس 2023
لم يتوقف سوناك عن الحديث عن وثيقة وندسور وكأنه يريد حفرها في ذاكرة البريطانيين (Getty)
+ الخط -

بدأ فصل جديد من العلاقات البريطانية الأوروبية مع المباحثات الأخيرة التي خاضها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا دير فون لايين بداية هذا الأسبوع. 

 كما بدأ فصل جديد أيضاً في المستقبل السياسي لسوناك مع استبداله بروتوكول أيرلندا الشمالية المتنازع عليه منذ ثلاث سنوات، بوثيقة وندسور التي يبدو أنها اجتازت اختبارات الحزب الاتحادي الديمقراطي السبعة. تلك الوثيقة التي لم يتوقف سوناك عن الحديث عنها، وكأنه يريد حفرها في ذاكرة البريطانيين بدلاً من عبارة "البروتوكول"، بدّلت صورته من رئيس وزراء "انتقالي" في مرحلة انتقالية وسيئة يعيشها "حزب المحافظين"، إلى زعيم "موثوق". 

ما هي وثيقة وندسور؟ 

في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 2021، دخل ما يعرف بـ"بروتوكول أيرلندا الشمالية" حيّز التنفيذ لتنظيم التجارة بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد الانسحاب. وبعد التوافق عليه بين جميع الأطراف، تراجعت الحكومة البريطانية بزعامة بوريس جونسون عن التزاماتها ومرّرت مشروع قانون يسمح للوزراء بـ"تمزيق" أجزاء مهمة من البروتوكول من طرف واحد، ما دفع بروكسل إلى التهديد برفع دعاوى قانونية ضد المملكة المتحدة لخرقها القانون الدولي.

من جهته، علّق الحزب الاتحادي الديمقراطي مشاركته في السلطة التنفيذية في أيرلندا الشمالية، بحجة أن البروتوكول بصورته الأخيرة يهدّد اتّفاق السلام الذي يعرف بـ"اتفاق بلفاست" أو "الجمعة العظيمة"، والذي وقّعته الحكومة البريطانية والحكومة الإيرلندية بمباركة الأحزاب السياسية عام 1998، كذلك فإنه يمثّل وجهاً من أوجه "الاستعمار". 

ومع وصوله إلى الزعامة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بدأ سوناك بخوض مفاوضات حقيقية مع الجانب الأوروبي للتوصل إلى اتفاق "يرضي جميع الأطراف". وبعد ثلاثة أشهر من المباحثات "السرية"، أعلن "داونينغ ستريت" أنّ "مباحثات أخيرة" تجري بين رئيس الحكومة ورئيسة المفوضية الأوروبية من جهة، وبينه وبين الأحزاب الإيرلندية من جهة أخرى، لوضع اللمسات الأخيرة على البروتوكول.

من جهته، انكبّ جونسون قبل أسبوعين برفقة مؤيّديه من المتشدّدين على "إفشال" جهود الحكومة الحالية والمباحثات الجارية عبر إعادة طرح مشروع قانون "بروتوكول أيرلندا الشمالية" والتلويح بتمزيقه من طرف واحد وحشد أصوات المتمرّدين على سوناك وتهديده بالاستقالة إن لم يمرّر مشروع القانون.

إلا أن سوناك أعلن يوم الاثنين توصل الجانبين إلى "وثيقة وندسور"، نسبةً إلى قلعة وندسور الشهيرة، بما يطوي صفحة البروتوكول المتنازع عليه من ثلاث سنوات من جهة، والعلاقات المتوترة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. ولم يسلم سوناك من انتقادات متشدّدي الحزب، لأنه أدخل الملك تشارلز الثالث إلى الساحة السياسية، حيث وضعت اللمسات الأخيرة على الاتفاق في قلعته، والتقى رئيسة المفوضية الأوروبية في وقت لاحق من ذلك اليوم "التاريخي".

 ماذا غيرت "وثيقة وندسور"؟

 1- الإنجاز الأول رمزي، لكنه يسعى لتبديد النزاعات المشتعلة منذ ثلاث سنوات، إذ أعلن سوناك استبدال البروتوكول برمّته بدلاً من التلويح بتمزيقه من طرف واحد. وأصرّ على فعل "استبدلنا" بروتوكول أيرلندا الشمالية، معلناً "وثيقة وندسور".

2- أحد البنود الأساسية في الوثيقة يلغي مشروع قانون أيرلندا الشمالية "إلى الأبد"، ويلغي بالتالي الطعون القانونية السبعة التي رفعها الجانب الأوروبي ضد المملكة المتحدة.

3- بند أساسي آخر يعترف بمكانة أيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة ويحميها، استجابة لمطالب الحزب الاتحادي الديمقراطي.

4- إزالة "الحدود في البحر الأيرلندي" عبر الممر الأخضر المخصص للتجّار الموثوقين.  

5- بعد أن حظر "بروتوكول أيرلندا الشمالية" وصول الزبائن إلى مجموعة كبيرة من الأغذية القادمة من المملكة المتحدة كالنقانق، بات بإمكان تجار الجملة وأصحاب المطاعم والمتاجر عبور الممر الأخضر دون الحاجة إلى التفتيش، ما لم تشعر السلطات بالحاجة إلى ذلك "منعاً للاحتيال أو التهريب أو انتقال الأمراض". 

6- تسهيل إرسال الطرود البريدية داخل أجزاء المملكة المتحدة عبر إلغاء ضرورة تعبئة النماذج الجمركية.

7- البروتوكول القديم لم يكن يعترف بتطبيق التغييرات الضريبية على أيرلندا الشمالية، الوثيقة الجديدة تعترف بكل التغييرات والإصلاحات الخاصة بضريبة القيمة المضافة على الكحول وغيرها في كل أجزاء المملكة، بما فيها أيرلندا الشمالية.

8- في ما يخصّ الأدوية، اشترط البروتوكول الحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي عليها، بينما تعترف الوثيقة الجديدة بموافقة وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية، على أن تتحمل المملكة المتحدة وحدها مسؤولية حماية توريد الأدوية لمواطنيها.

9- في ما يخص النباتات، ستوسّع الحكومة مخطّطها لعبور النباتات، ليطبّق في كل أنحاء المملكة المتحدة مع رفع الحظر عن الشجيرات وبذور البطاطا وتسهيل وصولها بسرعة إلى أيرلندا الشمالية.

10- تسهيل عبور مواطني أيرلندا الشمالية القادمين إلى بريطانيا العظمى برفقة حيواناتهم الأليفة عبر استبدال عمليات التفتيش المرهقة والمكلفة بالشريحة الإلكترونية.

11- في ما يخصّ قوانين الاتحاد الأوروبي، وهي بند أثار "سخط" الحزب الاتحادي الديمقراطي في السابق، ألغت الوثيقة الجديدة 1700 صفحة من قانون الاتحاد الأوروبي، ولم يعد يطبّق في أيرلندا الشمالية سوى أقل من 3 بالمئة من القواعد الأوروبية.

12- منح أيرلندا الشمالية سلطة كبح، بحيث بات باستطاعة الأحزاب الاعتراض على بعض القواعد الجديدة وتعليق العمل بها حتى يتفق الطرفان على وجوب عودتها إلى حيّز التنفيذ. ويشترط هذا البند قيام 30 عضواً من أصل 90 من أعضاء المجلس التشريعي، بطلب التماس اعتراضاً على إحدى القواعد الجديدة والمعمول بها في أيرلندا الشمالية. 

ماذا بعد؟ 

على الرغم مما وصف بـ"الانتصار التاريخي" الذي حقّقته "وثيقة وندسور"، إلا أن الإنجاز لن يكتمل إلا بمباركة الحزب الاتحادي الديمقراطي حتى اللحظة، وتبدو المؤشرات إيجابية، وخاصة بعد أن اعترف زعيم الحزب جيفري دونالدسون بـ"التقدم" الذي أحرزته الوثيقة، مطالباً بمنح حزبه الوقت الكافي للاطلاع على كل بنودها.

من جهته، أعلن "شين فين"، أكبر أحزاب أيرلندا الشمالية، مباركته للوثيقة، مع أنه طلب أيضاً منحه الوقت للبحث في بنودها. أما الشارع الأيرلندي، فتشير استطلاعات الرأي إلى أن الوثيقة حقّقت شعبية لافتة بين الناخبين الراغبين في عودة مرشّحيهم إلى تقاسم السلطة والاستجابة لمطالبهم المتعلقة بغلاء المعيشة وتردّي القطاع الصحي وارتفاع أسعار الطاقة.

المساهمون